المنشورات

(قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)) .

قَوْلُهُ: (مِنْهَا جَمِيعًا) : حَالٌ ; أَيْ مُجْتَمِعِينَ، إِمَّا فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ، أَوْ فِي أَزْمِنَةٍ، بِحَيْثُ يَشْتَرِكُونَ فِي الْهُبُوطِ. (فَإِمَّا) : إِنْ حَرْفُ شَرْطٍ، وَمَا حَرْفٌ مُؤَكِّدٌ لَهُ. وَ (يَأْتِيَنَّكُمْ) : فِعْلُ الشَّرْطِ مُؤَكَّدٌ بِالنُّونِ الثَّقِيلَةِ، وَالْفِعْلُ يَصِيرُ بِهَا مَبْنِيًّا أَبَدًا.
وَمَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ أَفْعَالِ الشَّرْطِ عَقِيبَ إِمَّا كُلُّهُ مُؤَكَّدٌ بِالنُّونِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ ; لِأَنَّ زِيَادَةَ مَا تُؤْذِنُ بِإِرَادَةِ شِدَّةِ التَّوْكِيدِ وَقَدْ جَاءَ فِي الشِّعْرِ غَيْرَ مُؤَكَّدٍ بِالنُّونِ.
وَجَوَابُ الشَّرْطِ: فَمَنْ تَبِعَ وَجَوَابُهُ. وَمَنْ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَرُ تَبِعَ، وَفِيهِ ضَمِيرُ فَاعِلٍ يَرْجِعُ عَلَى مَنْ، وَمَوْضِعُ تَبِعَ جَزْمٌ بِمَنْ، وَالْجَوَابُ: فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ.
وَكَذَلِكَ كَلُّ اسْمٍ شَرَطْتَ بِهِ وَكَانَ مُبْتَدَأٌ فَخَبَرُهُ فِعْلُ الشَّرْطِ لَا جَوَابُ الشَّرْطِ ; وَلِهَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى الْمُبْتَدَأِ، وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ الضَّمِيرُ فِي الْجَوَابِ حَتَّى لَوْ قُلْتَ مَنْ يَقُمْ أَكْرَمَ زَيْدًا جَازَ، وَلَوْ قُلْتَ مَنْ يَقُمْ زَيْدًا أَكْرَمَهُ، وَأَنْتَ تُعِيدُ الْهَاءَ إِلَى مَنْ لَمْ يَجُزْ.
وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْخَبَرَ هُوَ فِعْلُ الشَّرْطِ وَالْجَوَابُ ; وَقِيلَ الْخَبَرُ مِنْهُمَا مَا كَانَ فِيهِ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى مَنْ. وَ (خَوْفٌ) : مُبْتَدَأٌ وَعَلَيْهِمُ الْخَبَرُ، وَجَاءَ الِابْتِدَاءُ بِالنَّكِرَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْعُمُومِ بِالنَّفْيِ الَّذِي فِيهِ.
وَالرَّفْعُ وَالتَّنْوِينُ هُنَا أَوْجَهُ مِنَ الْبِنَاءِ عَلَى الْفَتْحِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَطَفَ عَلَيْهِ مَا لَا يَجُوزُ فِيهِ إِلَّا الرَّفْعُ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَلَا هُمْ لِأَنَّهُ مَعْرِفَةٌ وَلَا لَا تَعْمَلُ فِي الْمَعَارِفِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ ; لِيَتَشَاكَلَ الْجُمْلَتَانِ كَمَا قَالُوا فِي الْفِعْلِ الْمَشْغُولِ
بِضَمِيرِ الْفَاعِلِ، نَحْوَ: قَامَ زَيْدٌ وَعَمْرًا كَلَّمْتُهُ ; فَإِنَّ النَّصْبَ فِي عَمْرٍو أَوْلَى لِيَكُونَ مَنْصُوبًا بِفِعْلٍ، كَمَا أَنَّ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ عَمِلَ فِيهِ الْفِعْلُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى ; وَذَلِكَ بِأَنَّ الْبِنَاءَ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْخَوْفِ عَنْهُمْ بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ ذَلِكَ بَلِ الْمُرَادُ نَفْيُهُ عَنْهُمْ فِي الْآخِرَةِ.
فَإِذَا قِيلَ: لِمَ لَا يَكُونُ وَجْهُ الرَّفْعِ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مَذْكُورٌ فِي جَزَاءِ مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، وَلَا يَلِيقُ أَنْ يَنْفِيَ عَنْهُمُ الْخَوْفَ الْيَسِيرَ، وَيَتَوَهَّمَ ثُبُوتَ الْخَوْفِ الْكَثِيرِ.
قِيلَ: الرَّفْعُ يَجُوزُ أَنْ يُضْمَرَ مَعَهُ نَفْيُ الْكَثِيرِ ; تَقْدِيرُهُ: لَا خَوْفٌ كَثِيرٌ عَلَيْهِمْ، فَيُتَوَهَّمُ ثُبُوتُ الْقَلِيلِ، وَهُوَ عَكْسُ مَا قُدِّرَ فِي السُّؤَالِ، فَبَانَ أَنَّ الْوَجْهَ فِي الرَّفْعِ مَا ذَكَرْنَا.
(هُدَايَ) : الْمَشْهُورُ إِثْبَاتُ الْأَلِفِ قَبْلَ الْيَاءِ عَلَى اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ قَبْلَ الْإِضَافَةِ.
وَيُقْرَأُ هُدَيَّ - بِيَاءٍ مُشَدَّدَةٍ - وَوَجْهُهَا أَنَّ يَاءَ الْمُتَكَلِّمِ يُكْسَرُ مَا قَبْلَهَا فِي الِاسْمِ الصَّحِيحِ، وَالْأَلِفُ لَا يُمْكِنُ كَسْرُهَا ; فَقُلِبَتْ يَاءً مِنْ جِنْسِ الْكَسْرَةِ ثُمَّ أُدْغِمَتْ.




مصادر و المراجع :

١-التبيان في إعراب القرآن

المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري (المتوفى : 616هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید