المنشورات

أبو المُظَفَّر السَّمْعَاني

المفسر: منصور بن محمد بن عبد الجبار بن أحمد المروزي السمعاني التميمي، الحنفي ثم الشافعي، أبو المظفر.
ولد: (426 هـ) ست وعشرين وأربعمائة.
من مشايخه: أبو غانم أحمد بن علي الكُراعي، وأبو بكر بن عبد الصمد الترابي وغيرهما.
من تلامذته: عمر بن محمّد السرخسي، وأبو نصر محمّد بن محمد الفاشاني، ومحمد بن أبي بكر السبخي وغيرهم.
كلام العلماء فيه:
• الأنساب: "إمام عصره بلا مدافعة، وعديم النظير في فنه ولا أقدر على أن أصف بعض مناقبه، ومن مطالع تصانيفه وأنصف، عرف محله من العلم. . وكانت مجالس وعظه كثيرة النكت والفوائد .. " أ. هـ.
• اللباب: "الإمام المشهور. . وكان حنفيا فصار شافعيا .. " أ. هـ.
• السير: "الإمام العلامة، مفتي خراسان شيخ الشافعية .. قال عبد الغافر في "تاريخه": هو وحيد عصره في وقته فضلًا وطريقة، وزهدا وورعا، من بيت العلم والزهد، تفقه بأبيه، وصار من فحول أهل النظر، وأخذ يطالع كتب الحديث. وحج ورجع. وترك طريقته التي ناظر عليها ثلاثين سنة. وتحول شافعيًّا. وأظهر ذلك في سنة ثمانٍ وستين، فاضطرب أهل مرو، وتشوش العوام، حتى وردت الكتب من الأمير ببلخ، في شأنه والتشديد عليه، فخرج من مرو، ورافقه ذو المجدين أبو القاسم الموسوي، وطائفة من الأصحاب، وفي خدمته عدة من الفقهاء، فصار إلى طوس، وقصد نيسابور، فاستقبله الأصحاب استقبالًا عظيمًا أيام نظام الملك، وعميد الحضرة أبي سعد، فكرموه، وأنزل في عز وحشمة، وعقد له مجلس التذكير في مدرسة الشافعية، وكان بحرا في الوعظ، حافظًا، فظهر له القبول، واستحكم أمره في مذهب الشافعي، ثم عاد إلى مرو، ودرس بها في مدرسة الشافعية، وقدمه النظام على أقرانه، وظهر له الأصحاب، وخرج إلى أصبهان، وهو في ارتقاء.
تعصب لأهل الحديث والسنة والجماعة، وكان شوكًا في أعين المخالفين، وحجة لأهل السنة ...
وقرأت بخط أبي جعفر الهمذاني الحافظ:
سمعت أبا المظفر السمعاني يقول: كنت في الطواف، فوصلت إلى الملتزم، وإذا برجل قد أخذ بردائي، فإذا الإمام سعد، فتبسمت، فقال: أما ترى أين أنت؟ ! هذا مقام الأنبياء والأولياء، ثم رفع طرفه إلى السماء وقال: اللهم كما سقته إلى أعز مكان، فأعطه أشرف عز في كل مكان وزمان، ثم ضحك إلي، وقال: لا تخالفني في سرك، وارفع يديك معي إلى ربك، ولا تقولن البتة شيئًا، واجمع لي همتك حتى أدعو لك، وأمِّنْ أنت، ولا يخالفني عهدك القديم، فبكيت، ورفعت معه يدي، وحرك شفتيه، وأمَّنتُ، ثم قال: مُرَّ في حفظ الله، فقد أجيب فيك صالح دعاء الأمة، فمضيت وما شيء أبغض إلي من مذهب المخالفين.
وبخط أبي جعفر: سمعت إمام الحرمين يقول: لو كان الفقه ثوبًا طاويًا، لكان أبو المظفر السمعاني طرازه.
وقال الإمام أبو علي بن الصفار: إذا ناظرت أبا المظفر، فكأني أناظر رجلا من أئمة التابعين، مما أرى عليه من آثار الصالحين ...
قال أبو سعد: حدثنا أبو الوفاء عبد الله بن محمد، حدثنا أبوك أبو بكر يقول: سمعت أبي يقول: ما حفظت شيئًا فنسيته.
وقال أبو سعد: سمعت أبا الأسعد بن القشيري يقول: سئل جدك بحضور والدي عن أحاديث الصفات، فقال: عليكم بدين العجائز .. " أ. هـ.
• قلت: وفي منهاج السنة وصفه شيخ الإسلام ابن تيمية بالإمام في بعض جماعات أهل السنة. انتهى.
• طبقات الشافعية للسبكي: "الإمام الجليل العلم الزاهد الورع أحد أئمة الدنيا الرفيع القدر العظيم المحل المشهور الذكر أحد من طبق الأرض ذكره وعِبق الكون نشرُه .. " أ. هـ.
• البداية والنهاية: "وكان يقول: ما حفظت شيئًا فنسيته، وسئل عن أخبار الصفات فقال: عليكم بدين العجائز وصبيان الكتاتيب، وسئل عن الاستواء فقال:
جئتماني لِتعلما سِرَّ سُعدى ... تجداني بسرِّ سُعدى شحيحا
إن سُعْدى لمُنية المُتمني ... جَمعَت عفة ووجهًا صَبيحا" أ. هـ.
• مفتاح السعادة: "اختلف هل المتشابه مما يمكن الاطلاع على علمه أو مما لا يعلمه إلا الله .. قال ابن السمعاني، لم يذهب إلى الأول إلا شرذمة واختاره القتبي قال: وكان يعتقد مذهب أهل السنة، لكنه سها في هذه المسألة. قال: ولا غرو فإن لكل جواد كبوة ولكل عالم هفوة .. "أ. هـ.
• الشذرات: "الإمام العلامة. . كان إمام وقته في مذهب أبي حنيفة فلما حج ظهر له بالحجاز ما اقتضى انتقاله إلى مذهب الشافعي، ولما عاد إلى مرو لقي أذى عظيما بسبب انتقاله. . وسمعان بطن من تميم، ويجوز كسر السين" أ. هـ.
• الأعلام: "مفسر من علماء حديث، من أهل مرو مولدا ووفاة. كان مفتي خراسان. . وهو جد السمعانى صاحب "الأنساب" عبد الكريم بن محمد ... " أ. هـ.
• قلت: سوف نذكر عقيدته من خلال تفسيره (1) الذي حققه وأعده عبد القادر بن منصور، وهذا النقل سيكون بالنص، على طوله للفائدة، قال المحقق: "للعقيدة أهمية عظيمة في حياة الأمم. ويوم تمسك المسلمون بالعقيدة الصحيحة فتحوا العالم وكانوا أعزاء ويحسب لهم ألف حساب والدنيا كلها تهتز لذكر المسلمين وكان الواحد منهم بمجرد قوله لا إله إلا الله محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يتغير مجرى حياته، ويطبق تعاليم الإسلام بكاملها.
أما حال المسلمين في هذا الزمان فلا يحسدون عليها، ولا يقام لهم وزن ولا يحسب لهم حساب، لا بل أصبحت دماءهم من أرخص الدماء، وكأنهم حمى مباح.
وما ذاك إلا لضعف وانحراف طرأ على عقائد المسلمين فكم وكم من المسلمين يحملون الأفكار والعقائد التي تهدم الإسلام وليس لهم في الإسلام حظ إلا مجرد الإسم.
والله تعالى لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ولا يظلم ربك أحدا، وإني أهيب بالمسلمين أن يصححوا عقائدهم وأن يتمسكوا بعقيدة السلف الصالح، ويوم يتم هذا ترجع لنا السيادة، ونصبح أعزاء أقوياء لا سلطان لأحد علينا، وبدون هذا لا سبيل للفلاح والفوز.
وعالمنا السمعاني واحد من أولئك الأفذاذ الذين تمسكوا بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، واعتقدوا بعقيدة السلف الصالح، وانتصروا لها وقد ألف كتابًا من عشرين جزءًا في الرد على القدرية، وألف الانتصار لأهل السنة، ومنهاج أهل السنة.
وقال عنه الذهبي: تعصب لأهل الحديث والسنة والجماعة، وكان شوكًا في أعين المخالفين، وحجة لأهل السنة.
وقال: سئل أبو المظفر عن أحاديث الصفات فقال: عليكم بدين العجائز. وقال ابن كثير: سئل أبو المظفر عن أخبار الصفات، فقال: عليكم بدين العجائز، وصبيان الكتاتيب (1).
وقال إمام الشافعية في وقته، الإمام أبو بكر محمّد بن محمود بن سورة التميمي فقيه نيسابور للشيخ أبي المظفر السمعاني بنيسابور: إن أردت أن يكون لك درجة الأئمة في الدنيا والآخرة فعليك بمذهب السلف الصالح وإياك أن تداهن في ثلاث مسائل:
مسألة القرآن، ومسألة النبوة، ومسألة استواء الرحمن على العرش باستدلال النص من القرآن والسنة المأثورة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
حكاه الحافظ أبو منصور عبد الله بن محمد بن الوليد في كتاب إثبات العلو له (2).
ويظهر لي أن هذه النصيحة من هذا الإمام لأبي المظفر من باب الأمر بالثبات على ما هو عليه من عقيدة السلف ولا يفيد هذا أنه كان قبل ذلك على غير عقيدة السلف.
والذي ظهر لي بدون أدنى شك أن السمعاني سلفي العقيدة، وهذا الحكم أصدرته من خلال دراستي لعقيدته في تفسيره.
وخير شاهد على عقيدة أبي المظفر السمعاني ما صرح به نفسه في مواضع متعددة من تفسيره فإليكم عقيدته من خلال تفسيره بكامله.
تعريف الإيمان وأنه يزيد وينقص:
عند قوله تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيبِ} [البقرة: 3]. عرف الإيمان تعريفا سلفيا صحيحا، فقال رحمه الله تعالى: والإيمان في الشريعة يشتمل على الاعتقاد بالقلب والإقرار باللسان والعمل بالأركان.
وعند قوله تعالى: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [الأنفال: 2]، قال أبو المظفر السمعاني رحمه الله تعالى: أي يقينا وتصديقا، وذلك أنه كلما نزلت آية فآمنوا بها ازدادوا إيمانا وتصديقا. وهذا دليل لأهل السنة على أن الإيمان يزيد وينقص.
- عقيدته في الاستواء:
قال أبو المظفر عند تفسيره لقوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54]. أوّل المعتزلة الاستواء بالاستيلاء وأنشدوا فيه:
قد استوى بشر على العراق ... من غير سيف ودم مهراق
وأما أهل السنة يتبرؤون من هذا التأويل ويقولون إن الاستواء على العرش صفة الله تعالى بلا كيف والإيمان به واجب.
كذلك يحكى عن مالك بن أنس وغيره من السلف، أنهم قالوا في هذه الآية: الإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.
وعند قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [يونس: 3]. قال أبو المظفر: قد بينا مذهب أهل السنة في الاستواء وهو أنه نؤمن به، ونكل علمه إلى الله تعالى من غير تأويل ولا تفسير.
وأما المعتزلة، فإنهم أولوا الاستواء بالاستيلاء وهو باطل عند أهل العربية، حكى عن أحمد بن أبي دؤاد وكان من رؤساء المعتزلة أنه قال لابن الأعرابي أتعرف الاستواء بمعنى الاستيلاء؟ فقال: لا.
ويحكى أن هذه المسألة جرت في مجلس المأمون، فقال بشر المريسي: الاستواء بمعنى الاستيلاء، فقال له أبو السمراء وهو رجل من أهل اللغة: أخطأت يا شيخ فإن العرب لا تعرف الإستيلاء إلا بعد عجز سابق.
وعند تفسيره لقوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} [طه: 5]: هـ، . قال رحمه الله تعالى: والمذهب عند أهل السنة أن يؤمن به ولا يكيف.
وقد رووا عن جعفر بن عبد الله وبشر الخفاف قالا: كنا عند مالك فأتاه رجل وسأله عن قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى؟ فأطرق مالك مليا، ثم قال: الكيف غير معقول، والاستواء غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أظنك إلا ضالًا، ثم أمر به فأخرج.
ونقل أهل الحديث عن سفيان الثوري والأوزاعي والليث بن سعد وسفيان بن عيينة وعبد الله بن المبارك أنهم قالوا في الآيات المتشابهة: أمروها كما جاءت، وقال بعضهم: تأويله الإيمان به.
وأما تأويل الاستواء بالإقبال، فهو تأويل المعتزلة، وذكر الزجاج والنحاس وجماعة النحاة من أهل السنة أنه لا يسمى الاستواء استيلاء في اللغة إلا إذا غلب غيره عليه، وهذا لا يجوز على الله تعالى.
- إثبات اليد لله تعالى:
عند تفسيره لقوله تعالى: {وَقَالتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيفَ يَشَاءُ} [المائدة: 64].
قال أبو المظفر السمعاني رحمه الله تعالى: قال أهل العلم: ليس في هذا رد على اليهود في إثباتهم اليد لله تعالى، وإنما الرد عليهم في نسبته إلى البخل. وأما اليد صفة لله تعالى بلا كيف. وله يدان. وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: كلتا يديه يمين. والله أعلم بكيفية المراد.
- إثبات العلو لله تعالى:
عند تفسيره لقوله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام: 18]. قال أبو المظفر رحمه الله تعالى: وقوله: {فَوْقَ عِبَادِهِ} هو صفة الاستعلاء الذي لله تعالى الذي يعرفه أهل السنة.
- إثبات العلم لله تعالى:
قال رحمه الله تعالى عند تفسيره لقوله عزَّ وجلَّ: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [النساء: 166]، أي مع علمه.
وفيه دليل على أن لله تعالى علمًا هو صفته خلاف قول المعتزلة خذلهم الله.

- إثبات الوجه لله تعالى على الوجه اللائق به سبحانه:
بين السمعاني رحمه الله تعالى أن الوجه صفة لله عزَّ وجلَّ، وتفسيره قراءته والإيمان به. وذلك عند قوله تعالى: {لَا إِلَهَ إلا هُوَ كُلُّ شَيءٍ هَالِكٌ إلا وَجْهَهُ} [القصص: 88].
وحكى رحمه الله تعالى قولا عن سفيان بن عيينة، مفادة: كل ما وصف الله به نفسه في الكتاب فتفسيره قراءته لا تفسير له غيره، أقول: لا يفهم من هذا التفويض.
وقال أبو المظفر: وقد بينا أنه صفة من صفات الله تعالى يؤمن به على ما ذكر الله تعالى.
قال أبو المظفر: والوجه، صفة لله تعالى بلا كيف، وجه لا كالوجوه.
- إثباته لرؤية الله تعالى يوم الدين:
عند تفسيره لقوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام: 103].
قال رحمه الله تعالى: استدل بهذه الآية من يعتقد نفي الرؤية.
قالوا: لما مدح بأنه لا تدركه الأبصار فمدحه على الأبد في الدنيا والآخرة.
واعلم أن الرؤية حق على مذهب أهل السنة، وقد ورد به القرآن والسنة.
قال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} [القيامة: 22 - 23].
وقاد: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15].
وقال: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ} [الكهف: 110]، ونحو هذا ...
وروى جرير بن عبد الله البجلي وغيره بروايات صحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر دونه سحاب لا تضامون في رؤيته" ويروى لا تضارون في رؤيته.
فأما قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} فالإدراك غير الرؤية، لأن الإدراك هو الوقوف على كنه الشيء وحقيقته.
والرؤية: هي المعاينة، وقد تكون الرؤية بلا إدراك، قال الله تعالى في قصة موسى: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَال أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَال كَلَّا} [الشعراء: 61 - 62]. فنفى الإدراك مع إثبات الرؤية.
وإذا كان الإدراك غير الرؤية (فالله تعالى يجوز أن يرى ولكن لا يدرك كنهه إذ لا كنه له حتى يدرك. وهذا كما أنه يعلم ويعرف ولا يحاط به) (1). كما قال: {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110)} [طه: 110]. فنفى الإحاطة مع ثبوت العلم.
وقال ابن عباس ومقاتل: لا تدركه الأبصار، يعني في الدنيا هو يرى الخلق ولا يراه الخلق في الدنيا، وهو يرى في الآخرة، بدليل قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} [القيامة: 22 - 23].
فكما أثبت الرؤية بتلك الآية في الآخرة، دل أن المراد بهذه الآية الإدراك في الدنيا ليكون جمعا بين الآيتين، ويقصد بهذا رحمه الله تعالى الرد على أهل البدع، كالخوارج والمعتزلة والجهمية والإمامية، وعند تفسيره لقوله تعالى: {قَال رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيكَ قَال لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: 143].
قال أبو المظفر السمعاني رحمه الله تعالى: يستدل من ينفي الرؤية بهذه الكلمة، وليس لهم فيها مستدل، وذلك لأنه لم يقل إني لا أرى حتى يكون حجة لهم، ولأنه لم ينسبه إلى الجهل في سؤال الرؤية، كما ينسب إليه قومه بقولهم: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} لما لم يجز ذلك.
وأما معنى قوله: {لَنْ تَرَانِي} يعني في الحال أو في الدنيا. {وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} معناه: اجعل الجبل بيني وبينك فإنه أقوى منك. فإن استقر مكانه فسوف تراني، وفي هذا دليل على أنه يجوز لأنه لم يعلق الرؤية بما يستحيل وجوده، لأن استقرار الجبل مع تجليه له غير مستحيل، بأن يجعل له قوة الاستقرار مع التجلي.
وعند تفسيره لقوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26].
قال أبو المظفر: واختلفوا في الحسنى وزيادة، فروي عن أبي بكر الصديق وأبي موسى الأشعري وابن عباس وحذيفة وقتادة وجماعة من التابعين إنهم قالوا: الحسنى هي الجنة، والزيادة، هي النظر إلى الله عزَّ وجلَّ.
وروى أبو القاسم بن بنت منيع عن هدبة بن خالد عن حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب رضي الله عنهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال الله تعالى: يا أهل الجنة إن لكم عندي موعدا وأنا منجزكموه. فقالوا: وما ذلك؟ ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تثقل موازيننا؟ ألم تدخلنا الجنة وتخلصنا من النار؟ قال فيتجلى لهم فينظرون إلى وجهه فما أعطوا شيئًا هو أحب إليهم من النظر إليه، ثم قرأ قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}.
قال الإمام أبو المظفر: أخبرنا بهذا الحديث أبو الحسين أحمد بن محمد بن النقور بالتخفيف ببغداد، وساق سند الحديث. . ثم قال: الخبر أخرجه مسلم في الصحيح.
وعند قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15)} [المطففين: 15].
قال رحمه الله تعالى في الآية دليل على أن المؤمنين يرون الله تعالى، وقد نقل هذا الدليل عن مالك والشافعي رحمه الله عليهما.
قال مالك: لما حجب الله الفجار عن رؤيته دل أنه يتجلى للمؤمنين حتى يروه، ومثل هذا رواه الربيع بن سليمان عن الشافعي. قال الربيع: قلت للشافعي أتدين الله بهذا؟
فقال: لو لم أوقن أن الله يرى في الجنة، لم أعبده في الدنيا، وقد روى هذا الدليل عن أحمد بن يحيى بن ثعلب الشيباني عن ابن عباس.
وعن الحسن البصري قال: لو عرف المؤمنون أنهم لا يرون الله في الآخرة لزهقت أرواحهم في الدنيا. وفي الآية أبين دليل من حيث المعنى على ما قلنا، لأنه ذكر قوله: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} في حق الكفار عقوبة لهم، فلو قلنا إن المؤمنين يحجبون لم يصح عقوبة الكفار به.
وقد ذكر الكلبي في نفسيره عن ابن عباس في هذه الآية أن المؤمنين يرونه في الجنة ويحجب الكفار.
وعن الحسين بن الفضل قال: كما حجبهم في الدنيا عن توحيده كذلك في الآخرة رؤيته.
- مجئ الله تعالى:
قال أبو المظفر السمعاني رحمه الله تعالى: عند تفسيره لقوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ} [البقرة: 210]:
والأولى في هذه الآية وما يشاكلها أن نؤمن بظاهره ونكل علمه إلى الله تعالى، وننزه الله سبحانه وتعالى عن سمات الحدثِ والنقص.
- القرآن كلام الله غير مخلوق:
قال أبو المظفر السمعاني عند تفسيره لقوله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ} [البقرة: 5].
وهذا فيه بيان أن الهداية من الله تعالى، ومن كلامه كما هو مذهب أهل السنة.
وفي هذا رد على المعتزلة الذين يقولون إن كلام الله تعالى مخلوق، وأفعال العباد كذلك مخلوقة لهم. ولو كان قول المعتزلة صحيحًا، لما نسب الهداية هنا لله تعالى فقال: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ}. وعند قوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164)} [النساء: 164] قال السمعاني رحمه الله تعالى عند تفسيره لهذه الآية: إنما كلمه بنفسه من غير واسطة ولا وحي وفيه دليل يرد على من قال إن الله خلق كلاما في الشجرة فسمعه موسى، وذلك لأنه قال وكلم الله موسى تكليما.
قال الفراء وثعلب: إن العرب تسمي ما توصل إلى الإنسان كلامًا بأي طريق وصل إليه. ولكن لا يحققه بالمصدر، فإذا حقق الكلام بالمصدر لم يكن إلا حقيقة الكلام، وهذا كالإرادة، يقال: أراد فلان إرادة فيكون حقيقة الإرادة ..
فلما حقق الله كلامه موسى بالتكليم عرف أنه حقيقة الكلام من غير واسطة.
قال ثعلب: وهذ دليل من قول الفراء أنه ما كان يقول بخلق القرآن، فإن قال قائل: بأي شيء عرف موسى أنه كلام الله؟ قيل بتعريف الله تعالى إياه، وإنزال أنه عرف موسى بتلك الآية أنه كلام الله تعالى، وهذا مذهب أهل السنة أنه سمع كلام الله حقيقة بلا كيف.
وفي الحاشية من النسخة الأزهرية، بلا واسطة، وهو رد على المعتزلة الذين لا يثبتون كلاما أزليا على الحقيقة، صفة قائمة بذاته، إنه أكد بالمصدر وهو لتحقيق الاسم والصفة. . الخ.
وعند تفسيره لقوله تعالى: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [الأنبياء: 2].
قال رحمه الله تعالى: استدل المعتزلة بهذا على أن القرآن مخلوق. وقالوا: كل محدث مخلوق.
والجواب عنه: أن معنى قوله: (محدث) أي: محدث تنزيله. ذكره الأزهري وغيره، ويقال: أنزل في زمان بعد زمان.
قال الحسن البصري: كلما جدد لهم ذكر استمروا على جهلهم. . الخ.
وعند قوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3)} [الزخرف: 3]. قال أبو المظفر: قوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ} قال السدي: أنزلناه، وقال مجاهد:
قلناه. وعن بعضهم بيناه. قاله سفيان الثوري واستدل بهذا من زعم أن القرآن مخلوق، وذكر أن الجعل بمعنى الخلق، بدليل قوله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا} [طه: 53]، و [الزخرف: 10]. أي خلق لكم ..
وعندنا هذا التعلق باطل، والقرآن كلام الله غير مخلوق، وعليه إجماع أهل السنة.
وزعموا أن من قال: إنه مخلوق فهو كافر، لأن فيه نفي كلام الله تعالى، وقد بينا وجه الآية عند السلف، ومن يعتمد في تفسيره، وقد ورد الجعل في القرآن لا بمعنى الخلق.
قال الله تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} [الزخرف: 19].
ومعناه أنهم وصفوهم بالأنوثة وليس المعنى أنهم خلقوهم.
- عقيدته فيما حدث بين الصحابة رضوان الله عليهم:
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} [الحشر: 10]. قال أبو المظفر رحمه الله تعالى: وفي الآية دليل على أن الترحم للسلف والدعاء لهم بالخير وترك ذكرهم بالسوء من علامة المؤمنين.
وروي أن رجلًا جاء إلى مالك بن أنس فجعل يقع في جماعة من الصحابة مثل أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم رضي الله عنهم، فقال له: أنت من الفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم.
قال: لا.
قال: أنت من الذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم؟ قال: لا.
فقال: أشهد أنك لست من الذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان.
وعن ابن عباس أنه قال: ليس لمن يقع في الصحابة ويذكرهم بالسوء في الفيء نصيب. وتلا هذه الآيات الثلاثة.
وروى أن عمر بن عبد العزيز سئل عما جرى بين الصحابة من القتال وسفك الدماء، فقال: تلك دماء طهر الله يدي عنها، فلا أحب أن أغمس لساني فيها.
ومن المعروف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا ذكر أصحابي فأمسكوا، وإذا ذكر القدر فأمسكوا، والمراد به الإمساك عن ذكر المساوئ. . لا عن ذكر المحاسن. . . الخ.
وعند قوله تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (141)} [البقرة: 141].
قال رحمه الله تعالى: حكى عن بعض العلماء أنه سئل عما وقع من الفتن بين علي ومعاوية وطلحة والزبير وعائشة رضوان الله عليهم فقرأ: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ} الآية. ثم عقب عليه بقوله: وهذا جواب حسن في مثل هذا السؤال (1).
ردوده على الفرق الضالة والمخالفة لأهل السنة:
أ- رده على المعتزلة:
عند قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]. رد رحمه الله على المعتزلة والقدرية في قولهم: إن القدرة لا تكون إلَّا قبل الفعل.
فقال رحمه الله تعالى: فإن قيل: لم قدم ذكر العبادة على الاستعانة والإستعانة تكون قبل العبادة؟
فأجاب بقوله: إنما يلزم هذا من يجعل الاستطاعة قلب الفعل ونحن بحمد الله نجعل الاستعانة والتوفيق مع الفعل سواء قرن به أو أخر جاز (1).
وعند تفسيره لقوله تعالى: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)} [البقرة: 3]. رد رحمه الله تعالى على المعتزلة فقال:
الرزق: اسم لكل ما ينتفع به الخلق، لأن المعتزلة يقولون إن الحرام ليس برزق.
تبرؤه من قول أهل الاعتزال:
وذلك عند قوله عزَّ وجلَّ: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ} [البقرة: 7].
فقال رحمه الله تعالى: قال أهل السنة: ختم على قلوبهم بالكفر لما سبق من علمه الأزلي فيهم.
وذكر قول المعتزلة، ومعناه: جعل الله على قلوبهم علامة تعرفهم الملائكة بها. وعقب عليه بقوله: وهذا تأويل أهل الاعتزال نبرأ إلى الله تعالى منه.
وعند قوله تعالى: {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 24].
رد رحمه الله تعالى على المعتزلة والقدرية ومن شاكلهما من الفرق الضالة. فقال: وهذا دليل على أن النار مخلوقة، لا كما قال أهل البدعة، ودليل على أنها مخلوقة للكافرين. وإن دخلها بعض المؤمنين تأديبًا وتفريكا. لأن أهل السنة اتفقوا على أن الجنة والنار مخلوقتان وموجودتان الآن، ولم يزل أهل السنة على ذلك حتى نبغت نابغة المعتزلة والقدرية فأنكرت ذلك، وقالت: بل ينشئهما الله يوم القيامة. . . وعند قوله تعالى: {عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15)} [النجم: 15].
قال رحمه الله تعالى: وفي الآية دليل على أن الجنة في السماء وأنها مخلوقة، ومن زعم أنها غير مخلوقة فهو كافر بهذه الآية.
رده على المعتزلة في مسألة الكبيرة:
فعند تفسيره لقوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيءٌ} [البقرة: 178] قال رحمه الله تعالى:
وظاهره: يقتضي أن أخوه الدين لا تنقطع بين القاتل والمقتول، حيث قال: من أخيه، وهو الذي نقول به، لأن الكبائر لا تخرج المسلم من الإسلام ولا تنفي عنه صفة الإيمان خلافا للمعتزلة (2).
وعند تفسيره لقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 93].
قال السمعاني رحمه الله تعالى: والأصح: والذي عليه الأكثرون وهو مذهب أهل السنة، أن لقاتل المؤمن عمدا توبة.
والدليل عليه قوله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ} [طه: 82].
وقال: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]، ولأن القتل العمد ليس بأشد من الكفر ومن الكفر توبة، فمن القتل أولى.
واعلم أن لا متعلق في هذه الآية لمن يقول بالتخليد في النار لأهل الكبائر من المسلمين، لأنا إن نظرنا إلى سبب نزول الآية فالآية نزلت في قاتل كافر كما بينا. وقيل: إنه فيمن يقتل مستحلا.
والأولى أن يقول فيه ما قاله أبو صالح أن معنى قوله: {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا}، إن جازى وبه يقول إن الله تعالى إن جازاه ذلك خالدا فهو جزاؤه، ولكنه ربما لا يجازي، وقد وعد أن لا يجازي ويغفر لمن يشاء، وهو لا يخلف الميعاد.
وحكي عن قريش بن أنس رحمه الله أنه قال: كنت في مجلس فيه عمرو بن عبيد فقال: لو قال الله لي يوم القيامة: لم قلت بتخليد القاتل المتعمد في النار؟
فأقول له: أنت الذي قلت فجزاؤه جهنم خالدا فيها. قال قريش: وكنت أنا أصغر القوم. فقلت له: أرأيت لو قال الله تعالى لك ألست قلت: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} فمن أين علمت أني لم أشأ مغفرة القاتل، فسكت ولم يستطع الجواب.
وحكى أن عمرو بن عبيد جاء إلى أبي عمرو بن العلاء رحمه الله وقال له: هل يخلف الله وعده؟ فقال: لا فقال: أليس قال تعالى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا}. فأنا على هذا أنه لا يخلف وعده، فقال أبو عمرو: من العجمة أتيت يا أبا عثمان، إن العرب لا تعد الإخلاف في الوعيد خلفا وذما، وإنما ذلك في الخلف في الوعد. . الخ.
ويقصد بهذا رحمه الله تعالى الرد على المعتزلة، لأن عمرو بن عبيد زعيم المعتزلة، وعند تفسيره لقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الأعراف: 172].
قال رحمه الله تعالى: واعلم أن المعتزلة تأولوا هذه الآية فقالوا: أراد به الأخذ من ظهور بني آدم على الترتيب الذي مضت به السنة من لدن آدم إلى فناء العالم.
وقوله: {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} يعني كما نصب من دلائل العقول التي تدل على كونه ربا، ويلجئهم إلى الجواب بقولهم: بلى وأنكروا الميثاق وهذا تأويل باطل.
وأما أهل السنة مقرون بيوم الميثاق، والآية على ما سبق ذكرها: وفصل رحمه الله تعالى في ذلك تفصيلا في غاية الجودة.
وعند تفسيره لقوله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16)} [الأنفال: 16].
قال رحمه الله تعالى: واستدلت المعتزلة بإطلاق قوله: {وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ} في وعيد الأبد ولا حجة لهم فيه، لأن معنى الآية وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ إلا أن تدركه الرحمة بدليل سائر الأي المقيدة.
وعند تفسيره لقوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)} [الإسراء: 79].
قال أبو المظفر رحمه الله تعالى: أجمع المفسرون أن هذا مقام الشفاعة، وساق الأحاديث الصحيحة  في ذلك .. ثم قال: والأخبار في الشفاعة كثيرة وأول من أنكرها عمرو بن عبيد وهو ضال مبتدع بإجماع أهل السنة.
وعن تفسيره لقوله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18)} [السجدة: 18].
أكثر المفسرين أن الآية نزلت في علي بن أبي طالب والوليد بن عقبة بن أبي معيط. قال الوليد: أنا أحد منك سنانا، وأبسط منك لسانا، وأملأ منك للكتيبة.
فقال له علي: اسكت، إنما أنت فاسق فأنزل الله تعالى هذه الآية. واستدل أهل الاعتزال بهذه الآية في القول بالمنزلة بين المنزلتين وأن الفاسق لا يكون مؤمنا. والدليل عليهم ظاهر، وأما الفاسق هاهنا: بمعنى الكافر.
ب- رده على القدرية:
قال السمعاني عند تفسيره لقوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ} [البقرة: 253].
هذا دليل على القدرية حيث أحالوا الاقتتال على المشيئة.
وعند قوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء: 79].
قال السمعاني رحمه الله تعالى: أي ما أصابك من سيئة من الله فبذنب نفسك عقوبة لك.
واعلم أنه ليس في الآية متعلق لأهل القدر أصلًا، فإن الآية فيما يصيب الناس من النعم والمحن لا في الطاعات والمعاصي إذ لو كان المراد ما توهموا لقال ما أصبت من حسنة فمن الله، وما أصبت من سيئة. فلما قال: ما أصابك من حسنة، وما أصابك من سيئة، دل أنه أراد ما يصيب العباد من النعم والمحن لا في الطاعات والمعاصي.
قال رحمه الله تعالى: عند تفسيره لقوله عز وجل: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا} [الأنعام: 107]:
وهذا دليل على القدرية:
وعند تفسيره لقوله تعالى {مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111)} [الأنعام: 111]:
قال أبو المظفر رحمه الله تعالى: وفي الآية دليل واضح على أهل القدر.
وقال رحمه الله تعالى عند تفسيره لقوله تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا} [الأنعام: 148].
استدل أهل القدر بهذه الآية، فإنهم لما قالوا لو شاء الله ما أشركنا كذبهم الله تعالى ورد قولهم. فقال: {كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} قيل، معنى الآية: إنهم كانوا يقولون الحق إلَّا أنهم كانوا يعدون ذلك عذرًا لهم، ويجعلونه حجة لأنفسهم في ترك الإيمان فالرد عليهم كان في هذا بدليل قوله تعالى بعده: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} أي الحجة بالأمر والنهي باقية له عليهم، كان شاء أن يشركوا، فلو شاء لهداكم أجمعين، ولو لم يحمل على هذا لكان هذا مناقضة للأول وقيل: إنهم كانوا يقولون: إن الله أمرنا بالشرك كما قال في الأعراف: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا} [الأعراف: 28].
وكان قوله: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا} أي: هو الذي أمرنا بالشرك فالرد عليهم في هذا لا في حصول الشرك بمشيئته. فإنه حق وصدق وبه يقول أهل السنة.
ورد على القدرية عند قوله تعالى: {قَال عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ} [الأعراف: 156].
وعند تفسيره لقوله تعالى: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (178)} [الأعراف: 178].
قال أبو المظفر رحمه الله تعالى: وهذا دليل على القدرية، حيث نسب الهداية والضلالة إلى فعله من غير سبب.
وعند قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [يونس: 99].
قال أبو المظفر رحمه الله تعالى في الآية: رد على القدرية، فإنه تعالى أخبر أنه لم يشأ إيمان جميع الناس وعندهم أنه شاء إيمان جميع الناس.
قال أبو المظفر السمعاني رحمه الله تعالى عند تفسيره لقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيهِ مَنْ أَنَابَ} [الرعد: 27] معناه: ويهدي إليه من يشاء بالإنابة، وفي الآية رد على القدرية، والله الهادي إلى الصواب.
وعند قوله تعالى: {كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (12)} [الحجر: 12].
قال رحمه الله تعالى بعد نقله لأقوال السلف في ذلك: وهو رد على القدرية صريح.
وعند تفسيره لقوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9)} [النحل: 9].
قال رحمه الله تعالى: وفيه رد على القدرية.
وعند تفسيره لقوله تعالى: {وَقَال الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إلا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (35)} [النحل: 35].
قال رحمه الله تعالى: وقد احتجت القدرية بهذه الآية ووجه احتجاجهم أن المشركين قالوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا، ثم إن الله تعالى قال في آخر الآية {كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} ردا وإنكارا عليهم، فدل على أن الله تعالى لا يشاء الكفر وأنهم فعلوا ما فعلوا بغير مشيئة الله والجواب عنه ذكره الزجاج وغيره، أنهم قالوا هذا القول على طريق الاستهزاء لا على طريق التحقيق، ولو قالوا على طريق التحقيق لكان قولهم موافقًا لقول المؤمنين. وهذا مثل قوله تعالى في قصة شعيب: {إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87)} [هود: 87]. فإنهم قالوا هذا على طريق الاستهزاء لا على طريق التحقيق.
وكذلك قوله تعالى في سورة يس: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَال الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ} [يس: 47].
وهذا إنما قالوه على طريق الاستهزاء، لأنه في نفسه قول حق يوافق قول المؤمنين، كذلك هاهنا، قالوا ما قالوا على طريق الاستهزاء، فلهذا أنكر الله تعالى عليهم ورد قولهم. والدليل على أن المراد من هذا ما ذكر من بعد وسنبين. . الخ.
ثم قال رحمه الله تعالى عند قوله عزَّ وجلَّ: {فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيهِ الضَّلَالةُ} [النحل: 36].
معناه: فمنهم من هداه الله للإيمان، ومنهم من وجبت عليه الضلالة وتركه في الكفر بالقضاء السابق، فهذه الآية تبين أن من آمن بمشيئة الله، وأن من كفر بمشيئة الله.
وقال رحمه الله تعالى: عند تفسيره لقوله تعالى: {وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [النحل: 93]. والآية صريحة في الرد على القدرية.
وعند قوله عزَّ وجلَّ: {وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إلا يَخْرُصُونَ (20)} [الزخرف: 20].
قال أبو المظفر: تعلق بهذه الآية القدرية، وقالوا: حكى الله تعالى عن الكفار أنهم قالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم، ثم عقبه بالإنكار والتهديد فقال: {مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إلا يَخْرُصُونَ} أي يكذبون وعندكم إن الأمر على ما قالوا. والجواب من وجهين:
أحدهما: أن معنى قوله: {مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ} أي ما لهم بقولهم إن الملائكة بنات الله من علم، إن هم إلا يخرصون يعني في هذا القول.
وقد تم الكلام على هذا عند قوله: {لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} والإنكار غير راجع إليه.
ويجوز أن يحكى من الكفار ما هو حق مثل قوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَال الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ}. وهذا القول حق وصدق. فإن قيل أول الآية وآخرها خرج مخرج الإنكار عليهم فكيف يحكى عنهم ما هو حق؟
والجواب عنه: أنهم قالوا هذا لا على اعتقاد الحق، ولكن لدفع القبول عن أنفسهم. وقد كانوا أمروا بالقبول. فأرادوا أن يدفعوا القبول من أنفسهم، فهذا القول، كما إن في الآية الأخرى أرادوا أن يدفعوا الأمر بالإنفاق عن أنفسهم بما قالوه، والقول على هذا القصد غير صحيح.
والوجه الثاني: أن معنى قوله: {مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ} أي ما لهم في هذا القول من عذر.
وقوله {إِنْ هُمْ إلا يَخْرُصُونَ} أي يطلبون ما لا يكون من طلب العذر بهذا الكلام، حكاه النحاس، والأول ذكره الفراء والزجاج وغيرهما.
وعند قوله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (29)} [الإنسان: 29]. يوجد في الحاشية من النسخة الأزهرية رد على الجبرية والقدرية.
ت- رده على المرجئة:
فعند تفسيره لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143] قال رحمه الله تعالى: أي صلاتكم، فجعل الصلاة إيمانًا، وهذا دليل على المرجئة حيث لم يجعلوا الصلاة من الإيمان، وإنما سموا مرجئة لأنهم أخروا العمل عن الإيمان.
وحكي أن أبا يوسف شهد عند شريك بن عبد الله القاضي فرد شهادته قيل له: أترد شهادة يعقوب؟ فقال: كيف أقبل شهادة من يقول إن الصلاة ليست من الإيمان.
عند تفسيره لقوله تعالى: {قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111)} [الأعراف: 111].
قال رحمه الله تعالى: والإرجاء: التأخير، يقال: أرجأت أمر كذا أي أخرته ومنه المرجئة. سموا بذلك، لتأخيرهم العمل عن الإيمان، فإنهم زعموا أن العمل ليس من الإيمان.
ث- رد السمعاني رحمه الله تعالى على الخوارج: عند تفسيره لقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)} [المائدة: 44].
قال السمعاني رحمه الله تعالى: قال البراء بن عازب وهو قول الحسن: الآية في المشركين، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: الآية في المسلمين وأراد به كفرا دون كفر.
واعلم أن الخوارج يستدلون بهذه الآية.
ويقولون من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر.
وأهل السنة قالوا: لا يكفر بترك الحكم.
وللآية تأويلان:
أحدهما: معناه: ومن لم يحكم بما أنزل الله ردًّا وجحدا فأولئك هم الكافرون.
والثاني: معناه: ومن لم يحكم بكل ما أنزل الله فأولئك هم الكافرون، والكافر: هو الذي يرك الحكم بكل ما أنزل الله دون المسلم.
ج- رده على الكرامية:
رد رحمه الله تعالى على الكرامية المنسوبين إلى زعيمهم محمّد بن كرام (1)، وذلك عند قوله تعالى: {وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة: 8].
فقال: نُفي الإيمان عنهم حيث أظهروا الإسلام باللسان ولم يعتقدوا بالجنان، وهذا دليل على من يخرج الاعتقاد من جملة الإيمان.
يقصد بهذا رحمه الله تعالى الرد على الكرامية الذين يقولون أن الإيمان هو الإقرار باللسان فقط، فالمنافقون عندهم مؤمنون كاملو الإيمان .. الخ.
ح- رده على الشيعة:
وعند تفسيره لقوله تعالى: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيكُمْ أَهْلَ الْبَيتِ} [هود: 73].
قال أبو المظفر، وقوله: {عَلَيكُمْ أَهْلَ الْبَيتِ} هذا دليل على أن الأزواج يجوز أن يسمين أهل البيت.
وزعمت الشيعة في قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيتِ} [الأحزاب: 33].
أن الأزواج لا يدخلن في هذا، وهذه الآية دليل على أنهن يدخلن فيها.
وانظر ما قاله السمعاني عند هذه الآية في تفسيره لسورة الأحزاب، وكل قصد الشيعة من هذا هو عدم إدخال عائشة وحفصة رضي الله عنهما في آل البيت .. كرها منهم لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
ح - رده على الذين يقولون بالتناسخ:
وعند تفسيره لقوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)} [الشورى: 30].
قال رحمه الله تعالى بعد تفسيره للآية والإشكال الذي يرد حولهما والاجابة عنه: تعلق بهذه الآية بعض من يقول بالتناسخ وقال إنا نرى البلاء يصيب الأطفال ولم يكن منهم ذنب، فدل أنه سبق منهم ذنوب من قبل وعوقبوا بها.
وتعلق بهذه الآية أيضًا من يقول إن الأطفال لا يألمون أصلا، فكذلك البهائم، وإنما صياحهم لأذى قلوب الوالدين وكلا القولين باطل.
ويجوز عند أهل السنة أن يوجد الله الألم إلى من يشاء من عباده بغير ذنب سبق منه، وكذلك إلى جميع الحيوانات. وأما وجه الآية قد بينا. وكذلك قول من يقول إن الأطفال لا يألمون باطل، لأنه وقع في الحس والعيان.
ورأى البيت السمعاني في الروافض صريح:
قال أبو سعد السمعاني: فأما الفرقة الإمامية، جماعة من غلاة الشيعة، فإنما لقبوا بهذا اللقب لأنهم يرون الإمامة لعلي - رضي الله عنه - ولأولاده من بعده، ويعتقدون أنه لا بد للناس من الإمام وينتظرون الإمام الذي يخرج في آخر الزمان يملأ الأرض عدلًا كما ملئت جورًا.
وقد اختلفت الشيعة في الإمام المنتظر.
فالكيسانية تزعم أنه محمد بن الحنفية. وأنه بجبل رضوى وقال طائفة منهم: إنه توفي، ويعود إلى الدنيا ويبعث معه الأموات ثم يموتون، ثم يبعثون يوم القيامة، قال شاعرهم:
إلى يوم يؤوب الناس فيه ... إلى دنياهم قبل الحساب
وطائفة تقول: إنه موسى بن جعفر.
وطائفة تقول: إنه إسماعيل أخوه.
وأخرى تقول: إنه محمد بن الحسن بن علي الذي بمشهد سامرا وعلى هذه الطائفة يطلق الآن الإمامية، واختلاف المنتظرية في المنتظر كثير. وفي الإمامية فِرق. منهم من يميل إلى قول أصحاب الحلول أو إلى التشبيه، فحكمه حكم الحلولية والمشبهة، ومنهم من قال بالنص على الإمام وأكفر الذين تركوا بيعة علي - رضي الله عنه -.
ونحن نكفرهم لتكفيرهم الصحابة الأخيار.
ويقال لهم: لو كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما كافرين لكان عليّ بتزويجه ابنته أم كلثوم الكبرى من عمر - رضي الله عنه - كافرا. أو فاسقا معرضا ابنته للزنا، لأن وطء الكافر للمسلمة زنا محض، ثم إنهم في انتظارهم الإمام الذي انتظروه مختلفون اختلافا يلوح عليه حمق بليغ. . الخ.
- انتصاره لأهل السنة:
قال أبو المظفر عند قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)} [الفاتحة: 6]: فإن قال قائل: أي معنى للاسترشاد وكل مؤمن مهتد فما معنى قوله: {اهْدِنَا}؟
قلنا: هذا سؤال من يقول بتناهي الألطاف من الله تعالى. ومذهب أهل السنة أن الألطاف والهدايات من الله تعالى لا تتناهى فيكون ذلك بمعنى طلب مزيد من الهداية، ويكون بمعنى سؤال للتثبيت {اهْدِنَا} بمعنى: ثبتنا.
وذكر قول أهل السنة في الجمادات واستدل على ذلك بالقرآن والأحاديث الصحيحة. وذلك عند تفسيره لقوله تعالى: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [البقرة: 74].
وعند قوله تعالى: {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102] بين رحمه الله تعالى مذهب أهل السنة في السحر.
وقال السمعاني رحمه الله تعالى عند تفسيره لقوله عزَّ وجلَّ: {ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ} [آل عمران: 152].
وهذا دليل لأهل السنة على أن أفعال العباد مخلوقة حيث نسب الله تعالى هزيمة المسلمين إلى نفسه مع وقوع الفعل منهم. فقال {ثُمَّ صَرَفَكُمْ}.
وعند تفسيره لقوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى} [الأنعام: 35]. قال أبو المظفر السمعاني رحمه الله تعالى: أي بأن يريهم آية فينظرون إلى الإيمان بها.
والصحيح: أن المراد به، ولو شاء الله لطبعهم وخلقهم على الإيمان، فهذا أقرب إلى قول أهل السنة، لأن إيمان الضرورة لا ينفع، وإنما ينفع الإيمان بالغيب اختيارا.
وانظر تأييده لقول أهل السنة في تفسيره (1/ 149 / أ) الأزهرية، وعند قوله تعالى: {وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا} [الأعراف: 89].
قال أبو المظفر السمعاني رحمه الله تعالى: فإن قيل: وهل يشاء الله عودهم إلى الكفر؟ قيل: وما المانع منه.
وإنما الآية على وفق قول أهل السنة، وكل ذلك جائز في المشيئة ويدل عليه قوله {وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيءٍ عِلْمًا}.
قال أبو المظفر السمعاني رحمه الله تعالى: عند تفسيره لقوله تعالى: {قَال عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ} [الأعراف: 156]: وهذا على وفق قول أهل السنة، فإن الله تعالى أن يصيب بعذابه من يشاء من عباده أذنب أو لم يذنب.
وصحف بعض القدرية، فقرأ: عذابي أصيب به من أساء من الإساءة وليس بشيء.
وعند قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الأعراف: 172]. ذكر رحمه الله تعالى مذهب أهل السنة في الإقرار بيوم الميثاق واستدل على ذلك بالأحاديث وأقوال السلف.
وعند قوله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} [الأعراف: 179].
قال رحمه الله تعالى: أي خلقنا لجهنم كثيرًا. وهذا على وفق قول أهل السنة، واستدل بحديث عائشة رضي الله عنها في الصحيح وغيره.
وذكر قولا آخر ورده ورجح القول الموافق لأهل السنة فقال: والأول أصح وأقرب إلى مذهب أهل السنة.
وعند قوله تعالى: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال: 4].
قال أبو المظفر رحمه الله تعالى: وفيه دليل لأهل السنة على أنه لا يجوز لكل أحد أن يصف نفسه بكونه مؤمنا حقا، لأن الله تعالى إنما وصف بذلك قوما مخصوصين على أوصاف مخصوصة، وكل واحد لا يتحقق في نفسه وجود تلك الأوصاف.
وعند تفسيره لقوله تعالى: {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَو اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (9)} [يوسف: 9].
قال أبو المظفر: يعني: توبوا بعد أن فعلتم هذا ودوموا على الصلاح، يعف الله عنكم، واستدل أهل السنة بهذه الآية على أن توبة القاتل عمدا مقبولة، فإن الله تعالى ذكر عزم القتل عنهم وذكر التوبة، ولم ينكر عليهم التوبة بعد القتل، دل أنها مقبولة ... إلخ.
وعند قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ} [الحج: 18].
قال رحمه الله تعالى: قال الزجاج: السجود: هاهنا بمعنى الطاعة. أي يطيعه، واستحسنوا هذا القول لأنه موافق الكتاب وهو قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَال لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالتَا أَتَينَا طَائِعِينَ (11)} [فصلت: 11].
وأيضًا، فإن من اعتقاد أهل السنة أن الحيوان والموات مطيع كله لله تعالى.
وقال بعضهم: إن سجود الحجارة: هو بظهور أثر الصنع فيه على معنى أنه يحمل على السجود والخضوع لمن تأمله وتدبر فيه.
وهذا قول فاسد. . والصحيح ما قدمنا. والدليل عليه: أن الله تعالى وصف الحجارة بالخشية فقال: {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [البقرة: 74].
ولا يستقيم حمل الخشية على ظهور أثر القدرة فيه وأيضًا فإن الله تعالى قال: {يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ} [سبأ: 10].
أي: سبحي معه ولو كان المراد ظهور أثر الصنع لم يكن لقوله مع داود معنى، لأن داود وغيره في رؤية أثر الصنع سواء، وأيضًا فإن الله تعالى قال: {وَإِنْ مِنْ شَيءٍ إلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 44].
أي: يطيع الله بتسبيحه {وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: 44]، لو كان المراد بالتسبيح ظهور أثر الصنع لم يستقم قوله: {وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}.
ذكر هذه الدلائل أبو إسحاق الزجاج إبراهيم بن السري وأثنى عليه ابن فارس فقال: ذب عن الدين ونصر السنة.
وعند قوله تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر: 21].
قال رحمه الله تعالى: وعند أهل السنة: أن لله تعالى في الموات والجمادات علمًا لم يقف عليه الناس، وقد قال في موضع آخر: {وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} وهو دليل على ما ذكرنا من قبل.
وعند قوله تعالى: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [الجمعة: 1].
قال رحمه الله تعالى: قوله تعالى: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ} قد بينا معنى التسبيح، وهو تنزيه الرب عن كل ما لا يليق به. ويقال: التسبيح لله هو ذكر الله، وذكر القفال الشاشي أن معنى تسبيح الجمادات هو ما جعل فيها من دلائل حدثها، وأن لها صانعًا وخالقًا وهذا ليس بصحيح، وقد ذكر من قبل ما قاله أهل السنة.
وعند تفسيره لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: 18]، وقال أبو المظفر السمعاني: أي يكرم ويهين ويشقي ويسعد بمشيئته وإرادته وهو اعتقاد أهل السنة.
وعند قوله تعالى: {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان: 70].
قال رحمه الله تعالى: قال الحسن البصري ومجاهد وجماعة: هذا في الدنيا، ومعناه: تبديل الكفر بالإيمان والشرك بالإخلاص، والمعصية بالطاعة.
وقال سعيد بن المسيب وجماعة: هذا في الآخرة.
والله تعالى يبدل سيئات التائب بالحسنات في صحيفته.
وقد ورد في القول الثاني خبر صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - رواه وكيع عن الأعمش عن المعرور بن سويد عن أبي ذر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يؤتى بالمؤمن يوم القيامة فيعرض عليه صغار ذنوبه وينحا عنه كبارها فيسأل ويعترف وهو مشفق من الكبار فيقول الله تعالى أعطوه مكان كل سيئة حسنة. فيقول يا رب إني لي ذنوبا ولا أراها هاهنا، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذه" خرجه مسلم في صحيحه.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: يعطى المؤمن صحيفته يوم القيامة فيقرأ بعضها وإذا هي سيئات. فإذا وصل إلى الحسنات ينظر نظرة فيما قبلها، فإذا هي كلها صارت حسنات.
وقد أنكر جماعة من المتقدمين أن تنقلب السيئة حسنة، منهم الحسن البصري وغيره، وإذا ثبت الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يبق لأحد كلام.
وعند قوله تعالى: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيهَا} [الروم: 30] أورد رحمه الله تعالى إشكالا قويا وأجاب عنه وانتصر لأهل السنة فقال:
اختلفوا في هذه الفطرة فمنهم من قال: الفطرة هاهنا بمعنى الدين. وقوله: {فَطَرَ النَّاسَ} أي خلق. ويروى هذا عن ابن عباس وغيره، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: كل مولود يولد على الفطرة ... الحديث. وثبت أيضًا عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال فيما يحكي عن ربه أنه قال: خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم.
فإن قيل كيف يستقيم هذا على أصولكم وعندكم أن الله تعالى خلق الناس صنفين مؤمنين وكافرين. وهذه الآية والإخبار تدل على أن الله تعالى خلق عباده مؤمنين، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الله تعالى أخرج ذرية آدم من صلبه وخاطبهم بقوله: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: 172]، فأقروا بالعبودية والإيمان فالناس يولدون على ذلك؟
والجواب عنه أن أهل العلم اختلفوا في هذا.
فحكى النحاس في تفسيره عن ابن المبارك: أن الآية في المؤمنين خاصة، وحكى أبو عبيد في غريب الحديث عن محمد بن الحسن أنه قال: هذا قبل نزول الأحكام والأمر بالجهاد، كأنه أشار إلى أن الآية منسوخة، ثم ذكر النحاس أن كلا المعنيين ضعيف.
أما ما ذكره ابن المبارك، فهو مجرد تخصيص وليس عليه دليل.
وأما ما ذكره محمد بن الحسن فهو إثبات النسخ في الأخبار والأخبار لا يرد عليها النسخ.
والصحيح في معنى الآية والخبر: أن معنى الفطرة: هو أن كل إنسان يولد على أنه متى سئل من خلقك؟ فيقول: الله خلقني وهي المعرفة التي تقع في الخلقة.
قال أبو عبيدة الهروي: وهو معرفة الغريزة والطبيعة، والى هذا وقعت الإشارة في قوله: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف: 87].
وبهذا القدر لا يحصل الإيمان المأمور به. فالناس 
خلقوا على هذه الفطرة. وأما حقيقة الإيمان وحقيقة الكفر فالناس من ذلك على قسمين على ما ورد به الكتاب والسنة.
قال الزجاج والنحاس: وهذا قول أهل السنة وهو اختيار ابن قتيبة أيضًا. . . . إلخ.
وعند قوله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: 30].
قال رحمه الله تعالى: رد مشيئتهم إلى مشيئته.
والمعنى لا يريدون إلا بإرادة الله، وهو موافق لعقائد أهل السنة أنه لا يفعل أحد شيئًا ولا يختاره ولا يشاؤه إلا بمشيئة الله. وفي بعض الأخبار أن رجلا كان يقول إلا ما شاء الله وشاء محمد، فسمع محمد - عليه السلام - ذلك فقال: أمثلان؟ ثم قال: قل إلا ما شاء الله ثم شاء محمد.
ونقل ابن القيم عن أبي المظفر السمعاني من كتابه الانتصار لأهل السنة والجماعة فقال:
وقال إمام عصره المجمع على إمامته أبو المظفر منصور بن محمد السمعاني في كتاب الانتصار له، وهذا لفظه: ونشتغل الآن بالجواب عن قولهم فيما سبق أن أخبار الآحاد لا تقبل فيها طريقه، وهذا رأي أوسمت به المبتدعة في رد الأخبار فنقول وبالله التوفيق: إذا صح الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورواه الثقات والأئمة وأسنده خلفهم عن سلفهم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وتلقته الأمة بالقبول فإنه يوجب العلم فيما سبيله العلم هذا قول عامة أهل الحديث والمتعينين من القائمين على السنة.
وأما هذا القول الذي يذكر أن خبر الواحد لا يفيد العلم محال فلا بد من نقله بطريق التواتر لوقوع العلم به، حتى أخبر عنه القدرية والمعتزلة وكان قصدهم منه رد الأخبار وتلقفه منهم بعض الفقهاء الذين لم يكن لهم في العلم قدم ثابت ولم يقفوا على مقصودهم من هذا القول. ولو أنصف أهل الفرق من الأمة لأقروا بأن خبر الواحد قد يوجب العلم، فإنك تراهم مع اختلافهم في طرائقهم وعقائدهم يستدل كل فريق منهم على صحة ما يذهب إليه بالخبر الواحد، ترى أصحاب القدر يستدلون بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "كل مولود يولد على الفطرة" وبقوله: "خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم" وترى أهل الإرجاء يستدلون بقوله: "من قال لا إله إلا الله دخل الجنة. قيل وإن زنى، وإن سرق. قال: وإن زنى وإن سرق".
وترى الرافضة يحتجون بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "يجاء بقوم من أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم" وترى الخوارج يستدلون بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" وبقوله: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن" إلى غير ذلك من الأحاديث التي يستدل بها أهل الفرق. ومشهور ومعلوم استدلال أهل السنة بالأحاديث ورجوعهم إليها فهذا إجماع منهم على القول باخبار الآحاد.
وكذلك أجمع أهل الإسلام متقدموهم ومتأخروهم على رواية الأحاديث في صفات الله تعالى.
وفي مسائل القدر والرؤية. وأصول الإيمان والشفاعة والحوض وإخراج الموحدين من المذنبين من النار. وفي صفة الجنة والنار. والترغيب والترهيب، والوعد والوعيد، وفي فضائل النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومناقب أصحابه وأخبار الأنبياء المتقدمين. وأخبار الرقاق وغيرها مما يكثر ذكره. وهذه الأشياء علمية لا عملية، وإنما تروى لوقوع العلم للسامع بها.
فإذا قلنا: خبر الواحد لا يجوز أن يوجب العلم حملنا أمر الأمة في نقل هذه الأخبار على الخطأ، وجعلناهم لاغين هازلين مشتغلين بما لا يفيد أحدا شيئًا، ولا ينفعه، ويصير كأنهم قد دونوا في أمور الدين ما لا يجوز الرجوع إليه والاعتماد عيه، قال: وربما يرتقي هذا القول إلى أعظم من هذا، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أدى هذا الدين إلى الواحد فالواحد من الصحابة يؤديه إلى الأمة وينقله عنه، فإذا لم يقبل قول الرواي، لأنه واحد، رجع هذا العيب إلى المؤدي، نعوذ بالله من هذا القول البشع، والاعتقاد القبيح.
قال: ويدل عليه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث الرسل إلى الملوك إلى كسرى وقيصر وملك الإسكندرية والى أكيدر دومة، وغيرهم من ملوك الأطراف.
وكتب إليهم كتبًا على ما عرف ونقل واشتهر، وإنما بعث واحدا واحدا ودعاهم إلى الله تعالى والتصديق برسالته - صلى الله عليه وسلم - لإلزام الحجة وقطع العذر لقوله تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} وهذه المعاني لا تحصل إلا بعد وقوع العلم ممن أرسل إليه بالإرسال والمرسل وأن الكتاب من قبله والدعوة منه، وقد كان نبينا - صلى الله عليه وسلم - بعث إلى الناس كافة كثيرا من الرسل إلى هؤلاء الملوك والكتاب إليهم لبث الدعوة إليهم في جميع الممالك ودعا الناس إلى دينه على حسب ما أمره الله تعالى بذلك. فلو لم يقع العلم في الواحد في أمور الدين لم يقتصر على إرسال الواحد من الصحابة في هذا الأمر، وكذلك في أمور كثيرة اكتفى بإرسال الواحد من الصحابة منها: أنه بعث عليا لينادي في موسم الحج بمنى: "ألا لا يحجن بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - عهد فمدته إلى أربعة أشهر ولا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة". ولا بد في هذه الأشياء من وقوع العلم للقوم الذين كان يناديهم حتى إن أقدموا على شيء من هذا بعد سماع هذا القول كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مبسوط العذر في قتالهم وقتلهم. وكذلك بعث معاذا إلى اليمن ليدعوهم إلى الإسلام ويعلمهم إذا أجابوا شرائعه، وبعث إلى أهل خيبر في أمر القتيل واحدا يقول: إما أن تؤدوا أو تؤذنوا بحرب من الله ورسوله. وبعث إلى قريظة أبا لبابة بن عبد المنذر يستنزلهم على حكمه وجاء أهل قباء وأحد وهم في مسجدهم يصلون، فأخبرهم بصرف القبلة إلى المسجد الحرام فانصرفوا إليه في صلاتهم واكتفوا بقوله ولا بد في مثل هذا من وقوع العلم به، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - رسل الطلائع والجواسيس في بلاد الكفر ويقتصر على الواحد في ذلك ويقبل قوله إذا رجع وربما أقدم عليهم بالقتل والنهب، بقوله وحده.
ومن تدبر قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وسيرته لم يخف عيه ما ذكرناه وما يرد هذا إلَّا مكابر معاند. ولو أنك وضعت في قلبك أنك سمعت الصديق والفاروق رضي الله عنهما أو غيرهما من وجوه الصحابة يروي لك حديثًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في أمر من الاعتقاد من جواز الرؤية على الله وإثبات القدر أو غير   ذلك لوجدت قلبك مطمئنا إلى قوله لا يداخلك شك في صدقه وثبوت قوله.
وفي زماننا ترى الرجل يسمع من أستاذه الذي يختلف إليه ويعتقد فيه التقدمة والصدق، أنه سمع أستاذه يخبر عن شيء من عقيدته التي يريد أن يلقى بها فيحصل للسامع علم كذهب من نقل عنه أستاذه ذلك بحيث لا يختلجه شبهة ولا يعتريه شك. وكذلك كثير من الأخبار التي قضيتها العلم توجد بين الناس فيحصل لهم العلم بذلك الخبر ومن رجع إلى نفسه علم بذلك.
(قال): واعلم أن الخبر كان كان يحتمل الصدق والكذب والظن وللتجوز فيه مدخل ولكن هذا الذي قلناه لا يناله أحد إلا بعد أن يكون معظم أوقاته وأيامه مشتغلا بالحديث والبحث عن سيرة النقلة والرواة ليقف على رسوخهم في هذا العلم وكبير معرفتهم به وصدق ورعهم في أقوالهم وأفعالهم وشدة حذرهم من الطغيان والزلل وما بذلوه من شدة العناية في تمهيد هذا الأمر والبحث عن أحوال الرواة والوقوف على صحيح الأخبار وسقيمها.
وكانوا بحيث لو قتلوا لم يسامحوا أحدًا في كلمة واحدة يتقولها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا فعلوها بأنفسهم ذلك وقد نقلوا هذا الدين إلينا كما نقل إليهم وأدوا كما أدي إليهم، وكانوا في صدق العناية والاهتمام بهذا الشأن ما يجل عن الوصف ويقصر دونه الذكر. وإذا وقف المرء على هذا من شأنهم وعرف حالهم وخبر صدقهم وورعهم وأمانتهم ظهر له العلم فيما نقلوه ورووه.
(قال): والذي يزيد ما قلنا إيضاحا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين سئل عن الفرقة الناجية قال: "ما أنا عليه وأصحابي" فلا بد من نعرف ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وليس طريق معرفته إلا النقل فيجب الرجوع إلى ذلك، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تنازعوا الأمر أهله" فكما يرجع في مذاهب الفقهاء الذين صاروا قدوة في هذه الأمة إلى أهل الفتن، ويرجع في معرفة اللغة إلى أهل اللغة، وفي النحو إلى أهل النحو، وكذلك يرجع في معرفة ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إلى أهل الرواية والنقل لأنهم عُنوا بهذا الشأن واشتغلوا محفظه، والفحص عنه ونقله.
ولولاهم لا ندرس علم النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يقف أحد على سنته وطريقته.
(ثم قال الإمام أبو المظفر): فإن قالوا فقد كثرت الآثار في أيدي الناس واختلطت عليهم؟ (قلنا): ما اختلطت إلا على الجاهلين بها، فأما العلماء بها فإنهم ينتقدونها انتقاد الجهابذة الدراهم والدنانير، فيميزون زيوفها وياخذون خيارها. ولئن دخل في أغمار الرواة من وسم بالغلط في الأحاديث فلا يروج ذلك على جهابذة أصحاب الحديث وورثة العلماء حتى أنهم عدوا أغاليط من غلط في الإسناد والمتون، بل تراهم يعدون على كل واحد منهم كم في حديث غلط، وفي كل حرف حرف. وماذا صحف فإذا لم ترج عليهم أغاليط الرواة في الأسانيد والمتون والحروف. فكيف يروج عليهم وضع الزنادقة وتوليدهم الأحاديث التي يرويها الناس حتى خفيت على أهلها؟ وهو قول بعض الملحدة. وما يقول هذا إلا جاهل ضال مبتاع كذاب يريد أن  يهجن بهذه الدعوة الكاذبة صحاح أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وآثاره الصادقة، فيغالط جهال الناس بهذه الدعوى.
وما احتج مبتاع في رد آثار الرسول - صلى الله عليه وسلم - بحجة
أوهن ولا أشد استحالة من هذه الحجة.
فصاحب هذه الدعوى يستحق أن يسف في فيه وينفي من بلد الإسلام. فتدبر رحمك الله، أيجعل حكم من أفنى عمره في طلب آثار النبي - صلى الله عليه وسلم - شرقا وغربا، برا وبحرا، وارتحل في الحديث الواحد فراسخ واتهم أباه وأدناه في خبر يرويه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان موضع التهمة ولم يحابه في مقال ولا خطاب غضبا لدينه، ثم ألف الكتب في معرفة المحدثين وأسمائهم وأنسابهم، وقدر أعمارهم وذكر أعصارهم وشمائلهم وأخبارهم وفصل بين الرديء والجيد والصحيح والسقيم حبا لله ورسوله، وغيرة على الإسلام والسنة، ثم استعمل آثاره كلها حتى فيما عدا العبادات من كله وطعامه وشرابه ونومه ويقظته وقيامه وقعوده ودخوله وخروجه وجميع سنته وسيرته حتى في خطراته ولحظانه، ثم دعا النَّاس إلى ذلك وحثهم عليه وندبهم إلى استعماله وحبب إليهم ذلك بكل ما يملكه حتى في بذل ماله ونفسه، كمن أفنى عمره في اتباع أهوائه وإرادته وخواطره وهواجسه، ثم تراه يرد ما هو أوضح من الصبح من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأشهر من الشمس برأي دخيل واستحسان ذميم، وظن فاسد ونظر مشوب بالهوى، فانظر وفقك الله للحق أي الفريقين أحق أن ينسب إلى اتباع السنة واستعمال الأثر. فإذا قضيت بين هذين بوافر لبك، وصحيح نظرك، وثاقب فهمك، فليكن شكرك لله تعالى على حسب ما أراك من الحق. ووفقك للصواب وألهمك من السداد (1).
(قلت): ومن المعلوم أن من هذا عنايته بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسيرته وهديه فإنها تفيد عنده من العلم الضروري والنظري ما لا يفيده عند المعرض عنها المشتغل بغيرها. وهذا شأن من عنى بسيرة رجل وهديه وكلامه وأحواله، فإنه يعلم من ذلك بالضرورة ما هو مجهول لغيره.
ونقل عن الإمام السمعاني الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم كتاب القدر كيفية خلق الآدمي في بطن أمه:
قال الإمام أبو المظفر السمعاني في سبيل معرفة هذا الباب التوقيف من الكتاب والسنة دون محض القياس ومجرد العقول. فمن عدل عن التوقيف فيه ضل وتاه في بحار الحيرة ولم يبلغ شفاء النفس ولا يصل إلى ما يطمئن به القلب لأن القدر سر من أسرار الله تعالى التي ضربت من دونها الأستار. اختص الله به وحجبه عن عقول الخلق ومعارفهم لما علمه من الحكمة.
وواجبنا أن نقف حيث حد لنا ولا نتجاوزه وقد طوى الله تعالى علم القدر على العالم فلم يعلمه نبي مرسل ولا ملك مقرب (2).
وقال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري -كتاب التوحيد- باب قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيكَ مِنْ رَبِّكَ} الآية.
واستدل أبو المظفر السمعاني بآيات الباب وأحاديثه على فساد طريقة المتكلمين في تقسيم الأشياء إلى جسم وجوهر وعرض، قالوا: فالجسم ما اجتمع من الافتراق، والجوهر: ما حمل العرض، والعرض: ما لا يقوم بنفسه وجعلوا الروح من الأعراض، وردوا الأخبار في خلق الروح قبل الجسد والعقل قبل الخلق، واعتمدوا حدسهم وما يؤدي إليه نظرهم، ثم يعرضون عليه النصوص فما وافقه قبلوه. وما خالفه ردوه.
ثم ساق هذه الآيات ونظائرها من الأمر بالتبليغ، قال: وكان مما أمر بتبليغه التوحيد، بل هو أصل ما أمر به فلم يترك شيئًا من أمور الدين وأصوله، وقواعده وشرائعه إلا بلغه، ثم لم ياع إلا الاستدلال بما تمسكوا به من الجوهر والعرض، ولا يوجد عنه ولا عن أحد من أصحابه من ذلك حرف واحد، فما فوقه، فعرف بذلك أنهم ذهبوا خلاف مذهبهم، وسلكوا غير سبيلهم بطريق محدث مخترع لم يكن عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابه -رضي الله عنهم-، ويلزم من سلوكه العود على السلف بالطعن والقدح ونسبتهم إلى قلة المعرفة. واشتباه الطرق فاحذر من الاشتغال بكلامهم والإكتراث بمقالاتهم فإنها سريعة التهافت كثيرة التناقض. وما من كلام تسمعه لفرقة منهم إلا وتجد لخصومهم عليه كلاما يوازنه أو يقاربه، فكل بكل مقابل، وبعض ببعض معارض، وحسبك من قبيح ما يلزم من طريقتهم أنا إذا جرينا على ما قالوه وألزمنا الناس بما ذكروه لزم من ذلك تكفير العوام جميعا، لأنهم لا يعرفون إلا الاتباع المجرد، ولو عرض عيهم هذا الطريق ما فهمه أكثرهم، فضلا عن أن يصير منهم صاحب نظر، وإنما غاية توحيدهم التزام ما وجدوا عليه أئمتهم في عقائد الدين والعض عليها بالنواجذ والمواظبة على وظائف العبادات وملازمة الأذكار بقلوب سليمة طاهرة عن الشبه والشكوك فتراهم لا يحيدون عما اعتقدوه ولو قطعوا إربًا إربًا، فهنيئا لهم هذا اليقين وطوبى لهم هذه السلامة.
فإذا كفر هؤلاء السواد الأعظم وجمهور الأمة فما هذا إلا طي بساط الإسلام وهدم منار الدين والله المستعان (1).
فمن خلال ما عرضناه من تفسيره وما نقله الأئمة عنه كابن القيم والنووي وابن حجر نحكم بدون أي توقف بأن السمعاني سلفي العقيدة، ولو تمكنا من الوقوف على كتبه كالانتصار والرد على القدرية ومنهاج أهل السنة لرأينا فيها ما يشفي الصدور، ولكن بما أن تلك الكتب لا تزال في حكم المفقود، لذلك قمت بتدوين ما نقله ابن القيم وغيره للفائدة" أ. هـ.
وفاته: (489 هـ) تسع وثمانين وأربعمائة.
من مصنفاته: "تفسير السمعاني" و"الاصطلام" في الرد على أبي زيد الدبوسي و"منهاج أهل السنة" و "الرد على القدرية" وغيره".









مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة «من القرن الأول إلى المعاصرين مع دراسة لعقائدهم وشيء من طرائفهم»

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید