المنشورات

شلتوت

النّحوي، اللغوي، المفسر، المقرئ: محمود بن محمَّد شلتوت.
ولد: سنة (1310 هـ) عشر وثلثمائة وألف.
كلام العلماء فيه:
* الأعلام: "فقيه مفسر مصري، تخرج بالأزهر .. كان داعية إصلاح، نير الفكرة، كان خطيبًا موهوبًا، جهير الصوت، له (26) مؤلفًا مطبوعًا" أ. هـ.
* قلت: وقد ذكر د. ناصر القفاري في كتابه "مسألة التقريب" فتوى للشَّيخ محمود شلتوت تنص: على جواز التعبد بمذهب الشيعة الإمامية، وقد ذكر نصها بتوقيع شلتوت في (2/ 309) من التقريب، فمن أراد مراجعتها فلينظر تلك الوثيقة بنصها .. والله تعالى الموفق.
وعن تفسيره قال محمود شلتوت في معرض كلامه عن المتشابه في كتابه "تفسير القرآن الكريم" -الأجزاء العشرة الأولى- تساؤلًا افتراضيًا ونصه: "ولعل قائلًا يقول: كيف لا يكون في القرآن سر غير مدرك للبشر سوى معاني هذه الأحرف التي تتحدث عنها، وقد استفاض الحديث، وامتلأت الكتب في الأولين والآخرين بأن في القرآن محكمًا ومتشابهًا، وأن المحكم ما فهمه النَّاس، وعرفوا دلالته ومعناه، وأن المتشابه ما لم يفهمه النَّاس ولم يعرفوا دلالته ومعناه، وأن العلماء كانوا أمام هذا المتشابه فريقين: فريق السلف يرى التفويض وعدم الخوض في معناه، وفريق الخلف يرى التأويل وصرف اللفظ عن دلالته المعروفة إلى معنى يتفق مع ما دل عليه المحكم، ويعتبرون من ذلك أمثال قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}، {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيدِيهِمْ}، {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْويَّاتٌ بِيَمِينِهِ}. فهل كل ذلك لا يكفي في أن في القرآن ما لا يعرف معناه وراء فواتح السور؟
ثم يجيب عن هذا السؤال بأن معنى المتشابه الذي ورد في السؤال هو أحد أنواع المتشابه، والمعنى الآخر هو: "أن المتشابه المقابل للمحكم هو ما تعددت جهات دلالته، وكان موضعًا لخلاف العلماء، ومحلًا لاجتهادهم، وذلك يرجع إمَّا إلى الإختلاف في معنى مفرد ورد في الآية كالقرء في الحيض أو الطهر، أو في معنى تركيب كما نرى في قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}، وإمَّا إلى تحكيم حديث صح عند الفقيه في معنى الآية بينما أن غيره لم يُحكمه في معناها لسبب من الأسباب التي يراها".
ثم يشير إلى أن هذا الخلاف في تفسير المتشابه قد أورد نزاعًا في بعض أمور العقائد الأخرى -غير الأسماء والصفات والقضايا الفقهية- مثل مسألة خلق الأفعال ورؤية الله سبحانه وتعالى وحقيقة الميزان والصراط وغيرها فيقول: "وكما وجدنا المتشابه بهذا المعنى في القضايا الفقهية، نجده أيضًا في قضايا أخرى لا تتعلق بصفات الله وتنزيهه، ولا بعقيدة ما، وذلك كما في المسائل العلمية التي عرض لها المتكلمون، واختلفت فيها فرقهم، مثل خلق الأفعال، ورؤية الباري، وحقيقة الميزان والصراط، وزيادة الصفات على الذّات وما إلى ذلك من المسائل التي أثر فيها الخلاف بين فريقي المعتزلة وأهل السنة، وكان لكل فريق -من القرآن- على ما رأى حجته ومستنده، ولا ريب أن خلاف المتكلمين في مثل هذه القضايا هو كخلاف الفقهاء في مذاهبهم وآرائهم، ففي النوعين لم يُرد الله أن يكلف عباده بقضية معينة، بل فتح باب الاجتهاد للعقل البشري ليسلكه الإنسان، ويحقق به نعمة الله عليه في الإدراك والفهم، والكل في ذلك مؤمن ناج
مرضي عند الله أخطأ أو أصاب، وهذا جانب تكفينا منه في هذا المقام تلك الإشارة، وأرجو أن يكون فيها بلاغ لقوم اتخذوا اختلاف العلماء في المسائل الكلامية التي هي وراء العقائد سبيلًا للطعن والتجريح في الإيمان والعقيدة، وما كان الله ليرضى عن الطعن والتجريح لرأى رآه الناظر في موضوع وضعه الله موضع النظر والاجتهاد".
قلت: سبحان الله! ! كيف يمكن أن يكون الخلاف في مسائل العقيدة كالخلاف في المسائل الفقهية، التي حدثت نتيجة لاختلافات في أصول الفقه وأمور اجتهادية نص عليها العلماء في كتب أسباب اختلاف الفقهاء -كما ذكر ذلك شيخ الإسلام في كتابه رفع الملام عن الأئمة الأعلام- فأمور العقيدة توقيفية لا يمكننا الاجتهاد فيها أو إقحام العقل البشري فيها بأي حال من الأحوال، فالرسول عليه الصَّلاة والسلام تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلَّا هالك، وعلماء السلف قد أشبعوا الكلام من أمور العقيدة، ولم يبقوا حجة لمعاند، ثم لماذا هذا التميع في أمر العقيدة، ولم يبقوا حجة لمعاند، فالإنسان إمَّا مع الحق أو ضده.
ثم بعد كلامه السابق يفصح عن معتقده في الأسماء والصفات وهو مذهب المؤولة من أهل الكلام وهم الأشاعرة والماتريدية: فيقول: "وبعد فلنا أن نختار في معنى المتشابه ذلك السرأي الذي يرجع إلى اختلاف الدلالة واحتمال المعاني المختلفة في آيات الأحكام، أو آيات المعارف، على النحو الذي أشرنا إليه، ولنا أن نختار رأي الخلف من المتكلمين الذين يصرفون اللفظ عن ظاهره إلى معنى يليق بجلال الله وتنزيهه، وعلى هذا وذاك يبقى لنا ما قلناه من أنَّه ليس في القرآن ما استأثر الله بعلمه سوى فواتح السور.
على أن بين المتشابه في رأي المفوضين، وبين فواتح السور فرقًا كبيرًا، ذلك أن المتشابه ورد في قضايا ذات محمول وموضوع وإثبات ونفي، ومفردات تلك القضايا ودلالات حقيقية معروفة لأرباب اللُّغة، وقد تستعمل في معاني مجازية تصرف إليها بالقرائن، ولا كذلك فواتح السور التي هي أحرف مقطعة، ليست قضايا ذات موضوع ومحمول، وليست مفردات ذات معاني مفيدة على نحو "استوى" في قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} مثلًا، وقد جاءت هذه القضايا أوصافًا لله، واعتقد الجميع ثبوت محمولها لموضوعها، على وجه يقضي به الإيمان، ولا كذلك أيضًا فواتح السور التي نتحدث عنها" أ. هـ
* قلت: وسوف نذكر الآن ملخصًا من كتاب "أعلام الأنام" (1) لعبد الله يابس في رده على الشَّيخ محمود شلتوت في كتابه "الإسلام عقيدة وشريعة" وذكر عقيدة الشَّيخ فقال عبد الله يابس (12): "أما شيخ الأزهر "شلتوت" الذي ألف هذا الكتاب المسمى (الإسلام عقيدة وشريعة) والذي وسمه الواقع بأنه وساوس وأوهام ضد العقيدة والشريعة فهو لا يؤمن بكتاب الله كما أمر الله وإنَّما يقول في (صفحة 5) في تعريف عقيدته التي يبنيها على منهج مخترع ورأي حدث فيقول: "إن العقيدة هي الجانب النظري الذي يطلب الإيمان به أولًا إيمانًا لا يرقى إليه شك ولا تؤثر فيه شبهة وتتضافر النصوص الواضحة عليها ويحصل عليها الإجماع من أول الدعوة".
هذا تعريف عقيدته وأنت تعلم أيها القارئ أن الشكوك والشبه واردات على كل شيء فهل ورود الشبه والشكوك على الكتاب والسنة يمنع من ثبوتهما والتصديق بهما والإيمان بها فإذا علمت أن عقيدة شيخ الأزهر هي التي لا شبه لها ولا تؤثر فيها شبهة وحصل عليها الإجماع وتضافرت بها النصوص الواضحة علمت أن عقيدته غير عقيدة المسلمين وأنَّه يفرق بين آيات الكتاب وبين الكتاب والسنة فإذا لم تتضافر النصوص الواضحة على شيء بأن ذكر في آية واحدة أو حديث واحد صحيح فليس ذلك من عقائد الشَّيخ لأنَّه لم تتضافر عليه الأدلة وإذا تضافرت الأدلة ولكنها ليست بواضحة عنده فلا يقبلها الشَّيخ وإذا تضافرت النصوص الواضحة ولم يحصل عليها إجماع فليست من عقيدته.
فيخلص لك من ذلك أن عقيدته ليست هي الكتاب والسنة وإنما هي الجانب النظري الذي لا يرقى إليه شك ولا شبهة وتتضافر النصوص الواضحة عليه ويحصل عليه الإجماع كما قال.
وراح الشَّيح يؤيد رأيه هذا في صفحة 49 حيث قال: (ومن الواضح أن هذا الاعتقاد لا يحصله كل ما يسمى دليلًا وإنما يحصله الدليل القاطع الذي لا تعتريه شبهة) ثم راح يبين أن العقيدة عنده ليست هي القرآن فحسب بل أنَّها أيضًا من الدليل العقلي فقال في هذه الصفحة: (وقد اتفق العلماء على أن الدليل العقلي الذي سلمت مقدماته وانتهت إلى الحس أو الضرورة يفيد اليقين ويحقق الإيمان المطلوب).
ومن هنا نأخذ أنَّه بعد أن جعل كل ما ورد في القرآن إذا لم تتضافر به النصوص الواضحة ولم يحصل عليه إجماع فهو لا يفيد اليقين ولا تحصل به العقيدة ولو جاء في الكتاب والسنة راح يقرر أن الدليل العقلي الذي قاله النَّاس واخترعه البشر يثبت العقيدة ويحصل الإيمان".
وقال: "وبعد أن دلل بإجماع العلماء ذلك الإجماع المكذوب على أن العقل مصدر من مصادر العقيدة راح يطعن علي الأدلة النقلية (أي الدينية) فقال في هذه الصفحة:
(أما الأدلة النقلية فقد ذهب كثير من العلماء إلى أنَّها لا تفيد اليقين ولا تحصل الإيمان ولا تثبت بها وحدها عقيدة لأنَّها مجال لاحتمالات كثيرة تحول دون هذا الإثبات).
هذه هي عقيدة شيخ الأزهر في أدلة الكتاب والسنة النبوية وأنَّها لا تثبت العقيدة وفي أدلة العقل وأنها هي المثبتة للعقيدة".
وقال عبد الله يابس (ص 20): أن شلتوت فرق بين العقيدة والشريعة: "فجعل العقيدة تتكون من الآيات الصريحة المتضافرة الجمع عليها ومن العقل وجعل الشريعة متكونة من الآيات الصريحة وغير الصريحة ومن السنة والرأي ... وعلى كل فهذا التَّفريق إلحاد في الدين وقول غير قول المسلمين".
ثم رد صاحب الكتاب عن محمود شلتوت في ما ألفه من كتابه "الإسلام عقيدة وشريعة" وجعلها وساوس وأوهام -كما قال المؤلف- ورد عليه تفصيلًا في نقاط كثيرة أخرجها من كتاب محمود شلتوت هذا ... فقد تكلم في زعم شلتوت أن الإسلام يتسع للأفكار والثقافات البعيدة عنه كما في صفحة (4) من كتابه، وتكلم عليه عبد الله يابس في رد هذه الفكرة من عدة وجوه تبين للقارئ الخطأ الذي وقع فيه محمود شلتوت في عبارته السابقة والتقريب بين النَّاس على مختلف أديانهم ولغاتهم ومناهجهم والدين الإسلامي على أساس المداهنة والتنازل عن أصول الدين الإسلامي في بعضه أو جزء منه.
ثم رد عبد الله يابس على تعريف محمود شلتوت للعقيدة قائلًا: قال في (ص 5): (العقيدة هي الجانب النظري الذي يطلب الإيمان به إيمانًا لا يرقى إليه شك ولا تؤثر فيه شبهة ومن طبيعتها تضافر النصوص الواضحة على تقريرها وإجماع المسلمين عليها من بدء الدعوة).
والجواب عليه من وجوه: الأوَّل. إن تعريفه هذا باطل إذ أن العقيدة الإسلامية ليست هي الجانب النظري إلى آخر كلامه بل هي الإيمان بما ورد في كتاب الله أو صح عن رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - سواء ورد من طريق آية واحدة أو من طريق آيات أو جاء عن النَّبيِّ - صَلَّى الله عليه وسلم - عن طريق واحد صحيح أو من طرق متعددة. هذه هي العقيدة الإسلامية التي هي عقيدة الصّحابة والتابعين لهم بإحسان".
وذكر بعد ذلك الوجوه الأخرى في الرد على هذه المقولة التي لا تصح عند أهل الكتاب والسنة، وليس هي من معتقداتهم وأصولهم، والآن نذكر تقسيمة للعقيدة والرد عليه:
"ذكر في صفحة (10): العقائد الأساسية التي طلب الإسلام الإيمان بها. وجوابه من وجوه:
الأوَّل أن تقسيم العقائد إلى أساسية وغير أساسية تقسيم باطل مخترع وتفريق بين آيات الله فلم يقسمها رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - هذا التقسيم قسم يطلب الإيمان به ويثبت العقيدة وقسم لا يثبت العقيدة ولم يطلب الإيمان به ولم يقسم هذا التقسيم أصحابه ولا التابعون من خيار الأمة.
الوجه الثَّاني: إن هذا التقسيم تفريق بين كلام الله وكلام رسوله والله يقول: {كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ} ويقول ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين فجميع ما ورد به الكتاب كله يثبت العقيدة وهو أساس في الدين.
الوجه الثالث: إن هذا التقسيم إيمان ببعض الكتاب وكفر ببعض وهو من فعل اليهود. قال تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إلا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} وقد أجمعت الأمة على أن من لم يؤمن بشيء مما جاء به محمَّد - صلى الله عليه وسلم - فهو كافر وإن من كفر بآية كمن كفر بالقرآن.
الوجه الرابع: أن مقتضى هذا التقسيم للعقائد إلى قسمين إن الدين الإسلامي منه ما هو ثابت يجب الإيمان به ومنه ما هو غير ثابت يجب طرحه والكفر به وهو في نظر الشَّيخ كل ما ثبت بطريق الآحاد أو جاء في الكتاب واحتمل التأويل أضف إلى ذلك أن الشَّيح يعتقد أن آيات الكتاب غير قطعية الدلالة وكل ما كان كذلك فهو ظن محتمل والظن أكذب الحديث وهو عقيدة المشركين. قال تعالى {إِنْ هُمْ إلا يَظُنُّونَ} وقال تعالى {إِنْ يَتَّبِعُونَ إلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ} ولا أكبر من هذه المحاربة للإسلام إلَّا محاربة الجاحدين لوجود الله. ومن المؤسف أن كتب الأزهر ملغمة بهذه النظرية الفاسدة التي هي الأحاديث ظنية المتن والدلالة والقرآن غير قطعي الدلالة وهي نظرية جاءت من أعداء الإسلام وأخذها كثير من المسلمين بحسن نيَّة مع أنهم لم يطبقوها عملًا واعتقادًا فتراهم عقدوا في كل مذهب بابا للمكفرات والردة عن الإسلام فحكموا بكفر من جحد أشياء لم تثبت إلَّا من طريق السنة أو من الآيات التي هي غير قطعية الدلالة في نظرهم ولولا خوف الإطالة لسقنا لك أمثلة من ذلك وهذه القاعدة التي خالفوهم".
وقد تكلم شلتوت حول المشركين في بلاد الغرب وغيرها وعدم تكفيرهم كما في صفحة (12 - 13) من كتابه (الإسلام عقيدة وشريعة) بقوله: "قال في صفحة (12 و 13) بعد ذكر الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر: قال: "وليس معنى هذا أن من لم يؤمن بشيء من ذلك يكون كافرًا عند الله يخلد في النَّار وإنَّما معناه ألا تجري عليه أحكام الإسلام. أما الحكم بكفره عند الله فهو موقوف على بلوغه الدعوة على وجهها الصَّحيح واقتناعه بها فيما بينه وبين نفسه ثم إباؤه أن يعتنقها فلو بلغته بصورة منفرة أو صحيحة ولم يكن من أهل النظر ولم يوقفه إليها فإنَّه لا يكفر.
إلى أن قال: أما الشرك الذي جاء في القرآن أن الله لا يغفره فهو الشرك الناشيء عن العناد".
ورد عليه صاحب (إعلام الأنام) من أن ما قاله مردود وقال صفحة (49): "أَنَّه يجب على كل إنسان وهبه الله عقلًا بمجرد سماعه بأن الله بعث رسولًا اسمه محمَّد بدين اسمه الإسلام وهو دين يأمر بعبادة الله وحده وينهى عن الشرك، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويحل الطيبات ويحرم الخبائث يجب على كل من بلغه ذلك أن يستجيب لداعي الله وأن يحطم كل ما يحول بينه وبين الحق ... ".
وتكلم عبد الله يابس عن أن محمود شلتوت جعل القرآن هو الأصل والمصدر الذي تعرف منه العقائد كما في صفحة (33) من كتابه. فرد عليه من وجوه مبينًا عدم الإجمال في كلامه هذا والحقُّ في تبيين أما أن تكون السنة شارحة لأصول القرآن في الإيمان أو هي في ترابط انفكاك أحدهما عن الآخر وتبيين كلام أئمة السنة والحقّ في ذلك، لأنَّ لكل طائفة من فرق المسلمين. كلامًا أصلًا في قواعد الإيمان لديها ... ومن المعلوم أن القرآن لولا السنة ما فهمنا منه الكثير ...
ثم تكلم عبد الله بابس حول قول شلتوت في الجن (37) من كتابه: "لم يجعل القرآن الإيمان بالجن عقيدة من عقائد الإسلام، كما جعل الملائكة، وإنَّما تحدث عنهم" ثم نقل عبد الله بابس في صفحة (54) قول شلتوت في مقال سابق له: "جعل فيه الشَّيطان الذي هو أبو الجان بعضًا من الأنساب قائلًا: إن الشَّيطان عبارة عن وساوس الشر في الإنسان مع أن الشَّيطان قد تحمل اللعنة والطرد من رحمة الله من أجل احتقاره للإنسان ... انتهى قول شلتوت.
ومقالة الشَّيخ هذه من التفاهة والسقوط بمكان" أ. هـ
قول عبد الله يابس هي مقالة تدل على لزوم الشَّيخ للأمور العقلانية والأساس في معرفة أحوال خلق الله تعالى وما جعل بينهم من تفاوت، وما قال قوله هذا أحدًا من السلف إلَّا متفلسفة المسلمين.
ثم ذكر عبد الله يابس عن محمود شلتوت قوله حول التشكيك في دوام النَّار في صفحة (36) من كتابه السابق وتكلم بما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيِّم فيما بيناه من فناء النَّار، وقبلها جاء بما يعتقده بعض فرق كالزنادقة والجهمية وما قالته اليهود، وجاء بكلام ابن حجر في "فتح الباري" وقد جمع في ذلك سبعة أقوال.
أما قول شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيِّم بفناء النَّار، فهما قد تكلما بتفصيل أكثر مما نقله عبد الله يابس والسرد فيه يطول فليراجع كتاب "الرد على من قال بفناء الجنَّة والنَّار" لشيخ الإسلام ابن تيمية، وكتاب "حادي الأرواح" لابن القيِّم في نهاية الكتاب، وراجع مجلة الحكمة العدد الخاص شوال (1415 هـ) في مقالة اسمها "بطلان ما نسب إلى شيخ الإسلام ابن تيمية من القول بفناء النَّار" بقلم شاكر بن توفيق.
ثم نرى أن الشَّيخ محمود شلتوت يميل بل يجعل فهمه فهم العقل والعقلانيات من منطق وفلسفة الطرق التي ظلت في الدين من علم الكلام كالأشعرية والماتريدية وفرق الشيعة وغيرهم. حيث قال شلتوت في الاعتقاد صفحة (49) نقله عبد الله يابس صفحة (68) من كتابه:
"قال في صفحة (49): والإيمان هو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع عن دليل ومن الواضح أن هذا الاعتقاد إنما يحصله الدليل القطعي الذي لا تعتريه شبهة. ثم قال وقد اتفق العلماء على أن الدليل العقلي الذي سلمت مقدماته وانتهت إلى الحس أو الضرورة يفيد اليقين ويحصل الإيمان المطلوب. أما الأدلة النقلية فقد ذهب كثير إلى أنَّها لا تفيد اليقين ولا تحصل الإيمان ولا يحصل بها عقيدة لأنَّها مجال للاحتمالات".
وهذا الكلام الرد عليه واضح، والقول به بدعة وضلالة وسوء معرفة في أمر الاعتقاد وخاصة الإيمان ... والعقيدة هي التي تضافرت بها النصوص تواترًا وصحة ومن شكك في أصول الدين في الاعتقاد وكان في نحلته شيء من فرق الضلال.
وذكر عبد الله يابس تخليط الشَّيخ شلتوت في العقيدة وتكلم حول ذلك صفحة (73)، وقال شلتوت في كتابه صفحة (51) نقله عبد الله يابس صفحة (76): "قال في صفحة (51): العلميات التي لم ترد بطريق قطعي أو وردت ولابسها احتمال في الدلالة فاختلف فيها فليست من العقائد التي يكلفنا بها الدين كرؤية الله بالأبصار وما يكون آخر الزمان من ظهور المهدي والدجال والدابة ونزول عيسى. ثم قال في المسائل التي لا يكفر بها مثل وجوب الأصلح وكون العبد خالقًا لأفعال نفسه وهل المعاصي مرادة لله. 

ورد عليه عبد الله يابس بذلك بما قاله ابن القيِّم رحمه الله تعالى من كتابه (حادي الأرواح) في رؤية الله تعالى والنظر إليه في الآخرة من المؤمنين في الجنَّة وما قاله شلتوت خطأ وسوء فهم للاعتقاد الذي عليه أهل السنة والجماعة، ولعل دخوله في العقل وجعله أصل معرفة دين الله تعالى وخاصة في العقيجة أدخلته في كلام مذاهب أهل الكلام كالأشعرية وغيرهم. وأرود عبد الله يابس كلامًا آخر في مسائل الاعتقاد والتي تكلم بها محمود شلتوت في كتابه كتضليل من ضل والتسوية بين المختلفات وتشكيك ظواهر الآيات وفي الحديث وتواتره أو خبر الآحاد، وله كلام في المعجزات وما تدعو إليه بعضها مثلًا كما في صفحة (61) من كتاب شلتوت نقله عبد الله يابس: " ... وقد أول بعض العلماء النَّار الخارجة من الحجاز بالعلم والهداية والنَّار الحاشرة بفتنة الأتراك وفتنة الدجال بظهور الشر والفساد ونزول عيسى باندفاع ذلك وبدوا الخير والصلاح" أ. هـ.
وهذا قو المتكلمين ومتأولي الكلام، وقد وقع بما وقعوا فيه، والكتاب والسنة التي جاءت في أمر فتن آخر الزمان كثيرة تغني عن ما تأوله بعض أهل العلم والله تعالى الموفق.
وقد أورد عبد الله يابس للشَّيخ شلتوت تناقضات في كلامه كما في صفحة (161 و 183 و 198) وغيرها تدل على عدم الثبات في الحكم والعلم لدى الشَّيخ وهو بذلك على تهاون وضعف الاعتقاد والمعاملات والعلم ما أوضحه كتابه "الإسلام شريعة وعقيدة، وغيره من كتبه كالتفسير، وفتاواه .. نسأل الله تعالى الثبات على الدين.
قال الشَّيخ شلتوت في كتابه صفحة (432) نقله عبد الله يابس صفحة (235): "وإنَّما لا تثبت العقيدة بالحديث لأنَّ العقيدة ما يطلب الإيمان به، والإيمان معناه يقين الجازم، ولا يفيد اليقين الجازم إلَّا ما كان قطعي الورود والدلالة وهو المتواتر، والأحاديث المروية لم تتوفر فيها أركان التواتر، فلا تفيد بطبيعتها إلَّا الظن والظن لا يثبت العقيدة".
وهذا دليل آخر على سوء معرفة المعتقد وأصوله، بل الوقوع بما وقع به متفلسفة المسلمين من أهل الكلام، ونقلنا آنفًا ما يدلل للقارئ الكريم ما وقع به علماء الأمة في الوقت الحاضر من سوء الاعتقاد، وعدم معرفة أصوله، وقود الحق الذي كان عليه أهل السنة والجماعة أمن سلف الأمة، نسأل الله تعالى العفو والعافية ومعرفة دينه القويم على ما فهمه السلف من هذه الأمة.
وفاته: سنة (1383 هـ) ثلاث وثمانين وثلاثمائة وألف.
من مصنفاته: "التفسير" أجزاء منه في مجلد ولم يتم، و "القرآن والمرأة" و "فقه القرآن والسنة".






مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة «من القرن الأول إلى المعاصرين مع دراسة لعقائدهم وشيء من طرائفهم»

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید