المنشورات
(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا
إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَكَذَلِكَ) : الْكَافُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، تَقْدِيرُهُ: وَمِثْلُ هِدَايَتِنَا مَنْ نَشَاءُ، جَعَلْنَاكُمْ، وَجَعَلْنَا بِمَنْزِلَةِ صَيَّرْنَا.
وَ (عَلَى النَّاسِ) : يَتَعَلَّقُ بِشُهَدَاءَ. (الْقِبْلَةَ) : هِيَ الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ، وَالْمَفْعُولُ الثَّانِي
مَحْذُوفٌ، وَ «الَّتِي» صِفَةُ ذَلِكَ الْمَحْذُوفِ، وَالتَّقْدِيرُ: وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الْقِبْلَةَ الَّتِي ; وَقِيلَ الَّتِي صِفَةٌ لِلْقِبْلَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَالْمَفْعُولُ الثَّانِي مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ: وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا قِبْلَةً. ( مَنْ يَتَّبِعُ) : مَنْ بِمَعْنَى الَّذِي فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِـ (نَعْلَمُ) وَ (مِمَّنْ يَنْقَلِبُ) : مُتَعَلِّقٌ بِـ (نَعْلَمُ) ، وَالْمَعْنَى لِيَفْصِلَ الْمُتَّبِعَ مِنَ الْمُنْقَلِبِ.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ (مِنْ) اسْتِفْهَامًا ; لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ أَنْ تُعَلَّقَ نَعْلَمُ عَنِ الْعَمَلِ، وَإِذَا عُلِّقَتْ عَنْهُ لَمْ يَبْقَ لِمَنْ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ; لِأَنَّ مَا بَعْدَ الِاسْتِفْهَامِ لَا يَتَعَلَّقْ بِمَا قَبْلَهُ، وَلَا يَصِحُّ تَعَلُّقُهَا بِـ (يَتَّبِعُ) ; لِأَنَّهَا فِي الْمَعْنَى مُتَعَلِّقَةٌ بِـ (نَعْلَمَ) ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَيَّ فَرِيقٍ يَتَّبِعُ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ. (عَلَى عَقِبَيْهِ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ ; أَيْ رَاجِعًا. (وَإِنْ كَانَتْ) : إِنِ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَاسْمُهَا مَحْذُوفٌ، وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: «لَكَبِيرَةً» عِوَضٌ مِنَ الْمَحْذُوفِ. وَقِيلَ: فُصِلَ بِاللَّامِ بَيْنَ إِنَّ الْمُخَفَّفَةِ مِنَ الثَّقِيلَةِ وَبَيْنَ غَيْرِهَا مِنْ أَقْسَامِ إِنَّ.
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: إِنَّ بِمَعْنَى مَا، وَاللَّامُ بِمَعْنَى إِلَّا، وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا مِنْ جِهَةِ أَنَّ وُقُوعَ اللَّامِ بِمَعْنَى إِلَّا لَا يَشْهَدُ لَهُ سَمَاعٌ وَلَا قِيَاسٌ، وَاسْمُ كَانَ مُضْمَرٌ دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ، تَقْدِيرُهُ: وَإِنْ كَانَتِ التَّوْلِيَةُ أَوِ الصَّلَاةُ أَوِ الْقِبْلَةُ.
(إِلَّا عَلَى الَّذِينَ) : (عَلَى) مُتَعَلِّقَةٌ بِكَبِيرَةٍ وَدَخَلَتْ إِلَّا لِلْمَعْنَى وَلَمْ يُغَيَّرِ الْإِعْرَابُ. (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ) : خَبَرُ كَانَ مَحْذُوفٌ، وَاللَّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِذَلِكَ الْمَحْذُوفِ تَقْدِيرُهُ: وَمَا كَانَ اللَّهُ مُرِيدًا لِأَنْ يُضِيعُ إِيمَانَكُمْ، وَهَذَا مُتَكَرِّرٌ فِي الْقُرْآنِ، وَمِثْلُهُ: (لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) [النِّسَاءِ: 137] . وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: لِيُضِيعَ هُوَ الْخَبَرُ، وَاللَّامُ دَاخِلَةٌ لِلتَّوْكِيدِ، وَهُوَ بَعِيدٌ ; لِأَنَّ اللَّامَ لَامُ الْجَرِّ، وَأَنَّ بَعْدَهَا مُرَادَةٌ، فَيَصِيرُ التَّقْدِيرُ عَلَى قَوْلِهِمْ مَا كَانَ لِلَّهِ إِضَاعَةُ إِيمَانِكُمْ.
(رَءُوفٌ) : يُقْرَأُ بِوَاوٍ بَعْدَ الْهَمْزَةِ مِثْلَ شَكُورٍ. وَيُقْرَأُ بِغَيْرِ وَاوٍ مِثْلَ يَقِظٍ، وَفَطِنٍ، وَقَدْ جَاءَ فِي الشِّعْرِ: بِالرَّؤُفِ الرَّحِيمِ.
مصادر و المراجع :
١-التبيان في إعراب القرآن
المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري (المتوفى
: 616هـ)
11 ديسمبر 2023
تعليقات (0)