المنشورات

{وَإِذ قَالَ إِبْرَاهِيم رب اجْعَل هَذَا بَلَدا آمنا وارزق أَهله من الثمرات من آمن مِنْهُم بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر قَالَ وَمن كفر فأمتعه قَلِيلا ثمَّ أضطره إِلَى عَذَاب النَّار وَبئسَ الْمصير}

قَوْلُهُ تَعَالَى: (اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا) : اجْعَلْ بِمَعْنَى صَيِّرْ ; وَهَذَا الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ ; وَبَلَدًا الْمَفْعُولُ الثَّانِي ; وَ (آمِنًا) صِفَةُ الْمَفْعُولِ الثَّانِي، وَأَمَّا الَّتِي فِي إِبْرَاهِيمَ فَتُذْكَرُ هُنَاكَ.
(مَنْ آمَنَ) : مَنْ بَدَلٌ مِنْ أَهْلِهِ، وَهُوَ بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كَلٍّ (وَمَنْ كَفَرَ) : فِي مَنْ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هِيَ بِمَعْنَى الَّذِي أَوْ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ وَمَوْضِعُهَا نَصْبٌ، وَالتَّقْدِيرُ: قَالَ: وَأَرْزُقُ مَنْ كَفَرَ وَحَذَفَ الْفِعْلَ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ.
(فَأُمَتِّعُهُ) : عَطَفَ عَلَى الْفِعْلِ الْمَحْذُوفِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْ عَلَى هَذَا مُبْتَدَأٌ، وَ «فَأُمَتِّعُهُ» خَبَرُهُ ; لِأَنَّ الَّذِي لَا تَدْخُلُ الْفَاءُ فِي خَبَرِهَا ; إِلَّا إِذَا كَانَ الْخَبَرُ مُسْتَحَقًّا بِصِلَتِهَا ; كَقَوْلِكَ: الَّذِي يَأْتِينِي فَلَهُ دِرْهَمٌ، وَالْكُفْرُ لَا يُسْتَحَقُّ بِهِ التَّمْتِيعُ، فَإِنْ جَعَلْتَ الْفَاءَ زَائِدَةً عَلَى
قَوْلِ الْأَخْفَشِ جَازَ، وَإِنْ جَعَلْتَ الْخَبَرَ مَحْذُوفًا وَ «فَأُمَتِّعُهُ» دَلِيلًا عَلَيْهِ ; جَازَ تَقْدِيرُهُ: وَمَنْ كَفَرَ أَرْزُقُهُ فَأُمَتِّعُهُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ «مَنْ» شَرْطِيَّةً، وَالْفَاءُ جَوَابُهَا، وَقِيلَ الْجَوَابُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: وَمَنْ كَفَرَ أَرْزُقُهُ، وَمَنْ عَلَى هَذَا رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَنْصُوبَةً ; لِأَنَّ أَدَاةَ الشَّرْطِ لَا يَعْمَلُ فِيهَا جَوَابُهَا، بَلِ الشَّرْطُ، وَكَفَرَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ بِمَعْنَى يَكْفُرُ، وَالْمَشْهُورُ فَأُمَتِّعُهُ بِالتَّشْدِيدِ وَضَمِّ الْعَيْنِ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ أَوْ خَبَرٌ.
وَقُرِئَ شَاذًّا بِسُكُونِ الْعَيْنِ، وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ حَذَفَ الْحَرَكَةَ تَخْفِيفًا لِتَوَالِي الْحَرَكَاتِ.
وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الْفَاءُ زَائِدَةً، وَأُمَتِّعُهُ جَوَابُ الشَّرْطِ، وَيُقْرَأُ بِتَخْفِيفِ التَّاءِ، وَضَمِّ الْعَيْنِ، وَإِسْكَانِهَا، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَيُقْرَأُ فَأُمَتِّعُهُ عَلَى لَفْظِ الْأَمْرِ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ مِنْ تَمَامِ الْحِكَايَةِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ.
(قَلِيلًا) : نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَوْ لِظَرْفٍ مَحْذُوفٍ.
(ثُمَّ أَضْطَرُّهُ) : الْجُمْهُورُ عَلَى رَفْعِ الرَّاءِ، وَقُرِئَ بِفَتْحِهَا وَوَصْلِ الْهَمْزَةِ عَلَى الْأَمْرِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) : الْمَصِيرُ فَاعِلُ بِئْسَ، وَالْمَخْصُوصُ بِالذَّمِّ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: وَبِئْسَ الْمَصِيرُ النَّارُ.




مصادر و المراجع :

١-التبيان في إعراب القرآن

المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري (المتوفى : 616هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید