المنشورات
(نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ
وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (نَزَّلَ عَلَيْكَ) : هُوَ خَبَرٌ آخَرُ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي قَوْلِهِ: (لَا تَأْخُذُهُ) [الْبَقَرَةِ: 255] فَمِثْلُهُ هَاهُنَا.
وَقُرِئَ «نَزَلَ» عَلَيْكَ بِالتَّخْفِيفِ، وَ «الْكِتَابُ» بِالرَّفْعِ، وَفِي الْجُمْلَةِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: هِيَ مُنْقَطِعَةٌ. وَالثَّانِي: هِيَ مُتَّصِلَةٌ بِمَا قَبْلَهَا، وَالضَّمِيرُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: مِنْ عِنْدِهِ.
وَ (بِالْحَقِّ) : حَالٌ مِنَ الْكِتَابِ. وَ (مُصَدِّقًا) : إِنْ شِئْتَ جَعَلْتَهُ حَالًا ثَانِيًا، وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَهُ بَدَلًا مِنْ مَوْضِعِ قَوْلِهِ «بِالْحَقِّ» ، وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَهُ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي الْمَجْرُورِ.
(التَّوْرَاةَ) : فَوْعَلَةٌ، مِنْ وَرَى الزَّنْدُ يَرِي إِذَا ظَهَرَ مِنْهُ النَّارُ ; فَكَأَنَّ التَّوْرَاةَ ضِيَاءٌ مِنَ الضَّلَالِ، فَأَصْلُهَا وَوَرْيَةٌ، فَأُبْدِلَتِ الْوَاوُ الْأُولَى تَاءً، كَمَا قَالُوا تَوْلَجُ، وَأَصْلُهُ وَوْلَجُ، وَأُبْدِلَتِ الْيَاءُ أَلِفًا لِتَحَرُّكِهَا، وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَصْلُهَا تَوْرِيَةٌ عَلَى تَفْعِلَةٌ كَتَوْصِيَةٍ، ثُمَّ أُبْدِلَ مِنَ الْكَسْرَةِ الْفَتْحَةُ فَانْقَلَبَتِ الْيَاءُ أَلِفًا، كَمَا قَالُوا فِي نَاصِيَةٍ نَاصَاةٌ، وَيَجُوزُ إِمَالَتُهَا لِأَنَّ أَصْلَ أَلِفِهَا يَاءٌ.
(وَالْإِنْجِيلَ) : إِفْعِيلٌ مِنَ النَّجْلِ، وَهُوَ الْأَصْلُ الَّذِي يَتَفَرَّعُ عَنْهُ غَيْرُهُ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْوَلَدُ نَجْلًا، وَاسْتَنْجَلَ الْوَادِي إِذَا نَزَّ مَاؤُهُ.
وَقِيلَ: هُوَ مِنَ السَّعَةِ مِنْ قَوْلِهِمْ نَجَلْتُ الْإِهَابَ إِذَا شَقَقْتُهُ، وَمِنْهُ عَيْنٌ نَجْلَاءُ وَاسِعَةُ الشَّقِّ، فَالْإِنْجِيلُ الَّذِي هُوَ كِتَابُ عِيسَى تَضَمَّنَ سَعَةً لَمْ تَكُنْ لِلْيَهُودِ.
وَقَرَأَ الْحَسَنُ: «الْأَنْجِيلَ» بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ لَا يُعْرَفُ لَهُ نَظِيرٌ، إِذْ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ أَفْعِيلٌ، إِلَّا أَنَّ الْحَسَنَ ثِقَةٌ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهَا.
وَ (مِنْ قَبْلُ) : يَتَعَلَّقُ بِأَنْزَلَ، وَبُنِيَتْ «قَبْلُ» لِقَطْعِهَا عَنِ الْإِضَافَةِ، وَالْأَصْلُ مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ، فَقَبْلُ فِي حُكْمِ بَعْضِ الِاسْمِ، وَبَعْضُ الِاسْمِ لَا يَسْتَحِقُّ إِعْرَابًا.
: (هُدًى) : حَالٌ مِنَ الْإِنْجِيلِ وَالتَّوْرَاةِ، وَلَمْ يُثَنَّ ; لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْإِنْجِيلِ، وَدَلَّ عَلَى حَالٌ لِلتَّوْرَاةِ مَحْذُوفَةٌ، كَمَا يَدُلُّ أَحَدُ الْخَبَرَيْنِ عَلَى الْآخَرِ. وَ (لِلنَّاسِ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِهُدًى، وَأَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِهِ.
وَ (الْفُرْقَانَ) : فُعْلَانِ مِنَ الْفَرْقِ، وَهُوَ مَصْدَرٌ فِي الْأَصْلِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْفَارِقِ أَوِ الْمَفْرُوقِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: ذَا الْفُرْقَانِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَهُمْ عَذَابٌ) : ابْتِدَاءٌ وَخَبَرٌ فِي مَوْضِعِ خَبَرِ إِنَّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَرْتَفِعَ الْعَذَابُ بِالظَّرْفِ.
مصادر و المراجع :
١-التبيان في إعراب القرآن
المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري (المتوفى
: 616هـ)
11 ديسمبر 2023
تعليقات (0)