المنشورات

الاستعارة المطلقة

هي ما خلت من ملائمات المشبه به والمشبه، وهي كذلك ما ذكر معها ما يلائم المشبه به والمشبه معا.
أ- فمن أمثلة الاستعارة المطلقة قوله تعالى: إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ. ففي لفظة «طغى» استعارة تصريحية تبعية، فقد شبّه فيها «الزيادة» «بالطغيان» بجامع تجاوز الحد في كل، ثمّ اشتقّ من «الطغيان» الفعل طغى بمعنى زاد على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية.
والقرينة المانعة من إرادة المعنى الأصلي لفظية وهي «الماء».
وإذا تأملنا هذه الاستعارة بعد استيفاء قرينتها رأيناها خالية مما يلائم المشبه به والمشبه. ولهذا تسمى استعارة «مطلقة».
ب- ومن أمثلتها أيضا قول المتنبي يخاطب ممدوحه:
يا بدر يا بحر يا غمامة يا … ليث الشرى يا حمام يا رجل (1)
ففي هذا البيت استعارة تصريحية في كل من: «بدر» و «بحر»و «غمامة» و «ليث الشرى» و «حمام». فالمشبه هنا الممدوح، والمشبه به هو «البدر» مرة، و «البحر» مرة ثانية، و «الغمامة» مرة ثالثة، و «ليث الشرى» مرة رابعة، و «الحمام» مرة خامسة. والقرينة في كل استعارة هي النداء.
إذا تأملنا كل استعارة من هذه الاستعارات بعد استيفاء قرينتها رأيناها كذلك خالية مما يلائم المشبه به والمشبه. ولهذا السبب تسمى استعارة «مطلقة».
ج- ومن أمثلة الاستعارة المطلقة كذلك قول قريظ بن أنيف:
قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم … طاروا إليه زرافات ووحدانا (1)
ففي لفظة «الشر» استعارة مكنية، وفي إجرائها يقال: شبه الشر «بحيوان مفترس»، ثمّ حذف المشبه به «الحيوان المفترس» ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو «أبدى ناجذيه». والقرينة المانعة من إرادة المعنى الأصلي هي «إثبات إبداء الناجذين للشر».
وهذه الاستعارة التي استوفت قرينتها قد خلت من كل ما يلائم المشبه والمشبه به، ومن أجل ذلك تسمى استعارة «مطلقة».
د- ومن أمثلتها كذلك قول كثير عزة:
رمتني «بسهم» ريشه الكحل لم يضر … ظواهر جلدي وهو للقلب جارح
ففي لفظة «سهم» استعارة تصريحية أصلية، ويقال في إجرائها: شبه «الطرف» بسكون الطاء «بالسهم» بجامع الإصابة بالضرر والأذى، ثمّ استعير اللفظ الدال على المشبه به وهو «السهم» للمشبه وهو «الطرف» على سبيل الاستعارة التصريحية الأصلية.
والقرينة المانعة من إرادة المعنى الأصلي لفظية وهي «الكحل».
وإذا تدبرنا هذه الاستعارة التي استوفت قرينتها رأينا أنّه قد اقترن بها ملائم للمشبه به «السهم» وهو «الريش»، وكذلك ملائم للمشبه «الطرف» وهو «الكحل». ولهذا السبب الذي يتمثل في اقتران الاستعارة بما يلائم المشبه به والمشبه معا تسمى الاستعارة أيضا «مطلقة».
وهكذا يتضح من تحليل الاستعارة في الأمثلة السابقة أيضا أنّ الاستعارة مطلقا إذا استوفت قرينتها يقال لها استعارة «مطلقة» في حالين:
الأولى إذا خلت من ملائمات المشبه به والمشبه، والثانية إذا ذكر معها ما يلائمها معا.
هذا وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ الترشيح أبلغ من التجريد والإطلاق، لاشتماله على تحقيق المبالغة في الاستعارة، ولهذا كان مبنى الترشيح على أساس تناسي التشبيه والتصميم على إنكاره إلى درجة استعارة الصفة المحسوسة للمعنوي وجعلها كأنّها ثابتة لذلك المعنوي حقيقة، وكأنّ الاستعارة لم توجد أصلا، وذلك كقول أبي تمام:
ويصعد حتى يظن الجهول … بأنّ له حاجة في السماء
فقد استعار لفظ العلو المحسوس لعلو المنزلة، ووضع الكلام وضع من يذكر علوا مكانيا، ولولا أنّ قصده أن يتناسى التشبيه ويصمم على إنكاره فيجعله صاعدا في السماء من حيث المسافة المكانية لما كان لهذا الكلام وجه (1) هذا وفيما يلي تجميع للمتفرق هنا من القواعد البلاغية المتصلة بهذا النوع من الاستعارة:
1 - تنقسم الاستعارة باعتبار الملائم إلى مرشحة ومجردة ومطلقة.
2 - الاستعارة المرشحة: ما ذكر معها ملائم المشبه به، أي المستعار منه.
3 - الاستعارة المجردة: ما ذكر معها ملائم المشبه، أي المستعار له.
4 - الاستعارة المطلقة: ما خلت من ملائمات المشبه به والمشبه، وكذلك ما ذكر معها ما يلائمهما معا.
5 - لا يعتبر الترشيح أو التجريد إلّا بعد استيفاء الاستعارة لقرينتها لفظية أو حالية، ومن أجل ذلك لا تسمى قرينة التصريحية تجريدا، ولا قرينة المكنية ترشيحا 

 

مصادر و المراجع:
1-سحر البلاغة وسر البراعة
المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (ت ٤٢٩هـ)
2-أسرار البلاغة
المؤلف: أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الفارسي الأصل، الجرجاني الدار (ت ٤٧١هـ)
3-الإيضاح في علوم البلاغة
المؤلف: محمد بن عبد الرحمن بن عمر، أبو المعالي، جلال الدين القزويني الشافعي، المعروف بخطيب دمشق (ت ٧٣٩هـ)
4-الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز
المؤلف: يحيى بن حمزة بن علي بن إبراهيم، الحسيني العلويّ الطالبي الملقب بالمؤيد باللَّه (ت ٧٤٥هـ)
5- عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح
المؤلف: أحمد بن علي بن عبد الكافي، أبو حامد، بهاء الدين السبكي (ت ٧٧٣ هـ)
6-تلوين الخطاب لابن كمال باشا دراسة وتحقيق
المؤلف: أحمد بن سليمان بن كمال باشا، شمس الدين (ت ٩٤٠هـ)
7-الأطول شرح تلخيص مفتاح العلوم
المؤلف: إبراهيم بن محمد بن عربشاه عصام الدين الحنفي (ت: ٩٤٣ هـ)
8- معاهد التنصيص على شواهد التلخيص
المؤلف: عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن أحمد، أبو الفتح العباسي (ت ٩٦٣هـ)
9-حاشية الدسوقي على مختصر المعاني لسعد الدين التفتازاني (ت ٧٩٢ هـ) [ومختصر السعد هو شرح تلخيص مفتاح العلوم لجلال الدين القزويني]
المؤلف: محمد بن عرفة الدسوقي
10- جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع
المؤلف: أحمد بن إبراهيم بن مصطفى الهاشمي (ت ١٣٦٢هـ)
11-علوم البلاغة «البيان، المعاني، البديع»
المؤلف: أحمد بن مصطفى المراغي (ت ١٣٧١هـ)
12- بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة
المؤلف: عبد المتعال الصعيدي (ت ١٣٩١هـ)
13-علم البديع
المؤلف: عبد العزيز عتيق (ت ١٣٩٦ هـ)
14-علم البيان
المؤلف: عبد العزيز عتيق (ت ١٣٩٦ هـ)
15- علم المعاني
المؤلف: عبد العزيز عتيق (ت ١٣٩٦ هـ)
16-البلاغة العربية
المؤلف: عبد الرحمن بن حسن حَبَنَّكَة الميداني الدمشقي (ت ١٤٢٥هـ)
17-البلاغة الصافية في المعاني والبيان والبديع
المؤلف: حسن بن إسماعيل بن حسن بن عبد الرازق الجناجيُ رئيس قسم البلاغة بجامعة الأزهر (ت ١٤٢٩ هـ)
18- النظم البلاغي بين النظرية والتطبيق
المؤلف: حسن بن إسماعيل بن حسن بن عبد الرازق الجناجيُ رئيس قسم البلاغة بجامعة الأزهر (ت ١٤٢٩ هـ)
19-من قضايا البلاغة والنقد عند عبد القادر الجرجاني
المؤلف: حسن بن إسماعيل بن حسن بن عبد الرازق الجناجيُ رئيس قسم البلاغة بجامعة الأزهر (ت ١٤٢٩ هـ)
20- أساليب بلاغية، الفصاحة - البلاغة - المعاني
المؤلف: أحمد مطلوب أحمد الناصري الصيادي الرفاعي
21-الأسلوب
المؤلف: أحمد الشايب
22- المنهاج الواضح للبلاغة
المؤلف: حامد عونى
23-خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني
المؤلف: محمد محمد أبو موسى
24- البديع عند الحريري
المؤلف: محمد بيلو أحمد أبو بكر
25- شرح مائة المعاني والبيان
المؤلف: أبو عبد الله، أحمد بن عمر بن مساعد الحازمي
26-البلاغة ٢ - المعاني
كود المادة: LARB٤١٠٣
المرحلة: بكالوريوس
المؤلف: مناهج جامعة المدينة العالمية
الناشر: جامعة المدينة العالمية
27-علوم البلاغة «البديع والبيان والمعاني»
المؤلف: الدكتور محمد أحمد قاسم، الدكتور محيي الدين ديب

28-علم البيان

المؤلف: عبد العزيز عتيق (ت ١٣٩٦ هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید