المنشورات
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمِنَ النَّاسِ) : الْوَاوُ دَخَلَتْ هُنَا لِلْعَطْفِ عَلَى قَوْلِهِ: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ اسْتَوْعَبَتْ أَقْسَامَ النَّاسِ ; فَالْآيَاتُ الْأُوَلُ تَضَمَّنَتْ ذِكْرَ الْمُخْلِصِينَ فِي الْإِيمَانِ وَقَوْلُهُ: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) تَضَمَّنَ ذِكْرَ مَنْ أَظْهَرَ الْكُفْرَ وَأَبْطَنَهُ وَهَذِهِ الْآيَةُ تَضَمَّنَتْ ذِكْرَ مَنْ أَظْهَرَ الْإِيمَانَ، وَأَبْطَنَ الْكُفْرَ، فَمِنْ هُنَا دَخَلَتِ الْوَاوُ لِتُبَيِّنَ أَنَّ الْمَذْكُورِينَ مِنْ تَتِمَّةِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ، وَمِنْ هُنَا لِلتَّبْعِيضِ، وَفُتِحَتْ نُونُهَا وَلَمْ تُكْسَرْ ; لِئَلَّا تَتَوَالَى الْكَسْرَتَانِ.
وَأَصْلُ النَّاسِ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ أُنَاسٌ، حُذِفَتْ هَمْزَتُهُ، وَهِيَ فَاءُ الْكَلِمَةِ، وَجُعِلَتِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ كَالْعِوَضِ مِنْهَا، فَلَا يَكَادُ يُسْتَعْمَلُ النَّاسُ إِلَّا بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ، وَلَا يَكَادُ يُسْتَعْمَلُ أُنَاسٌ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ، فَالْأَلِفُ فِي النَّاسِ عَلَى هَذَا زَائِدَةٌ وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ الْأُنْسِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ لَيْسَ فِي الْكَلِمَةِ حَذْفٌ، وَالْأَلِفُ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ وَاوٍ وَهِيَ عَيْنُ الْكَلِمَةِ، وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ نَاسَ يَنُوسُ نَوْسًا، إِذَا تَحَرَّكَ وَقَالُوا فِي تَصْغِيرِهِ نُوَيْسٌ.
قَوْلُهُ: (مَنْ يَقُولُ) (مَنْ) فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ، وَمَا قَبْلَهُ الْخَبَرُ أَوْ هُوَ مُرْتَفِعٌ بِالْجَارِّ قَبْلَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
وَ (مَنْ) هُنَا نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ، وَيَقُولُ صِفَةٌ لَهَا وَيَضْعُفُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الَّذِي ; لِأَنَّ الَّذِي يَتَنَاوَلُ قَوْمًا بِأَعْيَانِهِمْ وَالْمَعْنَى هَاهُنَا عَلَى الْإِيهَامِ وَالتَّقْدِيرِ، وَمِنَ النَّاسِ فَرِيقٌ يَقُولُ.
وَ (مَنْ) مُوَحَّدَةُ اللَّفْظِ، وَتُسْتَعْمَلُ فِي التَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ وَالتَّأْنِيثِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، وَالضَّمِيرُ الرَّاجِعُ إِلَيْهَا يَجُوزُ أَنْ يُفْرَدَ حَمْلًا عَلَى لَفْظِهَا، وَأَنْ يُثَنَّى وَيُجْمَعَ وَيُؤَنَّثَ حَمْلًا عَلَى مَعْنَاهَا، وَقَدْ جَاءَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، فَالضَّمِيرُ فِي يَقُولُ مُفْرَدٌ، وَفِي آمَنَّا وَمَا هُمْ جَمْعٌ.
وَالْأَصْلُ فِي يَقُولُ يَقْوُلُ بِسُكُونِ الْقَافِ وَضَمِّ الْوَاوِ ; لِأَنَّهُ نَظِيرُ يَقْعُدُ وَيَقْتُلُ، وَلَمْ يَأْتِ إِلَّا عَلَى ذَلِكَ، فَنُقِلَتْ ضَمَّةُ الْوَاوِ إِلَى الْقَافِ ; لِيَخِفَّ اللَّفْظُ بِالْوَاوِ وَمِنْ هَاهُنَا إِذَا
أَمَرْتَ لَمْ تَحْتَجْ إِلَى الْهَمْزَةِ ; بَلْ تَقُولُ: قُلْ ; لِأَنَّ فَاءَ الْكَلِمَةِ قَدْ تَحَرَّكَتْ فَلَمْ تَحْتَجْ إِلَى هَمْزَةِ الْوَصْلِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (آمَنَّا) : أَصْلُ الْأَلِفِ هَمْزَةٌ سَاكِنَةٌ، فَقُلِبَتْ أَلِفًا لِئَلَّا تَجْتَمِعَ هَمْزَتَانِ، وَكَانَ قَلْبُهَا أَلِفًا مِنْ أَجْلِ الْفَتْحَةِ قَبْلَهَا، وَوَزْنُ آمَنَ أَفْعَلَ مِنَ الْأَمْنِ.
وَ: (الْآخِرِ) فَاعِلٌ فَالْأَلِفُ فِيهِ غَيْرُ مُبْدَلَةٍ مِنْ شَيْءٍ.
قَوْلُهُ: (وَمَا هُمْ) هُمْ ضَمِيرٌ مُنْفَصِلٌ مَرْفُوعٌ بِمَا عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَمُبْتَدَأٌ عِنْدَ تَمِيمٍ، وَالْبَاءُ فِي الْخَبَرِ زَائِدَةٌ لِلتَّوْكِيدِ، غَيْرُ مُتَعَلِّقَةٍ بِشَيْءٍ، وَهَكَذَا كُلُّ حَرْفِ جَرٍّ زِيدَ فِي الْمُبْتَدَأِ أَوِ الْخَبَرِ أَوِ الْفَاعِلِ وَمَا تَنْفِي مَا فِي الْحَالِ، وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ لِنَفْيِ الْمُسْتَقْبَلِ.
مصادر و المراجع :
١-التبيان في إعراب القرآن
المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري (المتوفى
: 616هـ)
10 ديسمبر 2023
تعليقات (0)