المنشورات
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ
فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (كَالَّذِي يُنْفِقُ) : الْكَافُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، وَفِي الْكَلَامِ حَذْفُ مُضَافٍ، تَقْدِيرُهُ: إِبْطَالًا كَإِبْطَالِ الَّذِي يُنْفِقُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِينَ ; أَيْ لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ مُشْبِهِينَ الَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ ; أَيْ مُشْبِهِينَ الَّذِي يُبْطِلُ إِنْفَاقَهُ بِالرِّيَاءِ.
وَ (رِئَاءَ النَّاسِ) : مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ; أَيْ يُنْفِقُ مُرَائِيًا) : وَالْهَمْزَةُ الْأُولَى فِي رِئَاءٍ عَيْنُ الْكَلِمَةِ ; لِأَنَّهُ مِنْ رَاءَى ; وَالْأَخِيرَةُ بَدَلٌ مِنَ الْيَاءِ لِوُقُوعِهَا طَرَفَا بَعْدَ أَلِفٍ زَائِدَةٍ كَالْقَضَاءِ وَالدِّمَاءِ.
وَيَجُوزُ تَخْفِيفُ الْهَمْزَةِ الْأُولَى بِأَنْ تُقْلَبَ يَاءً فِرَارًا مِنْ ثِقَلِ الْهَمْزَةِ بَعْدَ الْكَسْرَةِ، وَقَدْ قُرِئَ بِهِ، وَالْمَصْدَرُ هُنَا مُضَافٌ إِلَى الْمَفْعُولِ.
وَدَخَلَتِ الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ «فَمَثَلُهُ» لِرَبْطِ الْجُمْلَةِ بِمَا قَبْلَهَا.
وَالصَّفْوَانُ: جَمْعُ صَفْوَانَةٍ، وَالْجَيِّدُ أَنْ يُقَالَ هُوَ جِنْسُ جَمْعٍ ; وَلِذَلِكَ عَادَ الضَّمِيرُ إِلَيْهِ بِلَفْظِ الْإِفْرَادِ فِي قَوْلِهِ «عَلَيْهِ تُرَابٌ» .
وَقِيلَ: هُوَ مُفْرَدٌ. وَقِيلَ: وَاحِدُهُ صَفَا، وَجَمْعُ فَعَلَ عَلَى فِعْلَانٍ قَلِيلٌ، وَحُكِيَ صِفْوَانٌ بِكَسْرِ الصَّادِ، وَهُوَ أَكْثَرُ الْجُمُوعِ، وَيُقْرَأُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَهُوَ شَاذٌّ ; لِأَنَّ فَعْلَانًا شَاذٌّ فِي الْأَسْمَاءِ، وَإِنَّمَا يَجِيءُ فِي الْمَصَادِرِ مِثْلُ الْغَلَيَانِ، وَالصِّفَاتِ مِثْلُ يَوْمٍ صَحَوَانٍ. وَ (عَلَيْهِ تُرَابٌ) : فِي مَوْضِعِ جَرٍّ صِفَةٌ لِصَفْوَانٍ، وَلَكَ أَنْ تَرْفَعَ تُرَابًا بِالْجَرِّ ; لِأَنَّهُ قَدِ اعْتَمَدَ عَلَى مَا قَبْلَهُ، وَأَنْ تَرْفَعَهُ بِالِابْتِدَاءِ.
وَالْفَاءُ فِي: (فَأَصَابَهُ) عَاطِفَةٌ عَلَى الْجَارِّ ; لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ: اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ.
وَهَذَا أَحَدُ مَا يُقَوِّي شَبَهَ الظَّرْفِ بِالْفِعْلِ.
وَالْأَلِفُ فِي «أَصَابَ» مُنْقَلِبَةٌ عَنْ وَاوٍ ; لِأَنَّهُ مِنْ صَابَ يَصُوبُ.
(فَتَرَكَهُ صَلْدًا) : هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ) [الْبَقَرَةِ: 17] . وَقَدْ ذُكِرَ فِي
أَوَّلِ السُّورَةِ: (لَا يَقْدِرُونَ) : مُسْتَأْنَفٌ لَا مَوْضِعَ لَهُ ; وَإِنَّمَا جَمَعَ هُنَا بَعْدَ مَا أَفْرَدَ فِي قَوْلِهِ كَالَّذِي وَمَا بَعْدَهُ ; لِأَنَّ الَّذِي هُنَا جِنْسٌ، فَيَجُوزُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ إِلَيْهِ مُفْرَدًا وَجَمْعًا، وَلَا يَجُوزَ أَنْ يَكُونَ مِنَ الَّذِي ; لِأَنَّهُ قَدْ فَصَلَ بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ «فَمِثْلُهُ» وَمَا بَعْدَهُ.
مصادر و المراجع :
١-التبيان في إعراب القرآن
المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري (المتوفى
: 616هـ)
11 ديسمبر 2023
تعليقات (0)