المنشورات
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ) رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ، وَأَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الْفَاعِلِ، وَسَدَّتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مَسَدَّ الْخَبَرَ، وَالتَّقْدِيرُ: يَسْتَوِي عِنْدَهُمُ الْإِنْذَارُ وَتَرْكُهُ، وَهُوَ كَلَامٌ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْنَى، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ مُبْتَدَأٍ، وَسَاءَ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، وَالْجُمْلَةُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ خَبَرُ إِنَّ، وَلَا يُؤْمِنُونَ لَا مَوْضِعَ لَهُ عَلَى هَذَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَوَاءٌ خَبَرُ إِنَّ وَمَا بَعْدَهُ مَعْمُولٌ لَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَا يُؤْمِنُونَ خَبَرُ أَنَّ، وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ وَمَا بَعْدَهُ مُعْتَرِضٌ بَيْنَهُمَا.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ. وَ (سَوَاءٌ) مَصْدَرٌ وَاقِعٌ مَوْقِعَ اسْمِ الْفَاعِلِ، وَهُوَ مُسْتَوٍ، يَعْمَلُ عَمَلَ يَسْتَوِي، وَمِنْ أَجْلِ أَنَّهُ مَصْدَرٌ لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ، وَالْهَمْزَةُ فِي سَوَاءٍ مُبْدَلَةٌ مِنْ يَاءٍ ; لِأَنَّ بَابَ طَوَيْتُ، وَشَوَيْتُ أَكْثَرُ مِنْ بَابِ قُوَّةٍ، وَحُوَّةٍ فَحُمِلَ عَلَى الْأَكْثَرِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَأَنْذَرْتَهُمْ) قَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ بِهَمْزَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى لَفْظِ الْخَبَرِ، وَهَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ مُرَادَةٌ، وَلَكِنْ حَذَفُوهَا تَخْفِيفًا وَفِي الْكَلَامِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ: أَمْ لَمْ ; لِأَنَّ أَمْ تُعَادِلُ الْهَمْزَةَ وَقَرَأَ الْأَكْثَرُونَ عَلَى لَفْظِ الِاسْتِفْهَامِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ النُّطْقِ بِهِ، فَحَقَّقَ قَوْمٌ الْهَمْزَتَيْنِ، وَلَمْ يَفْصِلُوا بَيْنَهُمَا، وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ، إِلَّا أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْهَمْزَتَيْنِ مُسْتَثْقَلٌ ; لِأَنَّ الْهَمْزَةَ نَبْرَةٌ تَخْرُجُ مِنَ الصَّدْرِ بِكُلْفَةٍ، فَالنُّطْقُ بِهَا يُشْبِهُ التَّهَوُّعَ، فَإِذَا اجْتَمَعَتْ هَمْزَتَانِ كَانَ أَثْقَلَ عَلَى الْمُتَكَلِّمِ، فَمِنْ هُنَا لَا يُحَقِّقُهُمَا أَكْثَرُ الْعَرَبِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يُحَقِّقُ الْأُولَى، وَيَجْعَلُ الثَّانِيَةَ بَيْنَ بَيْنَ ; أَيْ بَيْنَ الْهَمْزَةِ وَالْأَلِفِ وَهَذِهِ فِي الْحَقِيقَةِ هَمْزَةٌ مَلِيئَةٌ، وَلَيْسَتْ أَلِفًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ الثَّانِيَ أَلِفًا صَحِيحًا، كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي آدَمَ وَآمَنَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلِينُ الثَّانِي، وَيَفْصِلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأُولَى بِالْأَلِفِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُحَقِّقُ الْهَمْزَتَيْنِ، وَيَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِأَلِفٍ.
وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُبْدِلُ الْأُولَى هَاءً، وَيُحَقِّقُ الثَّانِيَةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلِينُ الثَّانِيَةَ مَعَ ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحَقِّقَ الْأُولَى، وَيَجْعَلَ الثَّانِيَةَ أَلِفًا صَحِيحًا، وَيَفْصِلَ بَيْنَهُمَا بِأَلِفٍ ; لِأَنَّ ذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَ أَلِفَيْنِ، وَدَخَلَتْ هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ هُنَا لِلتَّسْوِيَةِ، وَذَلِكَ شَبِيهٌ بِالِاسْتِفْهَامِ ; لِأَنَّ الْمُسْتَفْهِمَ يَسْتَوِي عِنْدَهُ الْوُجُودُ وَالْعَدَمُ ; فَكَذَلِكَ يَفْعَلُ مَنْ يُرِيدُ التَّسْوِيَةَ، وَيَقَعُ ذَلِكَ بَعْدَ سَوَاءٍ كَهَذِهِ الْآيَةِ، وَبَعْدَ لَيْتَ شِعْرِي، كَقَوْلِكَ: لَيْتَ شِعْرِي أَقَامَ أَمْ قَعَدَ، وَبَعْدَ لَا أُبَالِي وَلَا أَدْرِي.
وَأَمْ هَذِهِ هِيَ الْمُعَادِلَةُ لِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ، وَلَمْ تَرُدَّ الْمُسْتَقْبَلَ إِلَى مَعْنَى الْمُضِيِّ حَتَّى يَحْسُنَ مَعَهُ أَمْسِ، فَإِنْ دَخَلَتْ عَلَيْهَا إِنِ الشَّرْطِيَّةُ عَادَ الْفِعْلُ إِلَى أَصْلِهِ مِنَ الِاسْتِقْبَالِ.
مصادر و المراجع :
١-التبيان في إعراب القرآن
المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري (المتوفى
: 616هـ)
10 ديسمبر 2023
تعليقات (0)