المنشورات
(قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (13)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ) : آيَةٌ اسْمُ كَانَ ; وَلَمْ يُؤَنَّثْ، لِأَنَّ التَّأْنِيثَ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ، وَلِأَنَّهُ فُصِلَ ; وَلِأَنَّ الْآيَةَ وَالدَّلِيلَ بِمَعْنًى. وَفِي الْخَبَرِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: «لَكُمْ» وَ «فِئَتَيْنِ» نَعْتٌ لِآيَةٍ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْخَبَرَ «فِي فِئَتَيْنِ» ، وَلَكُمْ مُتَعَلِّقٌ بِكَانَ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَكُمْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ عَلَى أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِآيَةٍ ; أَيْ آيَةٌ كَائِنَةٌ لَكُمْ، فَيَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ.
وَ (الْتَقَتَا) : فِي مَوْضِعِ جَرٍّ نَعْتًا لِفِئَتَيْنِ. وَ (فِئَةٌ) : خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ ; أَيْ إِحْدَاهُمَا فِئَةٌ.
(وَأُخْرَى) : نَعْتٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، تَقْدِيرُهُ: وَفِئَةٌ أُخْرَى «كَافِرَةٌ» .
فَإِنْ قِيلَ: إِذَا قَرَّرْتَ فِي الْأَوَّلِ إِحْدَاهُمَا مُبْتَدَأً كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ وَالْأُخْرَى ; أَيْ وَالْأُخْرَى فِئَةٌ كَافِرَةٌ.
قِيلَ: لَمَّا عُلِمَ أَنَّ التَّفْرِيقَ هُنَا لِنَفْسِ الْمُثَنَّى الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهُ كَانَ التَّعْرِيفُ وَالتَّنْكِيرُ وَاحِدًا.
وَيُقْرَأُ فِي الشَّاذِّ «فِئَةٌ تُقَاتِلُ، وَأُخْرَى كَافِرَةٌ» بِالْجَرِّ فِيهِمَا عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ فِئَتَيْنِ.
وَيُقْرَأُ أَيْضًا بِالنَّصْبِ فِيهِمَا عَلَى أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي الْتَقَتَا ; تَقْدِيرُهُ: الْتَقَتَا مُؤْمِنَةٌ وَكَافِرَةٌ. وَفِئَةٌ وَأُخْرَى عَلَى هَذَا لِلْحَالِ.
وَقِيلَ: فِئَةٌ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا، عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ رَفَعَ، بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي الْتَقَتَا.
(تَرَوْنَهُمْ) : يُقْرَأُ بِالتَّاءِ مَفْتُوحَةً، وَهُوَ مِنْ رُؤْيَةِ الْعَيْنِ.
وَ (مِثْلَيْهِمْ) : حَالٌ ; وَ (رَأْيَ الْعَيْنِ) : مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ.
وَيُقْرَأُ فِي الشَّاذِّ «تَرَوْنَهُمْ» بِضَمِّ التَّاءِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَهُوَ مِنْ أَوْرَى إِذَا دَلَّهُ غَيْرُهُ عَلَيْهِ ; كَقَوْلِكَ أَرَيْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ وَيُقْرَأُ فِي الْمَشْهُورِ بِالْيَاءِ عَلَى الْغَيْبَةِ.
فَأَمَّا الْقِرَاءَةُ بِالتَّاءِ فَلِأَنَّ أَوَّلَ الْآيَةِ خِطَابٌ، وَمَوْضِعُ الْجُمْلَةِ عَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا صِفَةً لِفِئَتَيْنِ ; لِأَنَّ فِيهَا ضَمِيرًا يَرْجِعُ عَلَيْهِمَا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْكَافِ فِي لَكُمْ.
وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ بِالْيَاءِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَعْنَى التَّاءِ، إِلَّا أَنَّهُ رَجَعَ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ ; وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَقَدْ ذُكِرَ نَحْوُهُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ رُؤْيَةِ الْقَلْبِ عَلَى كُلِّ الْأَقْوَالِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ: رَأْيَ الْعَيْنِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ رُؤْيَةَ الْقَلْبِ عِلْمٌ، وَمُحَالٌ أَنْ يَعْلَمَ الشَّيْءَ شَيْئَيْنِ.
(يُؤَيِّدُ) : يُقْرَأُ بِالْهَمْزِ عَلَى الْأَصْلِ وَبِالتَّخْفِيفِ ; وَتَخْفِيفُ الْهَمْزَةِ هُنَا جَعْلُهَا وَاوًا خَالِصَةً ; لِأَجْلِ الضَّمَّةِ قَبْلَهَا، وَلَا يَصِحُّ أَنْ تُجْعَلَ بَيْنَ بَيْنَ لِقُرْبِهَا مِنَ الْأَلِفِ.
وَلَا يَكُونُ مَا قَبْلَ الْأَلِفِ إِلَّا مَفْتُوحًا، وَلِذَلِكَ لَمْ تُجْعَلِ الْهَمْزَةُ الْمَبْدُوءُ بِهَا بَيْنَ بَيْنَ لِاسْتِحَالَةِ الِابْتِدَاءِ بِالْأَلِفِ.
مصادر و المراجع :
١-التبيان في إعراب القرآن
المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري (المتوفى
: 616هـ)
11 ديسمبر 2023
تعليقات (0)