المنشورات

صديق حسن خان

اللغوي، المفسر محمّد صديق (1) خان بن حسن بن علي بن لطف الله الحسيني البخاري القنوجي، الهندي، أبو الطيب.
ولد: سنة (1248 هـ) ثمان وأربعين ومائتين وألف.
من مشايخه: أحمد بن حسن العرشي، وأحمد ولي الله الدهلوي وغيرهما.
كلام العلماء فيه:
• حلية البشر: "فاضل، حظه من المعرفة وافر، له نثر ونظم ... " أ. هـ.
• الأعلام: "من رجال النهضة الإسلامية المجددين، ولد ونشأ في قنوج (بالهند) ... وتزوج من ملكة بهوبال، ولقب بنواب علي الجاه أمر الملك بهادر" أ. هـ.
• قلت ذكر صاحب كتاب "السيد صديق حسن القنوجي آراؤه الاعتقادية وموقفه من عقيدة السلف": إن صديق حسن خان سلفي العقيدة في الأسماء والصفات إلا إنه مال في بعض المسائل إلى القول بقول الأشاعرة في مسألة التحسين والتقبيح وإنكار القول بتكليف ما لا يطاق فقال ما نصه ص (40): "أما عقيدة القنوجي فقد تبين في خلال كتبه أنه سلفي العقيدة إلا أنه في بعض المسائل مال إلى الأشاعرة اعتقادًا منه أنه مذهب السلف، كالقول بإنكار التحسين والتقبيح العقليين، والاقتصاد على كونهما شرعيين فقط وإنكار القول بتكليف ما لا يطاق دون نظر إلى ما لعلماء السلف من تفصيل".
ثم تكلم صاحب الكتاب عن عقيدته مفصلة في بعض الصفات، وقال في صفة القدرة:
"أثبت صفة القدرة لله تعالى بإيراد عدة آيات كقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ} وقال تعالى {أَوَلَيسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ}.
والقدرة صفة أزلية له، يقول: "قادر بقدرته التي هي صفته الأزلية السرمدية تؤثر في المقدورات عند تعلقها بها".
ثم يقول: "إن ما ذهب إليه القنوجي -رحمه الله- من إثبات القدرة لله تعالى، وأن الأشياء كلها تحت قدرته ومشيئته، هو نفس ما ذهب إليه السلف".
وفي صفة الإرادة (ص: 254 م-255): "أثبتها القنوجي مستدلًا بالآيات البينات، وبين أنها نوعان: إرادة كونية وإرادة شرعية، يقول: "وهي في كتاب الله تعالى نوعان:
إرادة قدرية كونية خلقية وهي المشيئة الشاملة بجميع الموجودات، لقوله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ}.
وإرادة دينية أمرية شرعية وهي المتضمنة للمحبة والرضا كقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (1) وأمثال ذلك.
والإرادة صفة لله تعالى قديمة أزلية وليست بحادثة، كم زعمت المعتزلة والكرامية، فالقنوجي يرد عليهم مبينًا أن هذا القول يؤدي إلى أنه محل للحوادث، يقول: "مريد بإرادته القديمة، وفي القدم تعلقت بأحداث الحوادث في أوقاتها اللايقة بها على وفق سبق العلم الأزلي، إذ لو كانت حادثة لصار محلًا للحوداث (2) (3).
كما ناقشهم في ادعائهم -بأن الكافر هو الذي أراد الكفر لا دخل لإرادة الله سبحانه فيه- قائلًا: ما من حركة أو سكون إلا وهو كائن من إرادة الله تعالى، حتى الكفر فقد أرداه كونًا وقدرًا، وإن لم يرض به بل يبغضه.
يقول: "مريد لجميع الكائنات مدير للحادثات، فلا يجري في الملك والملكوت صغير أو كبير، قليل أو كثير، خير أو شر، نفع أو ضر، حلو أو مر، إيمان أو كفر، عرفان أو نكر، فوز أو خسران، زيادة أو نقصان، طاعة أو عصيان إلا بإرادته ووفق حكمته وطبق تقديره وحسب قضائه في خليقته، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، لا يخرج عن إرادته لفتة بصر ولا فلتة خاطر، بل هو المبدئ المعيد الفعال لما يريد كما يريد، لا راد لأمره، ولا معقب لما حكم في العبيد ولا مهرب لعبد عن معصيته إلا بتوفيقه ورحمته، ولا قوة له على طاعته إلا بمشيئته وإرادته، حتى لو اجتمع جميع الكائنات على أن يحركوا في العالم ذرة أو يسكنوها مرة دون إرادته ومشيئته لما قدروا على ذلك، بل ولا أرادوا خلاف ما هنالك، كما قال {وَمَا تَشَاءُونَ إلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} فهو سبحانه لم يزل موصوفًا بإرادته مريدًا في الأزل، وجود الأشياء في أوقاتها التي قدرها فوجدت فيها كما أرادها من غير تقدم ولا تأخر وتبدل وتغير" (4).
ثم اختتم الكلام قائلًا بأن "الإرادة والمشيئة شيء واحد في حقه تعالى".
نرى فيما سبق من كلامه في صفة الإرادة وتنويعها إلى نوعين، أنه ذهب مذهب السلف".
وفي صفتي السمع والبصر يقول: (ص: 257): "ومن صفات الأزلية القديمة التي أثبتها القنوجي صفتا السمع والبصر، فهو يسمع المسموعات ويبصر المبصرات بسمعه وبصره القديم، خلافًا لمن أولهما بالعلم.

يقول: "سميع للأصوات والحروف والكلمات بسمعه القديم الذي هو نعت له بالأزل، بصير بالأشكال والألوان بإبصاره القديم الذي هو صفته الأزلية، فلا يحدث له سمع بحدوث مسموع ولا بصر بحدوث مبصر، فهو السميع البصير يسمع ويرى لا يعزب عن سمعه مسموع وإن خفى غاية السر، ولا يغيب عن رؤيته مرئي وإن دق في النظر، لا يحجب سمعه بعد، ولا يدفع رؤيته ظلام، ولا يشذ عن سمعه صوت، بل يرى دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء، فالسمع صفة تتعلق بالمسموعات والبصر صفة تتعلق بالمبصرات، فيدرك بهما إدراكًا تامًّا لا على سبيل التخييل والتوهم (1) ".
ثم يعقب صاحب الكتاب على ما تقدم فيقول: (ص 258): "نلاحظ من كلام القنوجي في صفتي السمع والبصر لله تعالى، أنه تناول في رده على المخالفين قضية مهمة، وهي أن السمع والبصر صفتان متميزتان عن صفة العلم، وانتقاؤهما عن الله إثبات ضدهما وهو الصمم والعمى، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا".
وفي الصفحة (259) يقول ذاكرًا رأيه في بقية الصفات -علمًا أنه قد أفرد الكلام عن صفة الكلام والاستواء واليد ومسألة الرؤية: - "يتضح لنا من موقفه في الصفات التي ذكرنا وقيل ذلك موقفه من التأويل- أنه يذهب مذهب السلف، من إجراء الصفات على ظاهرها دون تشبيه أو تأويل أو تعطيل، كما وصف تعالى نفسه في كتابه، ووصفه رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأنها صفات كمال لا يجوز نفيها.
ولم يكن في هذه الصفات فقط موافقًا للسلف، بل في بقية الصفات كذلك.
يقول: "ومن صفاته سبحانه: اليد، واليمين، والكف، والإصبع، والضحك، والتعجب، والحب ... إلى غير ذلك مما نطق به الكتاب والسنة.
فكل هذه الصفات، تساق مساقًا واحدًا، ويجب الإيمان بها على أنها صفات حقيقية، لا تشبه صفات المخلوقين، ولا يمثل، ولا يعطل، ولا يرد، ولا يجحد، ولا يؤل بتأويل يخالف ظاهره" (2)
وهذا تبيين لمذهب السلف.
يقول ابن تيمية -رحمه الله-: "إن أولى الناس بالحق أتبعهم له (الرسول - صلى الله عليه وسلم -) وأعظمهم له موافقة - وهم سلف الأمة وأئمتها - الذين أثبتوا ما دل عليه الكتاب والسنة من الصفات، ونزهوه عن مماثلة المخلوقات، فإن الحياة والعلم والقدرة، والسمع والبصر والكلام، صفات كمال ممكنة بالضرورة ولا نقص فيها، فإن من اتصف بهذه الصفات فهو أكمل ممن لا يتصف بها، والنقص في انتفائها لا في ثبوتها، والقابل للاتصاف بها كالحيوان أكمل ممن لا يقبل الاتصاف بها كالجمادات" (3).

وإذا كان القنوجي قد اختصر القول في إثبات هذه الصفات فإنه قد أفاض في إثبات صفات الكلام والاستواء واليد وإثبات الرؤية، الأمر الذي يجعلنا أن نفرد كل صفة من هذه الصفات بمبحث خاص".
وفي مبحث صفة الكلام قال (ص 261): "ذهب القنوجي إلى أن الله تعالى متكلم حقيقة بصوت مسموع، وأن كلامه تحت مشيئته وقدرته، والكلام صفة من صفاته تعالى القديمة القائمة بذاته المقدسة، وتحدث بمشيئته وقدرته آحادها، بمعنى أن جنس كلامه قديم، وأفراده حادثة. يقول: "ومن مذهب أهل الحق، ومما اتفق عليه أهل التوحيد والصدق، أن الله لم يزل متكلمًا بكلام مسموع مفهوم مكتوب" (1).
هذا وقد بيّن القنوجي رأيه في صفات الكلام لله عزَّ وجلَّ وذلك ضمن تفسيره لكثير من الآيات القرآنية التي وضّح فيها مذهبه في إثبات صفة الكلام، كما أثبثها الله ورسوله، أذكر بعضها:
قال تعالى:
{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ}.
يقول القنوجي: {أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ} بوجه من الوجوه {إلا وَحْيًا} بأن يوحي إليه .. {أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} كما كلّم موسى، يريد أن كلامه يسمع من حيث لا يرى" (2).
فالشاهد فيها أن الله تعالى متكلم حقيقة، وتكليمه لرسله من ثلاثة طرق: إما أن يكون وحيًا، أو أن يكون بكلام مسموع بدون واسطة من وراء حجاب، كما كلّم موسى - عليه السلام -، أو أن يرسل ملكًا بتبليغ كلام الله".
وفي الكلام عن موقفه من الكلام النفسي قال (ص 270): "وأما منهج المؤولين الذين نفوا أن يكون الله متكلمًا بحرف وصوت، وظنوا أنه حادث في ذاته، فقالوا بمنعه، فتعين عندهم أن كلامه نفسي.
وبناءً على هذا أن الكلام الذي نتلوه ليس كلام الله الحقيقي، لأنه حروف وأصوات، بل هو عبارة عن كلامه القديم، فهذا المنهج الذي نهجوه خلاف ما ثبت من الكتاب والسنة والإجماع، يقول:
"وأما الكلام النفسي الذي ذكر في كتب الأشاعرة وغيرهم فلا استشمام لرائحته في الكتاب والسنة" وقال أيضًا: "فمن قال إنه كلام ملك أو كلام بشر فمسكنه سقر، ولا يعلم طريق تكلمه سبحانه وتعالى إلا هو، وكيفيته موكولة إليه تعالى" (3).
وما نسب إلى الحنابلة بأن غلاف القرآن وجلده قديمان، فهذه كلمة تخرج من أفواههم.
كما يقول القنوجي:
"وظلمت الحنفية ومن قال بقولهم: الحنابلة ومن تبعهم في القول بتبديعهم وتضليلهم ولم يقل أحد من الحنابلة المعتبرة المعول عليهم بكون الغلاف والجلد قديمان والظاهر أن أمثال هذه الخرافات مدسوسة عليهم وهم بريئون منها" (1).
وفي مسألة خلق القرآن يقول (ص 271): "يذهب القنوجي في القرآن مذهب السلف، ويرى أنه كلام الله غير مخلوق، وقد وضح ذلك قائلًا:
والقرآن كلام الله عزَّ وجلَّ، ووحيه وتنزيله .. أنزله على سيد المرسلين، بلسان عربي مبين، وهو سور وآيات وأصوات وحروف وكلمات له أول وآخر، - إلى أن قال وأجمع أئمة السلف المقتدى بهم من الخلف على أنه غير مخلوق (2).
هذا وقد فسر القنوجي بعض الآيات القرآنية بما يؤيد مذهب السلف في إثبات أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وخالف الجهمية والمعتزلة فيما ذهبوا إليه، ومن بين هذه الآيات قوله تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ}.
"إخبار منه سبحانه لعباده بأنهما له، الخلق والمخلوق، والأمر كلامه، واستخرج من هذا المعنى أن كلام الله ليس بمخلوق، لأنه فرق بين الخلق والأمر، ومن جعل الأمر الذي هو كلامه من جملة ما خلق فقد كفر". (3)
وفي صفحة (274) يقول معقبًا على كلام القنوجي في مسألة الكلام فيقول:
"من خلال ما تقدم نلاحظ ما يلي:
إن القنوجي يثبت لله سبحانه وتعالى صفة الكلام، كما وصف سبحانه نفسه بها ورسوله الأمين - صلى الله عليه وسلم -، لأنها صفة كمال، فمن يتكلم أكمل ممن لا يتكلم، وكل كمال يليق بذاته أولى به، وعدم الكلام صفة نقص، وكل نقص فالله أولى بالتنزيه عنه، فهو سبحانه وتعالى لم يزل متكلمًا إذا شاء، متى شاء، وكيف شاء، وهو يتكلم بصوت يسمع، وكلم موسى - عليه السلام - وخاطبه مشافهة بغير واسطة، وسيكلم عباده يوم القيامة ليس بينه وبينهم ترجمان.
لا شك أن ما ذهب إليه القنوجى في إثبات صفة الكلام لله تعالى، هو تأييد وامتداد لما ذهب إليه السلف رحمهم الله من إثبات هذه الصفة لله تعالى كما تليق بجلاله".
وبعد أن ذكر كلام القنوجي في مسألة الاستواء يستخلص من كلامه ما يلي (ص 301): "من خلال ما تقدم من آراء القنوجى في الاستواء والفوقية على العرش نلاحظ ما يلي:
1 - أنه يثبت صراحة لله عزَّ وجلَّ استواء حقيقيًّا لائقًا بذاته تعالى، وهو بمعنى العلو والارتفاع وهو قول أهل السنة (4)، وقد فسّره السلف بأربع تفسيرات كما ذكره ابن القيم:
"فلهم عبارات عليها أربع ... قد حصلت للفارس الطعان
وهي استقر وقد علا وكذلك ... ارتفع الذي ما فيه من نكران 

وكذلك قد صعد الذي رابع ... وأبو عبيدة صاحب الشيباني
يختار هذا القول في تفسيره ... أدرى من الجهمي بالقرآن" (1)
2 - يثبت أنه استوى على العرش بذاته المقدسة، كما روى عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن الله كتب كتابًا قبل أن يخلق الخلق أن رحمتي سبقت غضبي، وهو عنده فوق العرش" (2) والأحاديث الدالة على إثبات صفة الاستواء وعلو الله كثيرة جدًّا.
أما الذين يتكلمون بالمتشابه ويخدعون جهال الناس بقولهم: إن الإستواء بمعنى الاستيلاء، وأن الله ليس في جهة العلو، وليس بمستوٍ على عرشه، وليس بمتحيز، ولا كذا ولا كذا".
وفي المبحث الخاص بصفة اليد يقول (ص: 307):
"أثبت القنوجي -رحمه الله- صفة اليد لله تعالى حقيقة على ما يليق بجلاله، مستمدًا من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وأقوال الصحابة والتابعين، وأن يد الله تعالى توصف باليمين، كما أن له كفًّا وأصابع على الحقيقة من غير تشبيه ولا تكييف ولا تأويل".
ثم ذكر أن اليد في كتاب الله تعالى ذكرت مفردة ومثنى ومجموعًا، يقول:
"فاعلم أن لفظ اليد جاء في القرآن على ثلاثة أنواع: مفردة كقوله {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيدِيهِمْ}، وقوله: {بِيَدِهِ الْمُلْكُ}.
ومثنى كقوله: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}، وقوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}، ومجموعًا: كقوله: {عَمِلَتْ أَيدِينَا}.
أما السنة المطهرة التي تثبت لله سبحانه اليدين واليمين والكف والأصابع فهي كثيرة كما ذكرها القنوجي (3).
خاطب العرب بلغتها وما يجري مفهومًا في كلامها ومعقولًا في خطابها، وكان لا يجوز في لسان أهل البيان أن يقول القائل: فعلت بيدي ويعني النعمة، بطل أن يكون معنى قوله عز وجل: {بِيَدَيَّ} النعمة .. فلو كان معنى قوله عز وجل بيدى نعمتي لكان لا فضيلة لآدم عليه السلام عليّ إبليس في ذلك". (4)
وفي مبحث مسألة الرؤية يقول (ص 315): "إن مسألة رؤية الله تعالى من أهم مسائل العقيدة وأجلّها، حيث يأمل كل مؤمن أن يكون ممن أنعم الله عليه بهذه النعمة، وهي أكبر نعم الله ينعم بها يوم القيامة.
ذهب القنوجي إلى إثبات رؤية المؤمنين ربهم عزَّ وجلَّ بأبصارهم يوم القيامة، وذلك لصحة الأخبار المتواترة من الكتاب والسنة، وأن هذا متفق عليه بين الصحابة والتابعين وسلف هذه الأمة".
ثم في صفحة (323) يذكر ملخص ما ذهب  إليه القنوجي في مسألة الرؤية: "من خلال ما تقدم من الحديث عن رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، نلاحظ أن القنوجي اعتمد في إثبات الرؤية على الأدلة السمعية وهي عقلية أيضًا من الكتاب والسنة، ثم استشهد بأقوال السلف.
وكذلك بيّن خطأ تفسير المعتزلة في استدلالهم بالآيات القرآنية على نفي الرؤية، وبين أنها لا تحقق الهدف الذي أرادوا الوصول إليه من نفي الرؤية، بل اعتبرها دليلًا قاطعًا على إثباتها.
هذا المنهج الذي سلكه القنوجي قد سبق إليه علماء السلف، وطائفة كبيرة من علماء الأشاعرة.
يقول الإمام أحمد رحمه الله: "لم أنكرتم أن أهل الجنة ينظرون إلى ربهم .. فقالوا: إن معنى {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} أنها تنتظر الثواب من ربها، فقلنا: أنها مع ما تنتظر الثواب هي ترى ربها، فقالوا: إن الله لا يرى في الدنيا ولا في الآخرة، وتلوا آية من المتشابه من قول الله جل ثناؤه {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعرف معنى قول الله {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَار} وقال: "إنكم سترون ربكم".
وقال لموسى: {لَنْ تَرَانِي} ولم يقل لن أرى، فأيهما أولى؟ أن تتبع النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قال: سترون ربكم، أو قول الجهمي حين قال: لا ترون ربكم، والأحاديث في أيدي أهل العلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أهل الجنة يرون ربهم لا يختلف فيها أهل العلم" (1) ".
• قلت: انتهى الكلام عن عقيدته في الأسماء والصفات وبعد هذا نريد أن نورد شبهة أثارها محقق كتاب "الدرر المضية، شرح الدرر البهية" محمّد عبد السلام القباني، متهمًا القنوجي بسرقة هذا الكتاب من الشوكاني وغيره كما .. قال:
"كنا نظن أن شرح الروضة الندية لصديق حسن القنوجي يغني عنه، ولكن بإطلاعنا عليه ومقابلته بشرح المؤلف الذي بأيدينا اكتشفنا أمرًا عظيمًا ما كان يصح أن يكون بين المؤلفين، ذلك أنا وجدنا الروضة الندية هي شرح المؤلف بلفظه تمامًا مضافًا إليه زيادات من كتاب (حجة الله البالغة) ومن كلام ابن القيم، ومنقوصًا منه ذكر مذاهب أهل البيت، ووجدنا مواضع محررة في نسختنا خيرًا منها في الروضة، ويظهر أن النسخة التي وقعت لصاحب الروضة وأخذها في كتابه كانت محرفة وناقصة ووجدناه قد وضع المتن مفرقًا في الشرح، فأثارت عندنا هذه المقابلة دهشة عظيمة من تصرف المؤلفين وإغارة بعضهم على ثمرات قرائح بعض. وتذكرنا ما كنا نسمعه من بعض أشياخنا، أنه كان للقنوجي لمكانه من الملك والثروة جماعة من العلماء يؤلفون له ويختارون له نفائس الكتب يدخلون عليها نوعًا من التصرف ثم ينسبونها إليه، وكانوا يصنعون له ذلك في كتب الشوكاني لأنه كان قريب عهد وكانت مؤلفاته نادرة المثال ولم تكد تنتشر، ومع كون الطباعة العربية كانت حديثة العهد بمصر والهند، وكانت غالية الكلف، فإن القنوجي لطول يده بالثروة كان كلما أتمّ كتابًا طبعه بمصر أو بالهند فيقضي بذلك على علم المؤلف الأول؛ ولا يتبين ذلك إلا لمن ظفر بأصل من تلك الأصول المنتحلة وقابلها بما هو للقنوجي، كما فعل ذلك في هذا الشرع؛ ويقال أنه صنع كذلك في رسالة الاشتقاق وغيرها. والله أعلم بحقيقة ما قيل.
ولا يشفع في ذلك ما قاله في خطبة الروضة، أنه استوعب فيه لفظ شرح المؤلف ومعناه، وأضاف إليه ذكر مذاهب الفقهاء، ثم زاد عليه أشياء من حاشية شفاء الأوام للمؤلف ومن غيرها، فإن كل ذلك لا يبرر له أن ينسب لنفسه هذا الشرح لمجرد إضافة هذه الزيادات الضئيلة لا غير، والتي كانت أولى أن تكون تعليقًا عليه بالهامش، وكان أولى به ثم أولى أن يطبع شرح المؤلف لصاحبه ويطبع بهامشه هذه النقول التي زادها، وإذا كانت مثل هذه الزيادة مما يبيح انتحال المؤلفات لما انتسب كتاب إلى صاحبه؛ ومن العجيب أنك تقرأ كتاب الروضة الندية من أوله إلى آخره فلا تكاد تعثر بنسبة تدليل أو تحقيق من هذه التحقيقات العالية إلى الشوكاني مع أنها بلفظها ونصها للشوكاني، ومن ثمرات قريحته، أسهر فيها ليله وأكد فكره، ولقد كان أهل الحديث أخص الناس بالحرص على عزو كل قول لصاحبه، والبعد عن الإبهام والتدليس".
انتهى ما ذكره المحقق في مقدمته للكتاب المذكور.
فنقول وبالله التوفيق:
1 - أما قوله: "وتذكرنا ما كنا نسمعه من بعض أشياخنا أنه كان للقنوجي لمكانه في الملك والثروة جماعة من العلماء يؤلفون له ويختارون له نفائس الكتب يدخلون عليه نوعًا من التصرف ثم ينسبونها إليه، وكانوا يصنعون له ذلك في كتب الشوكاني لأنه كان قريب عهد".
فلا دليل عليه، إذ لو كان الأمر كذلك لاشتهر بين طلبة العلم، أضف إلى ذلك أن الحكم بمجرد الظن، وبمجرد أن الكلام قد قيل بدون تمحيص، لا يغني من الحق شيئًا كما قال تعالى: {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيئًا}.
2 - أما قوله بعد ذلك: "كما فعل ذلك في هذا الشرح، ويقال إنه صنع كذلك في رسالة الاشتقاق وغيرها" فيدخل أيضًا ضمن ما ذكرناه سابقًا بدليل قوله بعد الكلام السابق مباشرة: "والله أعلم بحقيقة ما قيل" ..
3 - أما قوله: "ولا يشفع في ذلك ما قاله في خطبة الروضة" وما بعدها. فمع أن المحقق له وجه حق في اعتراضه ولكن لا ينبغي أن يتحامل بهذه الطريقة. فغاية ما يقال أنه قد أخطأ بفعله هذا وكان ينبغي له أن يميز بين المتن وبين تعليقاته، لكن أن يقال إنه سرق الكتاب ونسبه لنفسه من دون أن يشير إلى ذلك، فهذا قول مردود وغير مقبول.
ومن المعروف عن صديق حسن خان أنه كان يدافع عن التوحيد. وينشره بين الناس، ويبدو أن هذا الأمر قد أغاظ أهل الشرك والقبور، فبدأوا بدافع الحقد بإشاعة الأقاويل والأكاذيب هنا وهناك. وربما يكون ما سمعه المحقق من هذا القبيل.
ثم نقول: قال عبد الله بن صالح العبيد في مقدمة تحقيقه لكتاب "الدرر البهية" (1) للشوكاني ما نصه: "وبعد عقود قليلة من وفاة المصنف - أي الشوكاني - قام العلامة الأثري صديق حسن خان القنوجي (ت 1307 هـ) بانتساخ شرح المصنف (الدراري) فنقله بحذافيره، وزاد عليه أشياء قليلة حسنة من بعض كتب المصنف وغيره وسماه: (الروضة الندية شرح الدرر البهية) وانتصر له في عامة المسائل، ولم يخالفه إلا في أشياء نادرة لعله لا يتجاوز عدّها أصابع اليد الواحدة" أ. هـ. قول المحقق.
وهذا يؤيد ما ذهبنا إليه سابقًا، مع أننا قد طابقنا بعض المواضع بين كتابي "الدرر البهية" و"الروضة الندية" فوجدناها كما قال المحقق عبد الله بن صالح.
وفي كتاب "كتب حذر منها العلماء" (1) قال مؤلفه: (وقد اتهم غير واحد من أفاضل العلماء بسرقة المصنفات زورًا وبهتانًا مثل صديق حسن خان، فقد اتهمه نصراني في كتاب له مطبوع بعنوان "اكتفاء القنوع بما هو مطبوع" بأنه كان عاقيًا وتزوج بملكة بهوبال فعندما اعتزّ بالمال، جمع إليه العلماء، وأرسل يبتاع الكتب بخط اليد وكلَّف العلماء بوضع المؤلفات ثم نسبها لنفسه" إلى آخر هذا الهراء فتآليفه كما يقول الغماري في (فهرس الفهارس) - نفسُه فيها متحد وهي له) أ. هـ.
وفاته: سنة (1307 هـ) سبع وثلاثمائة وألف، وقيل: (1300 هـ) ثلاثمائة وألف.
من مصنفاته: "أبجد العلوم" و"فتح البيان في مقاصد القرآن" في التفسير و"التاج المكلل"، و "الروضة الندية شرح الدرر البهية" وغير ذلك.








مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة «من القرن الأول إلى المعاصرين مع دراسة لعقائدهم وشيء من طرائفهم»

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید