المنشورات
سِبط بن الجوزي
النحوي، اللغوي، المفسر: يوسف بن قزأ وغلي أو مِزُغلي وقيل القُزْغُلي بن عبد الله، أبو المظفر، شمس الدين سبط أبي الفرج بن الجوزي.
ولد: سنة (581 هـ) إحدى وثمانين وخمسمائة.
من مشايخه: جده، وعبد المنعم بن كُليب، وعبد الله بن أبي المجد الحربي وغيرهم.
من تلامذته: الدّمياطي، وعبد الحافظ الشّروطي، والزّين عبد الرحمن بنُ عُبيد وغيرهم.
كلام العلماء فيه:
* عيون التواريخ: "كان في أول أمره حنبلي المذهب، فلما تكرر اجتماعه بالملك المعظم عيسى بن العادل اجتذبه إليه ونقله إلى مذهب أبي حنيفة فغض ذلك من الشيخ شمس الدين عند كثير من الناس وانتقدوه عليه. حكى أن بعض الفقراء أرباب الأحوال قال له على المنبر: إذا كان للرجل كبير، ما يرجع عنه إلا بعيب ظهر له فيه، فأي شيء ظهر لك في الإمام أحمد حتى رجعت عنه؟ قال له: اسكت قال: أما أنا فقد سكت وأما أنت تكلم. فرام الكلام فلم يستطع فنزل عن المنبر" أ. هـ.
* السير: "انتهت إليه رئاسة الوعظ وحسن التذكير ومعرفة التاريخ، وكان حلو الإيراد لطيف الشمائل مليح الهيئة وافر الحرمة، له قبول زائد وسوق نافق بدمشق. أقبل عليه أولاد الملك العادل وأحبوه، وصنف (تاريخ مرآة الزمان) وأشياء، ورأيت له مصنفًا -أي الذهبي- يدل على تشيّعهِ، وكان العامة يبالغون في التغالي في مجلسهِ" أ. هـ.
* ميزان الاعتدال: "ألف كتاب مرآة الزمان، فتراه يأتي فيه بمناكير الحكايات، وما أظنه بثقة فيما ينقله، بل يجنف ويجازف، ثم إنه ترفض، وله مؤلف في ذلك نسأل الله العافية ...
قال الشيخ محيي الدين السّوسي: لما بلغ جدي موت سبط بن الجوزي قال: لا رحمه الله، كان رافضيًا" أ. هـ.
وعند الرجوع إلى كتابه (تذكرة خواص الأمة في خصائص الأئمة) وجدته كتابًا في مدح عليّ - رضي الله عنه - وكذلك باقي الأئمة الاثني عشر حتى وصل إلى الحجة المهدي كما سماه. وكان مما ذكره في الكتاب بعض القصص البعيدة عن الصحة والأشبه بالخرافات.
* قلت: قال الدكتور إحسان عباس محقق كتاب (مرآة الجنان) لسبط بن الجوزي (صفحة 31):
"ويعتقد اليونيني أن تحوله إلى مذهب أبي حنيفة إنما كان بتأثير من الملك المعظم عيسى، فبعد اجتماعه به اجتذبه المعظم إلى ذلك المذهب، ولكنه ظل يبالغ في المغالاة في الإمام أحمد وتوفيته بعض ما يستحق، ويضيف اليونيني أنه لم ينتقل عن مذهبه إلا في الصورة، وهذا محض تقدير لا تؤيده الشواهد، فإن السبط يعرض لكثير من المسائل الفقهية، ويورد فيها الآراء المختلفة، ولكنه يختار دائمًا مذهب الحنفية، نعم إنه لم يتنكر للمذهب الحنبلي، ولا فتر تقديره للإمام أحمد، ولكن هذا شيء آخر لا علاقة له باختيار مذهب "رسمي". ومن غير المستبعد أن يكون للملك المعظم تأثير في ذلك التحول المذهبي، ولكن من المؤكد أيضًا أن التعمق في دراسة مذهب أبي حنيفة قد أكد ذلك الميل إلى التحول وقواه، ويقول الذهبي في تاريخه: "وكان حنبليًا فانتقل حنفيًا للدنيا" وهذا حكم قاسٍ على الرجل، فقد كانت الدّنيا مقبلة عليه حتى ولو لم يتحول عن مذهبه الأول.
ويقول الذهبي في موضع آخر: "ثم إنه ترفض وله مؤلف في ذلك"، وقال السلاميّ: "ورأيت [له] كتابًا في فضائل أهل البيت يعرف برياض الأفهام وفيه تشيعٌ ظاهر"، قلت: وقد طبع له كتاب بعنوان (تذكرة خواص الأمة في خصائص الأئمة" وفيه يبدو هذا المنحى، ومن العسير أن تقال في هذا الاتجاه كلمة حاسمة، ويبدو أن الحقيقة هي أن أبا المظفر كان مغلوبًا بحبِّ علي وأبنائه، ولكن دون أن يكون ذلك الحب متحفيًا لمقام أحد من الصحابة، وقد سئل ذات مرة أن يذكر للناس شيئًا من مقتل الحسين، فصعد المنبر وجلس طويلًا لا يتكلم ثم وضع المنديل على وجهه وبكى بكاء شديدًا، وردّد بيتين من الشعر (1)، ونزل عن المنبر وهو يبكي، وصعد إلى الصالحية وهو كذلك، وهذا الحب الجياش ربما كان هو الدافع إلى كتابة مثل ذينك الكتابين المذكورين آنفًا، فقد كانت قضية الحسين -فيما يبدو- هي الدافع الأكبر لمثل هذا التوجه، وتلك قضية لم تشغل ذهنه وحسب بل شغلت ذهن جده من قبل، فقد كان ابن الجوزي الجد يقول في بعض مجالسه: "لا تدنسوا وقتنا بذكر من ضرب بالقضيب ثنايا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبلها"، وكان مقتل الحسين يعترض تفكير السبط في مواطن كثيرة، تذكر أن سكين إبراهيم لم تقطع حلق ابنه لما قدمه للذبح فتساءل: كيف تم ذلك، وقطعت حلق الحسين؟ فأجاب على ذلك بعدة أجوبة محتملة منها: أن الذابح للغلام كان شفيقًا والذابح للحسين كان عدوًا، والعدو ما في قلبه رحمة الوالد.
وقد حاول الذهبي أيضًا أن يشكك في مدى ما يتمتع به أبو المظفر من توثيق، فهو يقول فيه: "يأتي بمناكير الحكايات، وما أظنه بثقة فيما ينقله بل يجنف ويجازف" أما أنه يأتي بمناكير الحكايات، وخاصة في هذا الجزء من مرآة الزمان، فذلك لا يدل على ضعف في عدالته في النقل، فهذه الحكايات كانت قد أصبحت مادة تتردد في المصادر السابقة، وما أظن أن هذا الأمر يضعف من تحرّزه في الحديث، فهو ينتقد بشدة الحافظ بن عساكر لإيراده أحاديث ضعيفة أو واهية، ولا يسْلَم جده نفسه أحيانًا من هذا النقد، فهو يقول مثلًا في معرض إحدى الحكايات: والعجب من جدي رحمه الله حكى مثل هذه الحكاية ولم يتبين ما فيها، فإن في إسنادها عبد الله بن لهيعة وقد ضعّفه في الواهية وقال: كان مدلسًا ... ثم ذكر فيها مُعَاوية وأين كعب الأحبار من زمن معاوية ... ثم العقول السليمة تأبى مثل هذا ... ويعلق على اكتشاف الخضر لعين الحياة ولم يخبر بها الإسكندر -وهو يعلم أن الإسكندر كان يبحث عنها- فيرى في ذلك خيانة من الخضر لصاحبه ... وذكر أبو القاسم ابن عساكر في تاريخه من هذا الجنس العجائب ... وذكر أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره عجائب من هذا الجنس (ثم يورد بعض تلك العجائب استمتاعًا بالقصص). ومع أن السبط يوجه النقد للآخرين في عدم تحرِّيهم وتدقيقهم فإنه لم يسلم أيضًا من الوقوع فيما يأخذه على غيره، وإن كان ذلك قليلًا.
وثمة جانب من شخصية السبط تكوّن منذ الصغر، وذلك هو ميله إلى المتصوفة ومعاشرته لهم منذ عهد الطفولة، وإيمانه بالكرامات تظهر على أيديهم، وقد زاد هذا الإيمان لديه مع الزمن حين التقى بنموذج "الولي المجاهد" الذي يمكن أن يمثله شخص مثل الشيخ عبد الله اليونيني، ولذلك يسارع إلى حكاية الكرامات في مرآة الزمان، ولعل هذا يندرج تحت ما يعنيه الذهبي بـ"المناكير" وقد كان يعايش هؤلاء "الفقراء" حيثما حلّ ويأنس بهم، ذلك أنه نفسه أصبح متصوفًا ولبس الخرقة من شيخه عبد الوهاب بن سكينة ولعل مثالًا واحدًا يكفي في تبيان مدى تحمسه للصوفية، فقد كان هناك شيخ اسمه حماد بن مسلم الرحبي الدباس "يدعي المعرفة والمكاشفة وعلوم الباطن وكان عاريًا من علوم الشريعة، ولم ينفق إلا على الجهال وكان ابن عقيل ينفر الناس عنه" -هذا ما قاله ابن الجوزي في المنتظم، ولكن سبطه اتخذ موقفًا آخر فحمل على ابن عقيل حملة قوية قائلًا: "أما تعرّض ابن عقيل لهذا العبد الصالح، فلو ستر ابن عقيل نفسه كان أصلح، فإن الرجل كان من الأبدال وقد أدركت جماعة من الأكابر يحكون عن الشيخ عبد القادر عن حماد من الكرامات ما يشبه التواتر"، وهكذا تضاءل ابن عقيل الفقيه الكبير ليرتفع صوفي.
وليس الحديث عن أبي المظفر الواعظ إلا حديثًا عن جانب واحد من ضروب مهارته، فقد كان الرجل ذا مشاركة في علوم جمة محدثًا مفسرًا عارفًا بالفقه والنحو واللغة، محبًا للشعر، يحفظه ويستنشد أصحابه، ويأخذ إجازاتهم له، وكان معجبًا بشعر الطغرائي، واطلع على دواوين عديدة، ووقف بمصر على ديوان ابن الكيزاني المتصوف فوجده مليح العبارة فيه رقة وحلاوة وعليه طلاوة، وكان كثير المطالعة والاطلاع على المؤلفات في شتى العلوم، طالع في بغداد في وقف المأمونية نحوًا من سبعين مجلدًا من كتاب الفنون لابن عقيل، وغير ذلك من الكتب، وبهذه المعارف استحق أن يكون مدرّسًا، فهو لم يكن واعظًا وحسب في مسجد الجبل ومسجد دمشق بل تسلم مهمات التدريس في عدد من مدارس تلك المدينة، فإلى جانب الشبلية التي تقدّم ذكرها درّس في العزية البرانية التي بناها الأمير عز الدين أيبك أستاذ دار المعظم، وفوض إليه الأمير عز الدين أيبك (سنة 645) النظر في أوقافه ومدارسه وأبواب البر، على كره منه وحياء من عز الدين، في العام نفسه، قال أبو المظفر: "وكنت قد عزيت له على نقله إلى دمشق ودفنه في تربته، فأتاح الله بعض مماليكه فحملناه في تابوت ودفناه في قبة بين العلماء والمحدثين والفقراء". كما فوض إليه أيضًا التدريس في البدرية التي تقع قبالة الشبلية، وكان يسكن فيها، وكثيرًا ما كان يرى في آخر عمره وهو يركب الحمار من منزله بالجبل إلى مدرسته" أ. هـ.
وفاته: سنة (654 هـ) أربع وخمسين وستمائة.
من مصنفاته: "مرآة الزمان في تاريخ الأعيان" مطبوع المجلد الثامن منه وهو آخره، و"اللوامع" في الحديث، وكتاب في "تفسير القرآن" قال اليافعي: تسعة وعشرون مجلدًا، وغيرها.
مصادر و المراجع :
١- الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير
والإقراء والنحو واللغة «من القرن الأول إلى المعاصرين مع دراسة لعقائدهم وشيء من
طرائفهم»
20 سبتمبر 2023
تعليقات (0)