المنشورات
(وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ
وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265)
(مِنْ أَنْفُسِهِمْ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بِمَعْنَى اللَّامِ ; أَيْ تَثْبِيتًا لِأَنْفُسِهِمْ، كَمَا تَقُولُ فَعَلْتُ ذَلِكَ كَسْرًا فِي شَهْوَتِي. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عَلَى أَصْلِهَا ; أَيْ تَثْبِيتًا صَادِرًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَالتَّثْبِيتُ مَصْدَرُ فِعْلٍ مُتَعَدٍّ ; فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَكُونُ مِنْ أَنْفُسِهِمْ مَفْعُولُ الْمَصْدَرِ، وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي يَكُونُ الْمَفْعُولُ مَحْذُوفًا تَقْدِيرُهُ: وَيُثْبِتُونَ أَعْمَالَهُمْ بِإِخْلَاصِ النِّيَّةِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَثْبِيتًا بِمَعْنَى تَثَبُّتٍ فَيَكُونُ لَازِمًا، وَالْمَصَادِرُ قَدْ تَخْتَلِفُ وَيَقَعُ بَعْضُهَا مَوْقِعَ بَعْضٍ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا) [الْمُزَّمِّلِ: 8] أَيْ تَبَتُّلًا.
وَفِي قَوْلِهِ: (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ) : حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: وَمَثَلُ نَفَقَةِ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ ; لِأَنَّ الْمُنْفِقَ لَا يُشَبَّهُ بِالْجَنَّةِ، وَإِنَّمَا تُشَبَّهُ النَّفَقَةُ الَّتِي تَزْكُو بِالْجَنَّةِ الَّتِي تُثْمِرُ.
(وَالرَّبْوَةُ) : بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا وَكَسْرِهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ، وَفِيهَا لُغَةٌ أُخْرَى رُبَاوَةٌ، وَقَدْ قُرِئَ بِذَلِكَ كُلِّهِ.
(أَصَابَهَا) : صِفَةٌ لِلْجَنَّةِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ مِنَ الْجَنَّةِ ; لِأَنَّهَا قَدْ وُصِفَتْ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي الْجَارِّ، وَ «قَدْ» مَعَ الْفِعْلِ مَقَدَّرَةٌ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ صِفَةً لِرَبْوَةٍ ; لِأَنَّ الْجَنَّةَ بَعْضُ الرَّبْوَةِ.
وَالْوَابِلُ مِنْ وَبَلَ، وَيُقَالُ أَوْبَلَ فَهُوَ مَوْبِلٌ، وَهِيَ صِفَةٌ غَالِبَةٌ لَا يُحْتَاجُ مَعَهَا إِلَى ذِكْرِ الْمَوْصُوفِ، وَ (آتَتْ) : مُتَعَدٍّ إِلَى مَفْعُولَيْنِ، وَقَدْ حُذِفَ أَحَدُهُمَا ; أَيْ أَعْطَتْ صَاحِبَهَا.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَدِّيًا إِلَى وَاحِدٍ ; لِأَنَّ مَعْنَى آتَتْ أَخْرَجَتْ وَهُوَ مِنَ الْإِيتَاءِ، وَهُوَ الرِّيعُ، وَالْأُكْلُ بِسُكُونِ الْكَافِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ، وَقَدْ قُرِئَ جَمْعًا، وَالْوَاحِدُ مِنْهُ أُكْلَةٌ وَهُوَ الْمَأْكُولُ، وَأَضَافَ الْأَكْلَ إِلَيْهَا ; لِأَنَّهَا مَحَلُّهُ أَوْ سَبَبُهُ. وَ (ضِعْفَيْنِ) : حَالٌ ; أَيْ مُضَاعَفًا.
(فَطَلٌّ) : خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، تَقْدِيرُهُ: فَالَّذِي يُصِيبُهَا طَلٌّ، أَوْ فَالْمُصِيبُ لَهَا أَوْ فَمُصِيبُهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا تَقْدِيرُهُ: فَيُصِيبُهَا طَلٌّ، وَحَذَفَ الْفِعْلَ لِدَلَالَةِ فِعْلِ الشَّرْطِ عَلَيْهِ. وَالْجَزْمُ فِي يُصِبْهَا بِلَمْ لَا بِإِنْ ; لِأَنَّ لَمْ عَامِلٌ يَخْتَصُّ بِالْمُسْتَقْبَلِ وَإِنْ قَدْ وَلِيَهَا الْمَاضِي، وَقَدْ يُحْذَفُ مَعَهَا الْفِعْلُ، فَجَازَ أَنْ يَبْطُلَ عَمَلُهَا.
مصادر و المراجع :
١-التبيان في إعراب القرآن
المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري (المتوفى
: 616هـ)
11 ديسمبر 2023
تعليقات (0)