المنشورات
(أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ
كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنْ نَخِيلٍ) : صِفَةٌ لِجَنَّةٍ، وَنَخِيلٌ جَمْعٌ، وَهُوَ نَادِرٌ، وَقِيلَ: هُوَ جِنْسٌ.
وَ (تَجْرِي) : صِفَةٌ أُخْرَى. (لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ) : فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ، تَقْدِيرُهُ: لَهُ فِيهَا رِزْقٌ مِنْ كُلٍّ، أَوْ ثَمَرَاتٌ مَنْ كُلِّ أَنْوَاعِ الثَّمَرَاتِ.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ (مِنْ) مُبْتَدَأٌ وَمَا قَبْلَهُ الْخَبَرُ ; لِأَنَّ الْمُبْتَدَأَ لَا يَكُونُ جَارًّا وَمَجْرُورًا إِلَّا إِذَا كَانَ حَرْفُ الْجَرِّ زَائِدًا وَلَا فَاعِلًا ; لِأَنَّ حَرْفَ الْجَرِّ لَا يَكُونُ فَاعِلًا، وَلَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِمَحْذُوفٍ.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ (مِنْ) زَائِدَةً عَلَى قَوْلِ سِيبَوَيْهِ، وَلَا عَلَى قَوْلِ الْأَخْفَشِ ; لِأَنَّ الْمَعْنَى يَصِيرُ لَهُ فِيهَا كُلُّ الثَّمَرَاتِ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا إِلَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ هَاهُنَا الْكَثْرَةَ لَا الِاسْتِيعَابَ فَيَجُوزُ عِنْدَ الْأَخْفَشِ ; لِأَنَّهُ يَجُوزُ زِيَادَةُ (مِنْ) فِي الْوَاجِبِ، وَإِضَافَةُ (كُلٍّ) إِلَى مَا بَعْدَهَا بِمَعْنَى اللَّامِ ; لِأَنَّ الْمُضَافَ إِلَيْهِ غَيْرُ الْمُضَافِ.
(وَأَصَابَهُ) : الْجُمْلَةُ حَالٌ مِنْ أَحَدٍ، وَ «قَدْ» مُرَادَةٌ، تَقْدِيرُهُ: وَقَدْ أَصَابَهُ.
وَقِيلَ: وُضِعَ الْمَاضِي مَوْضِعَ الْمُضَارِعِ، وَقِيلَ: حُمِلَ فِي الْعَطْفِ عَلَى الْمَعْنَى ; لِأَنَّ الْمَعْنَى أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ لَوْ كَانَتْ لَهُ جَنَّةٌ فَأَصَابَهَا، وَهُوَ ضَعِيفٌ، إِذْ لَا حَاجَةَ إِلَى تَغْيِيرِ اللَّفْظِ مَعَ صِحَّةِ مَعْنَاهُ. (وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ) : جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الْهَاءِ فِي أَصَابَهُ.
وَاخْتُلِفَ فِي أَصْلِ الذُّرِّيَّةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ أَصْلَهَا ذُرْوَةٌ، مِنْ ذَرَّ يَذُرُّ إِذَا نَشَرَ، فَأُبْدِلَتِ الرَّاءُ الثَّانِيَةُ يَاءً لِاجْتِمَاعِ الرَّاءَاتِ، ثُمَّ أُبْدِلَتِ الْوَاوُ يَاءً، ثُمَّ أُدْغِمَتْ، ثُمَّ كُسِرَتِ الرَّاءُ إِتْبَاعًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكْسِرُ الذَّالَ إِتْبَاعًا أَيْضًا، وَقَدْ قُرِئَ بِهِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ مِنْ ذَرَّ أَيْضًا، إِلَّا أَنَّهُ زَادَ الْيَاءَيْنِ، فَوَزْنُهُ فِعْلِيَّةٌ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ مِنْ ذَرَأَ بِالْهَمْزَةِ، فَأَصْلُهُ عَلَى هَذَا ذَرُوءَةٌ فَعُولَةٌ، ثُمَّ أُبْدِلَتِ الْهَمْزَةُ يَاءً، وَأُبْدِلَتِ الْوَاوُ يَاءً، فِرَارًا مِنْ ثِقَلِ الْهَمْزَةِ وَالْوَاوِ وَالضَّمَّةِ.
وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ مِنْ ذَرَا يَذْرُو، لِقَوْلِهِ: (تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ) [الْكَهْفِ: 45] فَأَصْلُهُ ذَرُووَةٌ، ثُمَّ أُبْدِلَتِ الْوَاوُ يَاءً، ثُمَّ عُمِلَ مَا تَقَدَّمَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِعْلِيَّةً عَلَى الْوَجْهَيْنِ.
(فَأَصَابَهَا) : مَعْطُوفٌ عَلَى صِفَةِ الْجَنَّةِ.
مصادر و المراجع :
١-التبيان في إعراب القرآن
المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري (المتوفى
: 616هـ)
11 ديسمبر 2023
تعليقات (0)