المنشورات
أبو زكريا الأنصاري
النحوي، اللغوي، المفسر المقرئ: يحيى بن سلام بن أبي ثعلبة أبو زكريا الأنصاري، التيمي بالولاء، من تيم ربيعة البصري، ثم الإفريقي.
ولد: سنة (124 هـ) أربع وعشرين ومائة.
من مشايخه: سعيد بن أبي عروبة، وشعبة، والمسعودي وغيرهم.
من تلامذته: ابن وهب وهو من طبقته، وولده محمّد بن يحيى وأحمد بن موسى وغيرهم.
كلام العلماء فيه:
• ميزان الاعتدال: "ضعفه الدارقطني، وقال ابن عدي: يكتب حديثه مع ضعفه ...
ومن أنكر حاله ما رواه جماعة عن بحر بن نصر، حدثنا يحيى بن سلام حدثنا سعيد عن قتادة، عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: (أي الشجرة أبعد من الحاذف) قالوا: فرعها، قال: (فكذلك الصف المقدم هو أحصنها من الشيطان). وهذا منكر جدًّا" أ. هـ.
• غاية النهاية: "قال الداني ويقال أنه أدرك من التابعين نحوًا من عشرين رجلًا وسمع منهم وروى عنهم نزل المغرب وسكن أفريقية دهرًا وسمع الناس بها كتابه في تفسير القرآن وليس لأحد من المتقدمين مثله ... وكان ثقة ثبتًا ذا علم بالكتاب والسنة ومعرفة اللغة والعربية صاحب سنة ... " أ. هـ.
• معالم الإيمان: "كان من العلماء الحفاظ الفضلاء، أخبر أنه لقي من العلماء ثلاثمائة وثلاثة وستين عالمًا سوى التابعين، وهم أربعة وعشرون، وامرأة تحدث عن عائشة" أ. هـ.
• رياض النفوس: (قال أبو العرب: سألت أبا يحيى بن محمّد بن يحيى بن السلام، خاليًا، عن قول جده في الإيمان، فقال لي: كان جدي يقول: "الإيمان قول وعمل ونية". وكان يحيى ثقة صدوقًا لا يقول عن جده إلا الحق.
وعن أبي القاسم السدري، أنه كتب إليه عيسى بن مسكين يقول: حدثنا عون بن يوسف قال: قلت ليحيى بن السلام: "إن الناس يرمونك بالإرجاء"، قال: عون: "فأخذ يحيى لحيته بيده وقال: أحرق الله هذه اللحية بالنار إن كنت دنتُ الله عزَّ وجل قط بالإرجاء". فقيل لعيسى: "فما تقول أنت فيه؟ فقال: "والله إنه لخير منا، وقد برأه الله مما يقولون".
وفي موضع آخر: كيف وقد حدثتكم أنه بدعة؟
قال أبو العباس بن حمدون: "سمعت محمد بن يحيى يقول: كنت أمشي مع أبي رحمه الله تعالى، إلى أن انتهينا إلى موقف الخيل، فبينا نحن نمشي إذ جبذني جبذة شديدة ثم دخل إلى سقيفة وأدخلني معه، فقلت له: يا أبي: ما قصتك؟ -فقال: يا بني إني [رأيت] غريمًا لي فخفت أن يراني فيرتاع مني أو يخاف، وذكرتُ قول الله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيسَرَةٍ}.
فقعدنا ساعة، ثم خرج أبي فخرجت معه؛ فلما أن مشيت قليلًا قال: يا بني، إنه جاء في الحديث: "من رحم يرحم".
أبو العباس تميم بن أبي العرب عن أبيه، قال: [كان] يحيى بن السلام من خيار خلق الله تعالى: دعا الله تعالى أن يقضي عنه الدين فقضى دينه، ودعا الله عزَّ وجلَّ أن يورث ولده العلم فكان كما دعا. ودعا الله عزَّ وجلَّ أن يكون قبره بمقطم مصر فكان ذلك. وقبره إلى جانب قبر ابن فروخ، وقيل إنه يرى عليهما كل ليلة قنديلان.
قال سليمان بن سالم: إنما نسب إلى يحيى بن السلام الإرجاء أن موسى بن معاوية الصمادحي أتاه فقال له: "يا أبا زكريا؛ ما أدركت الناس يقولون في الإيمان؟ " فقال: أدركت مالكًا وسفيان الثوري وغيرهم يقولون: "الإيمان قول وعمل"، وأدركت مالك بن مِغْوَل وفِطْر بن خليفة وعمر بن ذر يقولون: "الإيمان قول". قال سليمان: فأخبر موسى سحنون بن سعيد بما ذكر يحيى عن عمر بن ذر وفطر بن خليفة ومالك بن مغول ولم يذكر له ما قال عن غيرهم، فقال سحنون: "هذا مرجئ".
حدث عون بن يوسف قال: "كنت عند عبد الله بن وهب وهو يقرأ عليه، فمر حديث ليحيى بن السلام فقال: "امحه" فقال عون، فقلت له: "لم تمحوه أصلحك الله؟ " فقال: "بلغني أنه يقول بالإرجاء" فقلت له: "فأنا كشفته عن ذلك". فقال لي: "أنت؟ " فقلت له: "نعم" فقال لي: "فما قال لك؟ " قال: قلت له: "فقال: معاذ الله أن يكون ذلك رأيي، أو أدين الله به، ولكن أحاديث رويتها عن رجال يقولون: "الإيمان قول" وآخرين يقولون: "الإيمان قول وعمل"، فحدثنا بما سمعنا منهم"، فقال لي ابن وهب: "فرَّجت عني، فرج الله عنك"، قال عون: "فلما قدمت القيروان -وكان يحيى باقيًا بعد- أتانى فسلم علي وقال لي: "يا أبا محمد، قد بلغني محضرك فجزاك الله خيرًا. والله ما قلتَ إلا حقًّا وما دنت الله به قط") أ. هـ.
• لسان الميزان: "وذكره ابن حبان في (الثقات)، وقال: ربما أخطأ، وقال سعيد بن عمرو البَرْدعي: قلت لأبي زرعة في يحيى بن سلام المغربي فقال: لا بأس به، ربما وهم. قال أبو زرعة: حدثنا أبو سعيد الجعفي حدثنا يحيى بن سلام، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة في قوله عزَّ وجلَّ: {سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ} [الأعراف: 145]، قال "مصر". قال: وجعل أبو زرعة يستعظم هذا ويستقبحه. قلت له: أي شيء أراد بهذا؟ قال: هو في تفسير سعيد، عن قتادة مصيرهم. وقال أبو حاتم الرازي: كان شيخًا بصريًا، وقع إلى "مصر"، وهو صدوق. وأخرج له الدارقطني حديثًا عن أبي بكر النيسابوري، عن بحر بن نصر، عنه. وقال يحيى بن سلام بن أبي ثعلبة التميمي، مولى لهم، يكنى أبا زكريا بصري: قدم "مصر" وصار إلى "إفريقية"، وسكنها وحج منها، وتوفي بمصر بعد رجوعه من الحج لأربعٍ بقين من صفر سنة مائتين. وقال أبو العرب في "طبقات القيروان": كان مفسرًا وكان له قدر ومصنفات كثيرة في فنون العلم، وكان من الحفاظ ومن خيار خلق الله" أ. هـ.
• قلت: قالت هند شلبي محققة كتاب "التصاريف" للمترجم في (ص 78)، وتحت عنوان تهمة يحيى بن سلام بالإرجاء: "يقف الناظر في كتاب أبي العرب، وفي كتاب المالكي عند ترجمة يحيى بن سلام على خبر تهمته بالإرجاء، وتدل عبارة أبي العرب، في قوله: (ورمي بالإرجاء) وما ذكره من تبرئة يحيى نفسه من هذه التهمة وموقفه الدفاعي عنه عندما علق على كلام حفيد يحيى الذي برّأ جده من التهمة بقوله: (وكان يحيى ثقة صدوقًا لا يقول عن جده إلا الحق) يدل هذا كله على الرغبة الملحة في تبرئة يحيى مما نسب إليه.
وهذه الرغبة نلمسها أيضًا عند المالكي، حيث أورد مقالة عون بن يوسف الخزاعي في مجلس ابن وهب، وقد أمر ابن وهب باطراح قول ابن سلام لقوله بالإرجاء.
وإن اختلفت صورة خبر عون في كتاب أبي العرب وكتاب المالكي، فإن جوهره فيهما واحد ومفاده: أنّ ابن سلّام ليس من المرجئة، وإنما أنجزت إليه التهمة بسبب سوء تفاهم وقع بين موسى بن معاوية الصَّمادحي وسحنون حول المسألة ولا يمكن أن نتبين حقيقة مذهب ابن سلام بالاكتفاء بما ورد في هذين المصدرين خاصة وأن مقالة أبي العرب متأثرة بما ورد عن حفيد ابن سلام، وإن كان موثقًا ...
ماذا نجد في التفسير؟ (أي تفسير ابن سلام).
نجد فيه ذمًا للأهواء والبدع ودعوة إلى اتباع السنة.
وبالأعمال تتفاوت الدرجات. جاء في تفسير قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا}، والمؤمنون والمشركون، للمؤمنين درجات في الجنة، على قدر أعمالهم، وللمشركين درجات في النار، على قدر أعمالهم".
والطاعات، كفارات للصغائر، يقول في تفسير الآية (7) من العنكبوت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا إن الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة كفَّارات لما بينهن، ما اجتنبت الكبائر".
ويذكر ابن سلّام صورة حيَّة عن أهمية الأعمال بالنسبة لحياة الإنسان الأخروية، في حديث طويل تظهر فيه الزكاة، والصلاة، والدور الذي تلعبانه في تحديد مصير الإنسان.
فهذا الذي ذكرناه لا نلمس فيه إرجاء مطلقًا، ما دام هنالك اهتمام وتأكيد على الأعمال إلى جانب الإيمان.
لكنه وردت في التفسير إشارات أخرى، تجعل الباحث يقف وقفة تردد، فقد جاء عند تفسيره لسورة التحريم، نقلًا عن سفيان الثوري: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له". ثم تلا هذه الآية: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ}. فإذا أحب عبدًا لم يضرّه ذنب".
وذكر أثناء تفسيره لسورة مريم حديثًا يقول فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "خمس صلوات كتبهن الله على عباده، من جاء بهن تامات، فإن له عند الله عهدًا أن يدخله الجنة. ومن لم يأت بهن تامات، فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له".
وهذه مقالة أخرى جاءت في التفسير، فيها إشارة إلى مبدأ أساسي من مبادئ الإرجاء، وهو الإمساك عن القول في الصحابة، وقد نشأ هذا المبدأ إثر وقوع فتنة أيام عثمان - رضي الله عنه -، واستمر القول به في عهد الدولة الأموية. يقول يحيى بن سلام، قال النضر: وسمعت أبا قلابة يقول لأيوب: يا أيوب، احفظ مني ثلاثًا: لا تقاعد أهل الأهواء، ولا تستمع منهم، ولا تفسِّرن القرآن برأيك فإنك لست من ذلك في شيء، وانظر هؤلاء الرهط من أصحاب النبي، فلا تذكرهم إلّا بخير". وفي رواية أخرى: "ثلاث ارفضوهن: مجادلة أصحاب الأهواء، وشتم أصحاب رسول الله، والنظر في النجوم .. ".
وقد وقفت في تفسير ابن أبي زمنين (ت 399/ 1009)، وهو مختصر لتفسير يحيى بن سلام، على نصوص معبرة منها:
"يحيى بن عمار الدهني ... عن الحسن قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: بني الإسلام على ثلاث: الجهاد ماض منذ بعث الله نبيه إلى آخر فئة من المسلمين، تكون هي التي تقاتل الدجال، لا ينقصه جور من جار، والكف على أهل لا إله إلا الله أن يكفروهم بذنب، والمقادير خيرها وشرها من الله".
وجاء في موضع آخر: "يحيى عن عاصم بن حكيم ... عن علي قال: "لا تنزلوا العارفين المحدثين الجنة ولا النار حتى يكون الله هو الذي يقضي فيهم يوم القيامة".
فهذه الملاحظات، التي بدت فيها مبادئ الإرجاء ومصطلحاته كعبارة: الذنب لا يضر، وعدم التكفير بالذنب، وإرجاء الحكم الله في العفو والعقاب، وفي الصحابة تجعل الباحث يعود ليتساءل إن كان يحيى بن سلام من المرجئة.
إن الأقرب إلى الذهن أن نقول: كان ابن سلّام من مرجئة أهل السنة لا من مرجئة البدعة.
فلقد قسم العلماء المرجئة إلى هذين القسمين الكبيرين. ومنهم من أدخل في القسم الأول أبا حنيفة، وسعيد بن جبير، ومقاتل بن سليمان. فإن هؤلاء جميعًا لا يكفرون بالذنب، ويرجئون الحكم لله في الجزاء، ويتوقفون عن الكلام في الصحابة، رضي الله عنهم. وهذا هو ما ذهب إليه ابن سلّام.
فإن صحَّت نسبة الإرجاء إلى ابن سلّام فلا يمكن اعتباره من مرجئة البدعة الذين لا يحفلون بالأعمال، ما دام قد أكد عليها كما رأينا ذلك. أما ما ورد عنده من أحاديث تؤكد على أهمية الإيمان، وذم الشرك، فإنه لم يخالف بإيراده لذلك، أهل السنة والجماعة" أ. هـ.
وفاته: سنة (200 هـ) مائتين.
من مصنفاته: "تفسير القرآن" و"الجامع".
مصادر و المراجع :
١- الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير
والإقراء والنحو واللغة «من القرن الأول إلى المعاصرين مع دراسة لعقائدهم وشيء من
طرائفهم»
20 سبتمبر 2023
تعليقات (0)