المنشورات

الاستعارة باعتبار الملائم

ذكرنا فيما سبق أن الاستعارة تنقسم باعتبار طرفيها إلى تصريحية ومكنية، وباعتبار اللفظ المستعار إلى أصلية وتبعية، وهنا نذكر أنها تقسم باعتبار الملائم تقسيما ثالثا إلى مرشحة، ومجردة، ومطلقة.
1 - فالاستعارة المرشحة: هي ما ذكر معها ملائم المشبه به، أي المستعار منه.
ومن أمثلة هذا النوع قوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ.
ففي هذه الآية الكريمة استعارة تصريحية في لفظة «اشتروا» فقد استعير «الاشتراء» «للاختيار» بجامع أحسن الفائدة في كل، والقرينة التي تمنع من إرادة المعنى الأصلي لفظية وهي «الضلالة».
وإذا تأملنا هذه الاستعارة رأينا أنه قد ذكر معها شيء يلائم المشبه به «الاشتراء»، وهذا الشيء هو «فما ربحت تجارتهم». ومن أجل ذلك تسمى «استعارة مرشحة» ..
ومن أمثلة الاستعارة المرشحة أيضا قول الشاعر:
إذا ما الدهر جرّ على أناس … كلاكله أناخ بآخرينا (1)
ففي هذا البيت استعارة مكنية في «الدهر» فقد شبه الدهر بجمل ثم حذف المشبه به «الجمل» ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو «الكلاكل»، وقد تمت لهذه الاستعارة قرينتها وهي «إثبات الكلاكل للدهر».
وإذا تأملنا هذه الاستعارة المكنية التي استوفت قرينتها رأينا أنها قد ذكر معها شيء يلائم المشبه به «الجمل»، وهذا الشيء هو «أناخ بآخرينا». ولهذا تسمى استعارة «مرشحة».
من ذلك يتضح أن الاستعارة سواء أكانت تصريحية أم مكنية إذا استوفت قرينتها وذكر معها ما يلائم المشبه به فإنها تسمى استعارة «مرشحة».


2 - والاستعارة المجردة: هي ما ذكر معها ملائم المشبه، أي المستعار له.
أ- ومن أمثلة ذلك قول القائل: «لا تتفكهوا بأعراض الناس، فشرّ الخلق الغيبة».
ففي قوله: «لا تتفكهوا» استعارة تصريحية تبعية، فقد شبّه فيها «التكلم في الأعراض» «بالتفكه» بجامع أن بعض النفوس قد تميل إلى كل، ثم اشتق من «التفكه» تفكه بمعنى تكلم في العرض، والقرينة المانعة من إرادة المعنى الأصلي لفظية وهي «بأعراض الناس».
وإذا تأملنا الاستعارة رأينا أنه قد ذكر معها شيء يلائم المشبه «التكلم في الأعراض»، وهذا الشيء هو «فشرّ الخلق الغيبة» ولهذا السبب يقال إن الاستعارة «مجردة».
ب- ومن أمثلة الاستعارة المجردة أيضا قول سعيد بن حميد:
وعد «البدر» بالزيارة ليلا … فإذا ما وفى قضيت نذوري
ففي البيت استعارة تصريحية أصلية في كلمة «البدر» حيث شبهت المحبوبة «بالبدر» بجامع الحسن في كل، ثم استعير المشبه به «البدر» للمشبه «المحبوبة» على سبيل الاستعارة التصريحية الأصلية. والقرينة المانعة من إرادة المعنى الأصلي هنا لفظية، وهي «وعد».
فالاستعارة قد استوفت قرينتها، ولكن إذا تأملناها رأينا أنه قد ذكر معها شيء يلائم المشبه «المحبوبة»، وهذا الشيء هو «الزيارة والوفاء بها».
ولذكر ملائم المشبه مع الاستعارة تسمى استعارة «مجردة».
ج- ومن أمثلها كذلك قول القائل: «رحم الله امرأ ألجم نفسه بإبعادها عن شهواتها».
ففي لفظة «نفسه» استعارة مكنية، فقد شبّهت «النفس» «بجواد» بجامع أن كلّا منهما يكبح، ثم حذف المشبه به «الجواد» ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو «ألجم». والقرينة المانعة من إرادة المعنى الأصلي هي «إثبات الإلجام للنفس» وإذا تأملنا هذه الاستعارة التي استوفت قرينتها رأينا أنها تشتمل بالإضافة إلى ذلك على شيء يلائم المشبه «النفس» وذلك الشيء هو «إبعادها عن شهواتها». فذكر الإبعاد عن الشهوات وهو ملائم المشبه تجريد. ومن أجل ذلك تسمى الاستعارة «مجردة».
وهكذا يتضح من تحليل الاستعارات الثلاث السابقة، أن الاستعارة مطلقا إذا استوفت قرينتها وذكر معها ما يلائم المشبه فإن الاستعارة بسبب ذلك تسمى استعارة «مجردة»

 

مصادر و المراجع:
1-سحر البلاغة وسر البراعة
المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (ت ٤٢٩هـ)
2-أسرار البلاغة
المؤلف: أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الفارسي الأصل، الجرجاني الدار (ت ٤٧١هـ)
3-الإيضاح في علوم البلاغة
المؤلف: محمد بن عبد الرحمن بن عمر، أبو المعالي، جلال الدين القزويني الشافعي، المعروف بخطيب دمشق (ت ٧٣٩هـ)
4-الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز
المؤلف: يحيى بن حمزة بن علي بن إبراهيم، الحسيني العلويّ الطالبي الملقب بالمؤيد باللَّه (ت ٧٤٥هـ)
5- عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح
المؤلف: أحمد بن علي بن عبد الكافي، أبو حامد، بهاء الدين السبكي (ت ٧٧٣ هـ)
6-تلوين الخطاب لابن كمال باشا دراسة وتحقيق
المؤلف: أحمد بن سليمان بن كمال باشا، شمس الدين (ت ٩٤٠هـ)
7-الأطول شرح تلخيص مفتاح العلوم
المؤلف: إبراهيم بن محمد بن عربشاه عصام الدين الحنفي (ت: ٩٤٣ هـ)
8- معاهد التنصيص على شواهد التلخيص
المؤلف: عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن أحمد، أبو الفتح العباسي (ت ٩٦٣هـ)
9-حاشية الدسوقي على مختصر المعاني لسعد الدين التفتازاني (ت ٧٩٢ هـ) [ومختصر السعد هو شرح تلخيص مفتاح العلوم لجلال الدين القزويني]
المؤلف: محمد بن عرفة الدسوقي
10- جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع
المؤلف: أحمد بن إبراهيم بن مصطفى الهاشمي (ت ١٣٦٢هـ)
11-علوم البلاغة «البيان، المعاني، البديع»
المؤلف: أحمد بن مصطفى المراغي (ت ١٣٧١هـ)
12- بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة
المؤلف: عبد المتعال الصعيدي (ت ١٣٩١هـ)
13-علم البديع
المؤلف: عبد العزيز عتيق (ت ١٣٩٦ هـ)
14-علم البيان
المؤلف: عبد العزيز عتيق (ت ١٣٩٦ هـ)
15- علم المعاني
المؤلف: عبد العزيز عتيق (ت ١٣٩٦ هـ)
16-البلاغة العربية
المؤلف: عبد الرحمن بن حسن حَبَنَّكَة الميداني الدمشقي (ت ١٤٢٥هـ)
17-البلاغة الصافية في المعاني والبيان والبديع
المؤلف: حسن بن إسماعيل بن حسن بن عبد الرازق الجناجيُ رئيس قسم البلاغة بجامعة الأزهر (ت ١٤٢٩ هـ)
18- النظم البلاغي بين النظرية والتطبيق
المؤلف: حسن بن إسماعيل بن حسن بن عبد الرازق الجناجيُ رئيس قسم البلاغة بجامعة الأزهر (ت ١٤٢٩ هـ)
19-من قضايا البلاغة والنقد عند عبد القادر الجرجاني
المؤلف: حسن بن إسماعيل بن حسن بن عبد الرازق الجناجيُ رئيس قسم البلاغة بجامعة الأزهر (ت ١٤٢٩ هـ)
20- أساليب بلاغية، الفصاحة - البلاغة - المعاني
المؤلف: أحمد مطلوب أحمد الناصري الصيادي الرفاعي
21-الأسلوب
المؤلف: أحمد الشايب
22- المنهاج الواضح للبلاغة
المؤلف: حامد عونى
23-خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني
المؤلف: محمد محمد أبو موسى
24- البديع عند الحريري
المؤلف: محمد بيلو أحمد أبو بكر
25- شرح مائة المعاني والبيان
المؤلف: أبو عبد الله، أحمد بن عمر بن مساعد الحازمي
26-البلاغة ٢ - المعاني
كود المادة: LARB٤١٠٣
المرحلة: بكالوريوس
المؤلف: مناهج جامعة المدينة العالمية
الناشر: جامعة المدينة العالمية
27-علوم البلاغة «البديع والبيان والمعاني»
المؤلف: الدكتور محمد أحمد قاسم، الدكتور محيي الدين ديب

28-علم البيان

المؤلف: عبد العزيز عتيق (ت ١٣٩٦ هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید