المنشورات
(وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَتَجِدَنَّهُمْ) : هِيَ الْمُتَعَدِّيَةُ إِلَى مَفْعُولَيْنِ، وَالثَّانِي «أَحْرَصَ» وَ «عَلَى» مُتَعَلِّقَةٌ بِأَحْرَصَ. (وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) : فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هِيَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى النَّاسِ فِي الْمَعْنَى، وَالتَّقْدِيرُ: أَحْرَصُ مِنَ النَّاسِ أَيِ الَّذِينَ فِي زَمَانِهِمْ، وَأَحْرَصُ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَعْنِي بِهِ الْمَجُوسَ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا دَعَوْا بِطُولِ الْعُمْرِ قَالُوا: عِشْتَ أَلْفَ نَيْرُوزَ، فَعَلَى هَذَا فِي: (يَوَدُّ) وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ حَالٌ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا، تَقْدِيرُهُ: وَدَّ أَحَدُهُمْ، وَيَدُلُّكَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّكَ لَوْ قُلْتَ: وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا الَّذِينَ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ، صَحَّ أَنْ يَكُونَ وَصْفًا، وَمِنْ هُنَا قَالَ الْكُوفِيُّونَ: هَذَا يَكُونُ عَلَى حَذْفِ الْمَوْصُولِ وَإِبْقَاءِ الصِّلَةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ تَجْعَلَ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ حَالًا مِنَ الْهَاءِ وَالْمِيمِ فِي وَلَتَجِدَنَّهُمْ ; أَيْ لَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ وَادًّا أَحَدُهُمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ وَجْهَيْ «مِنَ الَّذِينَ» أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا، وَالتَّقْدِيرُ: وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا قَوْمٌ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ أَوْ مَنْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ.
وَمَاضِي يَوَدُّ وَدِدْتُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ ; فَلِذَلِكَ صَحَّتِ الْوَاوُ ; لِأَنَّهَا لَمْ يُكْسَرْ مَا بَعْدَهَا فِي
الْمُسْتَقْبَلِ ( لَوْ يُعَمَّرُ) : لَوْ هُنَا بِمَعْنَى أَنْ النَّاصِبَةِ لِلْفِعْلِ، وَلَكِنْ لَا تَنْصِبُ، وَلَيْسَتِ الَّتِي يَمْتَنِعُ بِهَا الشَّيْءُ لِامْتِنَاعِ غَيْرِهِ ; وَيَدُلُّكَ عَلَى ذَلِكَ شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذِهِ يَلْزَمُهَا الْمُسْتَقْبَلُ، وَالْأُخْرَى مَعْنَاهَا فِي الْمَاضِي.
وَالثَّانِي أَنَّ: يَوَدُّ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، وَلَيْسَ مِمَّا يُعَلَّقُ عَنِ الْعَمَلِ، فَمِنْ هُنَا لَزِمَ أَنْ يَكُونُ لَوْ بِمَعْنَى أَنْ وَقَدْ جَاءَتْ بَعْدَ ((يَوَدُّ)) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ) [الْبَقَرَةِ: 266] ; وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ وَالشِّعْرِ. وَيُعَمَّرُ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ أُقِيمَ مَقَامَ الْفَاعِلِ.
وَ (أَلْفَ سَنَةٍ) : ظَرْفٌ. (وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ) : فِي هُوَ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ ضَمِيرُ أَحَدٍ ; أَيْ وَمَا ذَلِكَ الْمُتَمَنِّي. بِمُزَحْزِحِهِ خَبَرُ مَا. وَ «مِنَ الْعَذَابِ» مُعَلَّقٌ بِمُزَحْزِحِهِ، وَ «أَنْ يُعَمَّرَ» فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِمُزَحْزِحِهِ ; أَيْ [وَمَا الرَّجُلُ بِمُزَحْزِحِهِ] تَعْمِيرُهُ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ هُوَ ضَمِيرُ التَّعْمِيرِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: «لَوْ يُعَمَّرُ» .
وَقَوْلُهُ: أَنْ يُعَمَّرَ بَدَلٌ مِنْ هُوَ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُوَ ضَمِيرُ الشَّأْنِ ; لِأَنَّ الْمُفَسِّرَ لِضَمِيرِ الشَّأْنِ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ، وَدُخُولُ الْبَاءِ فِي بِمُزَحْزِحِهِ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ.
مصادر و المراجع :
١-التبيان في إعراب القرآن
المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري (المتوفى
: 616هـ)
11 ديسمبر 2023
تعليقات (0)