المنشورات
(بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ) ; أَيْ مُبْدِعُهَا ; كَقَوْلِهِمْ سَمِيعٌ بِمَعْنَى مُسْمِعٌ، وَالْإِضَافَةُ هُنَا مَحْضَةٌ ; لِأَنَّ الْإِبْدَاعَ لَهُمَا مَاضٍ.
(وَإِذَا قَضَى) : إِذَا ظَرْفٌ، وَالْعَامِلُ فِيهَا مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْجَوَابُ تَقْدِيرُهُ، وَإِذَا قَضَى أَمْرًا يَكُونُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَيَكُونُ) : الْجُمْهُورُ عَلَى الرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى يَقُولُ، أَوْ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ ; أَيْ فَهُوَ يَكُونُ. وَقُرِئَ بِالنَّصْبِ عَلَى جَوَابِ لَفْظِ الْأَمْرِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ كُنْ لَيْسَ بِأَمْرٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ ; إِذْ لَيْسَ هُنَاكَ مُخَاطَبٌ بِهِ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى عَلَى سُرْعَةِ التَّكَوُّنِ ; يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْخِطَابَ بِالتَّكَوُّنِ لَا يَرِدُ عَلَى الْمَوْجُودِ ; لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مُتَكَوِّنٌ وَلَا يَرِدُ عَلَى الْمَعْدُومِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ لَا يَبْقَى إِلَّا لَفْظُ الْأَمْرِ، وَلَفْظُ الْأَمْرِ يَرِدُ، وَلَا يُرَادُ بِهِ حَقِيقَةُ الْأَمْرِ كَقَوْلِهِ: (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) [مَرْيَمَ: 38] وَكَقَوْلِهِ: (فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ) [مَرْيَمَ: 75] .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ جَوَابَ الْأَمْرِ، لَا بُدَّ أَنْ يُخَالِفَ الْأَمْرَ، إِمَّا فِي الْفِعْلِ أَوْ فِي الْفَاعِلِ، أَوْ فِيهِمَا فَمِثَالُ ذَلِكَ قَوْلُكَ اذْهَبْ يَنْفَعُكَ زَيْدٌ فَالْفِعْلُ، وَالْفَاعِلُ فِي الْجَوَابِ غَيْرُهُمَا فِي الْأَمْرِ وَتَقُولُ: اذْهَبْ يَذْهَبْ زَيْدٌ فَالْفِعْلَانِ مُتَّفِقَانِ وَالْفَاعِلَانِ مُخْتَلِفَانِ، وَتَقُولُ اذْهَبْ تَنْتَفِعْ فَالْفَاعِلَانِ مُتَّفِقَانِ وَالْفِعْلَانِ مُخْتَلِفَانِ، فَأَمَّا أَنْ يَتَّفِقَ الْفِعْلَانِ وَالْفَاعِلَانِ فَغَيْرُ جَائِزٍ كَقَوْلِكَ اذْهَبْ تَذْهَبْ وَالْعِلَّةُ فِيهِ أَنَّ الشَّيْءَ لَا يَكُونُ شَرْطًا لِنَفْسِهِ.
مصادر و المراجع :
١-التبيان في إعراب القرآن
المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري (المتوفى
: 616هـ)
11 ديسمبر 2023
تعليقات (0)