المنشورات

‌‌بلاغة الكناية

الكناية من أساليب البيان التي لا يقوى عليها إلا كل بليغ متمرس بفن القول. وما من شك في أن الكناية أبلغ من الإفصاح والتعريض أوقع في النفس من التصريح.
وإذا كان للكناية مزية على التصريح فليست تلك المزية في المعنى المكنى عنه، وإنما هي في إثبات ذلك المعنى للذي ثبت له. فمعنى طول القامة وكثرة القرى مثلا لا يتغير بالكناية عنهما بطول النجاد وكثرة رماد القدر، وإنما يتغير بإثبات شاهده ودليله وما هو علم على وجوده، وذلك لا محالة يكون أثبت من إثبات المعنى بنفسه.
فالمبالغة التي تولدها الكناية وتضفي بها على المعنى حسنا وبهاء هي في الإثبات دون المثبت، أو في إعطاء الحقيقة مصحوبة بدليلها، وعرض القضية وفي طيها برهانها.
هذا أبو فراس الحمداني وهو أسير في بلاد الروم يخاطب ابن عمه سيف الدولة بقوله وقد كنت أخشى الهجر والشمل جامع … وفي كل يوم لقية وخطاب
فكيف وفيما بيننا ملك قيصر … وللبحر حولي زخرة وعباب؟
ففي البيت الثاني يريد أبو فراس أن يقول: «فكيف وفيما بيننا بعد شاسع» ولكنه كنى عن هذا المعنى بقوله: «ملك قيصر وللبحر حولي زخرة وعباب» فجمال هذه الكناية ليس في المعنى المكنى عنه وهو «البعد الشاسع الذي يفصل بين الرجلين» وإنما هو في الإتيان بملك قيصر والبحر الزاخر العباب وإثباته للمكنى عنه في صورة برهان محسوس عليه.
والكناية كالاستعارة من حيث قدرتها على تجسيم المعاني وإخراجها صورا محسوسة تزخر بالحياة والحركة وتبهر العيون منظرا.
ومن أمثلة ذلك قوله تعالى تصويرا لحال صاحب الجنة عند ما رأى جنته التي كان يعتز بها قد أهلكها الله عقابا له على شركه: فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً.
فالكناية في الآية الكريمة هي في قوله تعالى: يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ والصفة التي تلزم من تقليب الكفين هي الندم والحزن، لأن النادم والحزين يعملان ذلك عادة. فتقليب الكفين في مثل هذا الموقف كناية عن الندم والحزن.
فالمعنى الصريح هنا هو «فأصبح نادما حزينا» وهذا أمر معنوي تدخلت فيه الكناية فجسمته وأظهرته للعيان في صورة رجل اعتراه الذهول من هول ما أصاب الجنة التي كان يعتز بها، فوقف يقلب كفيه ندما وحزنا على أمله المنهار أمام عينيه! وهذا سبب من أسباب بلاغة الكناية.
ومن صور الكناية الرائعة تفخيم المعنى في نفوس السامعين، نحو قوله تعالى: الْقارِعَةُ. مَا الْقارِعَةُ؟ وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ؟ «فالقارعة» كناية عن «القيامة» وقد عدل عن التصريح بلفظ «القيامة» إلى الكناية عنه بلفظ «القارعة» لا لإثبات ذلك المعنى للقيامة، وإنما لإثبات شاهده ودليله وهو أنها تقرع القلوب وتزعجها بأهوالها، وذلك تفخيما لشأن القيامة فى النفوس

 

مصادر و المراجع:
1-سحر البلاغة وسر البراعة
المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (ت ٤٢٩هـ)
2-أسرار البلاغة
المؤلف: أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الفارسي الأصل، الجرجاني الدار (ت ٤٧١هـ)
3-الإيضاح في علوم البلاغة
المؤلف: محمد بن عبد الرحمن بن عمر، أبو المعالي، جلال الدين القزويني الشافعي، المعروف بخطيب دمشق (ت ٧٣٩هـ)
4-الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز
المؤلف: يحيى بن حمزة بن علي بن إبراهيم، الحسيني العلويّ الطالبي الملقب بالمؤيد باللَّه (ت ٧٤٥هـ)
5- عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح
المؤلف: أحمد بن علي بن عبد الكافي، أبو حامد، بهاء الدين السبكي (ت ٧٧٣ هـ)
6-تلوين الخطاب لابن كمال باشا دراسة وتحقيق
المؤلف: أحمد بن سليمان بن كمال باشا، شمس الدين (ت ٩٤٠هـ)
7-الأطول شرح تلخيص مفتاح العلوم
المؤلف: إبراهيم بن محمد بن عربشاه عصام الدين الحنفي (ت: ٩٤٣ هـ)
8- معاهد التنصيص على شواهد التلخيص
المؤلف: عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن أحمد، أبو الفتح العباسي (ت ٩٦٣هـ)
9-حاشية الدسوقي على مختصر المعاني لسعد الدين التفتازاني (ت ٧٩٢ هـ) [ومختصر السعد هو شرح تلخيص مفتاح العلوم لجلال الدين القزويني]
المؤلف: محمد بن عرفة الدسوقي
10- جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع
المؤلف: أحمد بن إبراهيم بن مصطفى الهاشمي (ت ١٣٦٢هـ)
11-علوم البلاغة «البيان، المعاني، البديع»
المؤلف: أحمد بن مصطفى المراغي (ت ١٣٧١هـ)
12- بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة
المؤلف: عبد المتعال الصعيدي (ت ١٣٩١هـ)
13-علم البديع
المؤلف: عبد العزيز عتيق (ت ١٣٩٦ هـ)
14-علم البيان
المؤلف: عبد العزيز عتيق (ت ١٣٩٦ هـ)
15- علم المعاني
المؤلف: عبد العزيز عتيق (ت ١٣٩٦ هـ)
16-البلاغة العربية
المؤلف: عبد الرحمن بن حسن حَبَنَّكَة الميداني الدمشقي (ت ١٤٢٥هـ)
17-البلاغة الصافية في المعاني والبيان والبديع
المؤلف: حسن بن إسماعيل بن حسن بن عبد الرازق الجناجيُ رئيس قسم البلاغة بجامعة الأزهر (ت ١٤٢٩ هـ)
18- النظم البلاغي بين النظرية والتطبيق
المؤلف: حسن بن إسماعيل بن حسن بن عبد الرازق الجناجيُ رئيس قسم البلاغة بجامعة الأزهر (ت ١٤٢٩ هـ)
19-من قضايا البلاغة والنقد عند عبد القادر الجرجاني
المؤلف: حسن بن إسماعيل بن حسن بن عبد الرازق الجناجيُ رئيس قسم البلاغة بجامعة الأزهر (ت ١٤٢٩ هـ)
20- أساليب بلاغية، الفصاحة - البلاغة - المعاني
المؤلف: أحمد مطلوب أحمد الناصري الصيادي الرفاعي
21-الأسلوب
المؤلف: أحمد الشايب
22- المنهاج الواضح للبلاغة
المؤلف: حامد عونى
23-خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني
المؤلف: محمد محمد أبو موسى
24- البديع عند الحريري
المؤلف: محمد بيلو أحمد أبو بكر
25- شرح مائة المعاني والبيان
المؤلف: أبو عبد الله، أحمد بن عمر بن مساعد الحازمي
26-البلاغة ٢ - المعاني
كود المادة: LARB٤١٠٣
المرحلة: بكالوريوس
المؤلف: مناهج جامعة المدينة العالمية
الناشر: جامعة المدينة العالمية
27-علوم البلاغة «البديع والبيان والمعاني»
المؤلف: الدكتور محمد أحمد قاسم، الدكتور محيي الدين ديب

28-علم البيان

المؤلف: عبد العزيز عتيق (ت ١٣٩٦ هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید