المنشورات

التساوي بين الادخار والاستثمار Equality of Saving and Investment

يعد جون مينارد كينز هو أول من أوضح هذا المفهوم، وذلك في كتابه " النظرية العامة في التشغيل والفائدة والنقود "  General Theory of Employment, Interest and Money  الصادر في عام 1935. وقبل ذلك، كان كينز ومعه اقتصاديون آخرون يعتقدون أن الاختلافات فيما بين الادخار والاستثمار هي المسئولة عن حدوث فترات الازدهار والكساد خلال الدورات الاقتصادية. فقد كان من المعتقد أنه عندما يزيد الادخار عن الاستثمار (أي عن رأس المال عيني)، فإن ذلك يؤدي لحدوث الكساد. أما في حالة زيادة الاستثمار على الادخار، فقد يؤدي ذلك لمخاطر ظهور ازدهار له آثار تضخمية. وبالرغم من ذلك، فإن كينز يوضح في كتابه الشهير المذكور سابقا أن الادخار والاستثمار يتساويان دائما مع بعضهما البعض. وقد أثبت ذلك بالتفصيل كما يلي:
فبالنظر إلى الدخل القومي على أنه جملة كافة الدخول المتولدة عن النشاط الاقتصادي، فسوف يتم إنفاق جزء من هذه الدخول على شراء السلع الاستهلاكية (أي على الاستهلاك)، وسيتم ادخار الجزء الآخر. وعلى ذلك فإن:
الادخار = الدخل - الاستهلاك
ويمكن النظر للدخل القومي أيضا على أنه القيمة النقدية للحجم الكلي من السلع والخدمات المنتجة. وحيث إن جزءا من هذه السلع يعتبر سلعا استهلاكية والجزء الآخر يعد سلعا إنتاجية (أي سلع استثمارية أو رأسمالية)، فينتج لدينا أن:
الاستثمار = الدخل - الاستهلاك
وهكذا، فحيث يساوي كل من الادخار والاستثمار للرق بين الدخل والاستهلاك، فإن النتيجة التي تترتب على ذلك هي حتمية أن يساوي كل منهما الآخر. ومن ثم، وكما يقول كينز، يجب أن يتساوى الادخار دائما مع الاستثمار. وتتمثل إحدى الصعوبات التي أوضحتها النظرية في أن الادخار يقوم به مجموعة من الأشخاص - سواء كانوا أفرادا أم منظمين  entrepreneurs -  في حين يقع عبء الاستثمار الحقيقي كلية على المنظمين. ومن يتضح أن ادخار الأفراد يعتمد على اعتبارات تختلف تماما عن تلك التي تحكم سلوك المنظمين، ولذلك فمن الممكن أن يزيد الادخار عن الاستثمار أو يقل عنه.
ويتمثل الرد على ما سبق في أن الأفراد قد " يحاولون " ادخار كميات أكبر من الأموال، تزيد عن تلك المطلوبة للاستثمار، ولكن تمنعهم التأثيرات الاقتصادية عن فعل ذلك. وقد يعمل أحد الأفراد على زيادة معدل ادخاره، ولكن إذا لم يرغب المنظمون في زيادة معدل استثماراتهم، فستمارس الحقيقة التي مؤداها أن المزيد من الادخار يعني إنفاق أقل أثرها بتخفيض دخول الأفراد الآخرين بنفس الكمية بالضبط، وذلك طالما أن كل صور الإنفاق تمثل في نفس الوقت دخولا لأولئك الذين يتلقون تلك المدفوعات. وتكون النتيجة هي أنه بالرغم من زيادة ادخار أحد الأفراد، إلا أن ذلك لا يكون الحال بالنسبة للمجتمع ككل.
ويمكن النظر للمسألة من زاوية أخرى، حيث يعد الاستثمار بصفة أساسية هو المسئول عن عملية توليد الدخول. ولذلك فإن أي زيادة في الاستثمار تؤدي لزيادة الدخل، ومن ثم الادخار. وهكذا ففي حالة ما إذا كان الادخار يتزايد بالنسبة للاستثمار أو العكس، فسرعان ما ستظهر العوامل التي ستؤثر في الدخل، وتؤدي هذه الآثار إلى تساوي الادخار والاستثمار في المحصلة النهائية.
وقد آثار هذا المفهوم الجديد لجون مينارد كينز جدلا كبيرا لمدة طويلة من الوقت. ولم تخفت حدة هذا الجدل الدائر إلا منذ فترة وجيزة، عندما بذلت محاولات للتوفيق بين تلك العبارتين المتناقضتين بدرجة واضحة، وهما:
1. أنه ليس بالضرورة دائما أن يتساوى كل من الادخار والاستثمار مع بعضهما البعض.
2. أنه يجب تساوي الادخار والاستثمار دائما.
وقد أوضح سير رينيس روبرتسون ما اسماه بتحليل الفترة  period analysis،  والذي يعني أن النقود التي قد يتم الحصول عليها في فترة معينة تكون متاحة للإنفاق أو الادخار في الفترة التالية. ولذلك يعتمد كل من الادخار والاستهلاك في فترة معينة على الدخل في الفترة السابقة عليها. ونتيجة لذلك فإنه على الرغم من أن القوى الاقتصادية تميل لدفع كل من الادخار والاستثمار نحو التساوي، إلا أنه ليس منا لضروري أن يتم هذا التساوي في نفس الفترة.
وقدم كل من البروفيسور برتل أولين - من المدرسة الاسكنديناوية في الاقتصاد - وسير رالف هاوتري تفسيرا مشابها لحد كبير. وينظر مفكرو المدرسة الاسكنديناوية إلى هذه الحالة من خلال وضعين اثنين: الوضع المخطط  ex-ante  والوضع المحقق  ex-post.  فالوضع المخطط يناظر الفترة الأولى في تحليل روبرتسون، أما الوضع المحقق فيناظر الفترة التالية عليها مباشرة. ومن غير المحتمل أن تتساوى قيم الادخار المخطط  ex-ante saving  مع قيم الاستثمار المخطط  ex-ante investment.  ولكن بسبب تدخل القوى الاقتصادية في التحليل، فمن المحتمل أن تتساوى قيم الادخار المحقق  ex-post saving  مع قيم الاستثمار المحقق  ex-post investment،  وذلك على الرغم من احتمال اختلاف كمية الادخار المحقق عما كان مخططا لها من قبل.
واستخدم سير رالف هاوتري تعبيرات أخرى للدلالة على نفس المفهوم، فقد أطلق على كمية ادخار الأفراد التي تم التخطيط للقيام بها اسم " الكمية المقصودة "  designed or active،  كما أسمى الكمية التي يحققها المجتمع فعلا نتيجة لكمية الاستثمار التي تم استخدامها بـ " الكمية غير المقصودة "  undersigned or passive.
جميع حقوق النشر بكافة صورها محفوظة للمؤلف. لا يجوز النقل أو الاقتباس إلا بذكر المصدر




مصادر و المراجع :

١- قاموس المصطلحات الاقتصادية

المؤلف: محمد حسن يوسف

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید