المنشورات

الاستعارة التمثيلية

تنقسم الاستعارة من حيث الإفراد والتركيب إلى مفردة ومركبة.
فالمفردة هي ما كان المستعار فيها لفظا مفردا كما هو الشأن في الاستعارة التصريحية والمكنية.
أمّا المركبة فهي ما كان المستعار فيها تركيبا، وهذا النوع من الاستعارة يطلق عليه البلاغيون اسم «الاستعارة التمثيلية». وهم يعرفونها بقولهم: «الاستعارة التمثيلية تركيب استعمل في غير ما وضع له لعلاقة المشابهة مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي» واستجلاء لحقيقة هذه الاستعارة نورد فيما يلي بعض الأمثلة لها معقّبين عليها بالشرح والتحليل.


الأمثلة:
1 - قال المتنبي:
ومن يك ذا فم مرّ مريض … يجد مرّا به الماء الزلالا
«يقال لمن لم يرزق الذوق لفهم الشعر الرائع».
فهذا البيت يدل وضعه الحقيقي على أنّ المريض الذي يصاب بمرارة في فمه إذا شرب الماء العذب وجده مرا. ولكن المتنبي لم يستعمله في هذا المعنى بل استعمله فيمن يعيبون شعره لعيب في ذوقهم الشعري، وضعف في إدراكهم الأدبي، فهذا التركيب مجاز قرينته حالية، وعلاقته المشابهة، والمشبه هنا حال المولعين بذمه والمشبه به حال المريض الذي يجد الماء الزلال مرا في فمه.
ولذلك يقال في إجراء هذه الاستعارة: شبهت حال من يعيبون شعر المتنبي لعيب في ذوقهم الشعري بحال المريض الذي يجد الماء العذب الزلال مرا في فمه بجامع السّقم في كلّ منهما، ثمّ استعير التركيب الدال على المشبه به للمشبه على سبيل الاستعارة التمثيلية. والقرينة التي تمنع من إرادة المعنى الأصلي قرينة حالية تفهم من سياق الكلام.


2 - قال الشاعر:
ومن ملك البلاد بغير حرب … يهون عليه تسليم البلاد «يقال لمن يبعثر فيما ورثه عن والديه».
فالمعنى الحقيقي للبيت هنا هو أنّ من يستولي على بلاد بغير تعب وقتال يهون عليه تسليمها لأعدائه. والشاعر لم يستعمل البيت في هذا المعنى الحقيقي، وإنّما استعمله مجازيا للوارث الذي يبعثر فيما ورثه عن والديه لعلاقة
مشابهة بينهما ولقرينة تمنع من إرادة المعنى الحقيقي.
إذن في هذا التركيب الذي اشتمل عليه البيت استعارة، وإذا شئنا إجراءها قلنا: شبهت حال الوارث الذي يبعثر فيما ورثه عن والديه بحال من استولى على بلاد بغير تعب وقتال فهان عليه تسليمها لأعدائه، بجامع التفريط فيما لا يتعب في تحصيله في كل، ثمّ استعير التركيب الدال على المشبه به للمشبه على سبيل الاستعارة التمثيلية. والقرينة حالية.


3 - لا تنثر الدر أمام الخنازير.
«يقال لمن يقدم النصح لمن لا يفهمه أو لمن لا يعمل به».
المعنى الحقيقي لهذا التركيب هو النهي عن نثر الدر أمام الخنازير.
وهذا التركيب لم يستعمل للدلالة على هذا المعنى الحقيقي، وإنّما استعمل مجازيا لمن يقدم النصح لمن لا يفهمه أو لمن لا يعمل به، لعلاقة مشابهة بينهما. والقرينة تمنع من إرادة المعنى الحقيقي.
فالتركيب هنا استعاري وفي إجراء استعارته يقال: شبهت حال من يقدم النصح لمن لا يفهمه أو لمن لا يعمل به بحال من ينثر الدرّ أمام الخنازير، بجامع أنّ كليهما لا ينتفع بالشيء النفيس الذي ألقي إليه، ثمّ استعير التركيب الدال على المشبه به للمشبه على سبيل الاستعارة التمثيلية. والقرينة التي تمنع من إرادة المعنى الحقيقي قرينة حالية تفهم من سياق الكلام.


4 - قال المتنبي:
ومن يجعل الضرغام للصيد بازه … تصيده الضرغام فيما تصيدا
«يقال مثلا للتاجر اختار مشرفا على متجره فنهبه واغتاله».
فالمعنى الحقيقي للبيت أنّ من اتّخذ الأسد وسيلة للصيد افترسه الأسد في جملة ما افترس. والمتنبي لم يستعمل البيت في هذا المعنى الحقيقي، وإنّما استعمله مجازيا للتاجر اختار مشرفا على متجره فنهبه واغتاله، لعلاقة مشابهة بين الحالين، ولقرينة تمنع من إرادة المعنى الحقيقي.
وعلى هذا يكون البيت بتركيبه قد اشتمل على استعارة يقال في إجرائها: شبهت حال التاجر اختار مشرفا على متجره فنهبه واغتاله بحال من اتّخذ الأسد وسيلة للصيد فافترسه في جملة ما افترس من الصيد، بجامع سوء البصر بما يستخدم ورجاء الخير مما طبع على الشر. ثمّ استعير التركيب الدال على المشبه به للمشبه على سبيل الاستعارة التمثيلية.
والقرينة هنا كالقرائن السابقة حالية تفهم من سياق الكلام.


من هذا التحليل يتضح أنّ كل مثال من الأمثلة السابقة قد تألف من تركيب استعمل في غير معناه الحقيقي، وأنّ العلاقة بين معناه المجازي ومعناه الحقيقي هي المشابهة، وأنّ هناك دائما قرينة تمنع من إرادة المعنى الحقيقي، وأنّ التركيب الذي تتوافر له كل هذه الحقائق يسمى استعارة تمثيلية.
وما من شك في أنّ كل ذلك يوضح ويؤكد ما سبق أن ذكرناه في مستهل هذا الموضوع من أنّ الاستعارة التمثيلية هي تركيب استعمل في غير ما وضع له لعلاقة المشابهة مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الحقيقي

 

مصادر و المراجع:
1-سحر البلاغة وسر البراعة
المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (ت ٤٢٩هـ)
2-أسرار البلاغة
المؤلف: أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الفارسي الأصل، الجرجاني الدار (ت ٤٧١هـ)
3-الإيضاح في علوم البلاغة
المؤلف: محمد بن عبد الرحمن بن عمر، أبو المعالي، جلال الدين القزويني الشافعي، المعروف بخطيب دمشق (ت ٧٣٩هـ)
4-الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز
المؤلف: يحيى بن حمزة بن علي بن إبراهيم، الحسيني العلويّ الطالبي الملقب بالمؤيد باللَّه (ت ٧٤٥هـ)
5- عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح
المؤلف: أحمد بن علي بن عبد الكافي، أبو حامد، بهاء الدين السبكي (ت ٧٧٣ هـ)
6-تلوين الخطاب لابن كمال باشا دراسة وتحقيق
المؤلف: أحمد بن سليمان بن كمال باشا، شمس الدين (ت ٩٤٠هـ)
7-الأطول شرح تلخيص مفتاح العلوم
المؤلف: إبراهيم بن محمد بن عربشاه عصام الدين الحنفي (ت: ٩٤٣ هـ)
8- معاهد التنصيص على شواهد التلخيص
المؤلف: عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن أحمد، أبو الفتح العباسي (ت ٩٦٣هـ)
9-حاشية الدسوقي على مختصر المعاني لسعد الدين التفتازاني (ت ٧٩٢ هـ) [ومختصر السعد هو شرح تلخيص مفتاح العلوم لجلال الدين القزويني]
المؤلف: محمد بن عرفة الدسوقي
10- جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع
المؤلف: أحمد بن إبراهيم بن مصطفى الهاشمي (ت ١٣٦٢هـ)
11-علوم البلاغة «البيان، المعاني، البديع»
المؤلف: أحمد بن مصطفى المراغي (ت ١٣٧١هـ)
12- بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة
المؤلف: عبد المتعال الصعيدي (ت ١٣٩١هـ)
13-علم البديع
المؤلف: عبد العزيز عتيق (ت ١٣٩٦ هـ)
14-علم البيان
المؤلف: عبد العزيز عتيق (ت ١٣٩٦ هـ)
15- علم المعاني
المؤلف: عبد العزيز عتيق (ت ١٣٩٦ هـ)
16-البلاغة العربية
المؤلف: عبد الرحمن بن حسن حَبَنَّكَة الميداني الدمشقي (ت ١٤٢٥هـ)
17-البلاغة الصافية في المعاني والبيان والبديع
المؤلف: حسن بن إسماعيل بن حسن بن عبد الرازق الجناجيُ رئيس قسم البلاغة بجامعة الأزهر (ت ١٤٢٩ هـ)
18- النظم البلاغي بين النظرية والتطبيق
المؤلف: حسن بن إسماعيل بن حسن بن عبد الرازق الجناجيُ رئيس قسم البلاغة بجامعة الأزهر (ت ١٤٢٩ هـ)
19-من قضايا البلاغة والنقد عند عبد القادر الجرجاني
المؤلف: حسن بن إسماعيل بن حسن بن عبد الرازق الجناجيُ رئيس قسم البلاغة بجامعة الأزهر (ت ١٤٢٩ هـ)
20- أساليب بلاغية، الفصاحة - البلاغة - المعاني
المؤلف: أحمد مطلوب أحمد الناصري الصيادي الرفاعي
21-الأسلوب
المؤلف: أحمد الشايب
22- المنهاج الواضح للبلاغة
المؤلف: حامد عونى
23-خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني
المؤلف: محمد محمد أبو موسى
24- البديع عند الحريري
المؤلف: محمد بيلو أحمد أبو بكر
25- شرح مائة المعاني والبيان
المؤلف: أبو عبد الله، أحمد بن عمر بن مساعد الحازمي
26-البلاغة ٢ - المعاني
كود المادة: LARB٤١٠٣
المرحلة: بكالوريوس
المؤلف: مناهج جامعة المدينة العالمية
الناشر: جامعة المدينة العالمية
27-علوم البلاغة «البديع والبيان والمعاني»
المؤلف: الدكتور محمد أحمد قاسم، الدكتور محيي الدين ديب

28-علم البيان

المؤلف: عبد العزيز عتيق (ت ١٣٩٦ هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید