المنشورات
(وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ) وَمَا هَاهُنَا بِمَعْنَى الَّذِي وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً أَيْ بِشَيْءٍ أُنْزِلَ إِلَيْكَ لِأَنَّهُ لَا عُمُومَ فِيهِ عَلَى هَذَا وَلَا يَكْمُلُ الْإِيمَانُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِجَمِيعِ مَا أُنْزِلَ إِلَى النَّبِيِّ وَمَا لِلْعُمُومِ وَبِذَلِكَ يَتَحَقَّقُ الْإِيمَانُ.
وَالْقِرَاءَةُ الْجَيِّدَةُ أُنْزِلَ إِلَيْكَ، بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَةِ. وَقَدْ قُرِئَ فِي الشَّاذِّ (أُنْزِلَ إِلَيْكَ) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ.
وَالْوَجْهُ فِيهِ أَنَّهُ سَكَّنَ لَامَ أُنْزِلَ، وَأَلْقَى عَلَيْهَا حَرَكَةَ الْهَمْزَةِ فَانْكَسَرَتِ اللَّامُ وَحُذِفَتِ الْهَمْزَةُ فَلَقِيَتْهَا لَامُ إِلَى فَصَارَ اللَّفْظُ بِمَا (أُنْزِلْ لَّيْكَ) ، فَسُكِّنَتِ اللَّامُ الْأُولَى، وَأُدْغِمَتْ فِي اللَّامِ الثَّانِيَةِ، وَالْكَافُ هُنَا ضَمِيرُ الْمُخَاطَبِ، وَهُوَ النَّبِيُّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرَ الْجِنْسِ الْمُخَاطَبِ، وَيَكُونَ فِي مَعْنَى الْجَمْعِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي آيٍ أُخَرَ كَقَوْلِهِ: (لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ) [الْأَنْبِيَاءِ: 10] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَبِالْآخِرَةِ) الْبَاءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِـ (يُوقِنُونَ) ، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَعْمَلَ الْخَبَرُ فِيمَا قَبْلَ الْمُبْتَدَأِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَقْدِيمَ الْخَبَرِ عَلَى الْمُبْتَدَأِ جَائِزٌ، إِذِ الْمَعْمُولُ لَا يَقَعُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَقَعُ فِيهِ الْعَامِلُ، وَالْآخِرةُ صِفَةٌ، وَالْمَوْصُوفُ مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ: وَبِالسَّاعَةِ الْآخِرَةِ، أَوْ بِالدَّارِ الْآخِرَةِ كَمَا قَالَ: (وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ) وَقَالَ: (وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [الْبَقَرَةِ: 62، 126، 177] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (هُمْ يُوقِنُونَ) هُمْ مُبْتَدَأٌ ذُكِرَ عَلَى جِهَةِ التَّوْكِيدِ، وَلَوْ قَالَ وَبِالْآخِرَةِ يُوقِنُونَ لَصَحَّ الْمَعْنَى، وَالْإِعْرَابُ، وَوَجْهُ التَّوْكِيدِ فِي هُمْ تَحْقِيقُ عَوْدِ الضَّمِيرِ إِلَى الْمَذْكُورِينَ لَا إِلَى غَيْرِهِمْ، وَيُوقِنُونَ الْخَبَرُ، وَأَصْلُهُ يُؤَيْقِنُونَ ; لِأَنَّ مَاضِيَهُ أَيْقَنَ، وَالْأَصْلُ أَنْ يُؤْتَى فِي الْمُضَارِعِ بِحُرُوفِ الْمَاضِي، إِلَّا أَنَّ الْهَمْزَةَ حُذِفَتْ لِمَا ذَكَرْنَا فِي يُؤْمِنُونَ، وَأُبْدِلَتِ الْيَاءُ وَاوًا لِسُكُونِهَا وَانْضِمَامِ مَا قَبْلَهَا.
مصادر و المراجع :
١-التبيان في إعراب القرآن
المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري (المتوفى
: 616هـ)
10 ديسمبر 2023
تعليقات (0)