المنشورات
(وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ
ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ) : يُقْرَأُ بِالتَّاءِ عَلَى تَقْدِيرِ: قُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْبُدُونَ، وَبِالْيَاءِ ; لِأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ اسْمٌ ظَاهِرٌ، فَيَكُونُ الضَّمِيرُ وَحَرْفُ الْمُضَارَعَةِ بِلَفْظِ الْغَيْبَةِ ; لِأَنَّ الْأَسْمَاءَ الظَّاهِرَةَ كُلَّهَا غَيْبٌ، وَفِيهَا مِنَ الْإِعْرَابِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ جَوَابُ قَسَمٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْمَعْنَى، وَهُوَ قَوْلُهُ: «أَخَذْنَا مِيثَاقَ» ; لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَحْلَفْنَاهُمْ، أَوْ قُلْنَا لَهُمْ بِاللَّهِ لَا تَعْبُدُونَ. وَالثَّانِي أَنَّ: «أَنْ» مُرَادَةٌ، وَالتَّقْدِيرُ: أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ، فَحُذِفَ حَرْفُ الْجَرِّ، ثُمَّ حُذِفَ أَنْ فَارْتَفَعَ الْفِعْلُ وَنَظِيرُهُ.
أَلَا أَيُّهَذَا الزَّاجِرِي أَحْضُرُ الْوَغَى:
بِالرَّفْعِ وَالتَّقْدِيرُ عَنْ أَنْ أَحْضُرَ. وَالثَّالِثُ أَنَّهُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ تَقْدِيرُهُ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ مُوَحِّدِينَ ; وَهِيَ حَالٌ مُصَاحِبَةٌ، وَمُقَدَّرَةٌ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا وَقْتَ أَخْذِ الْعَهْدِ مُوَحِّدِينَ، وَالْتَزَمُوا الدَّوَامَ عَلَى التَّوْحِيدِ، وَلَوْ جَعَلْتَهَا حَالًا مُصَاحِبَةً فَقَطْ عَلَى أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ مُلْتَزِمِينَ الْإِقَامَةَ عَلَى (إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ) : النَّصْبُ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ، وَهُوَ الْوَجْهُ.
وَقُرِئَ بِالرَّفْعِ شَاذًّا، وَوَجْهُهُ أَنْ يَكُونَ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ كَأَنَّهُ قَالَ: امْتَنَعَ قَلِيلٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا ; لِأَنَّ الْمَعْنَى يَصِيرُ: ثُمَّ تَوَلَّى قَلِيلٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ ; أَيْ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْكُمْ لَمْ يَتَوَلَّ ; كَمَا قَالُوا: مَا مَرَرْتُ بِأَحَدٍ إِلَّا وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ خَيْرٌ مِنْهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَوْكِيدًا لِلضَّمِيرِ الْمُرْفُوعِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَسِيبَوَيْهِ وَأَصْحَابُهُ يُسَمُّونَهُ نَعْتًا وَوَصْفًا، وَأَنْشَدَ أَبُو عَلِيٍّ فِي مِثْلِ رَفْعِ هَذِهِ الْآيَةِ.
وَبِالصَّرِيمَةِ مِنْهُمْ مَنْزِلٌ خَلَقٌ ... عَافٍ تَغَيَّرَ إِلَّا النُّؤْيُ وَالْوَتِدُ.
(وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ) : جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ الْمُؤَكِّدَةِ ; لِأَنَّ تَوَلَّيْتُمْ يُغْنِي عَنْهُ.
وَقِيلَ الْمَعْنَى تَوَلَّيْتُمْ بِأَبْدَانِكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ بِقُلُوبِكُمْ فَعَلَى هَذَا هِيَ حَالٌ مُنْتَقِلَةٌ وَقِيلَ تَوَلَّيْتُمْ يَعْنِي آبَاءَهُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ يَعْنِي أَنْفُسَهُمْ ; كَمَا قَالَ (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) [الْبَقَرَةِ: 39] يَعْنِي آبَاءَهُمْ.
مصادر و المراجع :
١-التبيان في إعراب القرآن
المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري (المتوفى
: 616هـ)
10 ديسمبر 2023
تعليقات (0)