المنشورات

(وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (48) وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ

فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49)) .




قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيُعَلِّمُهُ) : يُقْرَأُ بِالنُّونِ حَمْلًا عَلَى قَوْلِهِ: (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ) [آلِ عِمْرَانَ: 44] وَيُقْرَأُ بِالْيَاءِ حَمْلًا عَلَى «يُبَشِّرُكَ» ، وَمَوْضِعُهُ حَالٌ مَعْطُوفَةٌ عَلَى (وَجِيهًا) .
(وَرَسُولًا) : فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ صِفَةٌ مِثْلُ صَبُورٍ وَشَكُورٍ، فَيَكُونُ حَالًا أَيْضًا ; أَوْ مَفْعُولًا بِهِ عَلَى تَقْدِيرِ: وَيَجْعَلُهُ رَسُولًا ; وَفَعُولٌ هُنَا بِمَعْنَى مُفْعَلٍ ; أَيْ مُرْسَلًا.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
أَبْلِغْ أَبَا سَلْمَى رَسُولًا تُرَوِّعُهُ.
فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَأَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا مَعْطُوفًا عَلَى الْكِتَابِ ; أَيْ نُعَلِّمُهُ رِسَالَةً ; فَإِلَى عَلَى الْوَجْهَيْنِ تَتَعَلَّقُ بِرَسُولٍ ; لِأَنَّهُمَا يَعْمَلَانِ عَمَلَ الْفِعْلِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ «إِلَى» نَعْتًا لِرَسُولٍ فَيَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ.
(أَنِّي) : فِي مَوْضِعِ الْجُمْلَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: جَرٌّ ; أَيْ بِأَنِّي، وَذَلِكَ مَذْهَبُ الْخَلِيلِ، وَلَوْ ظَهَرَتِ الْبَاءُ لَتَعَلَّقَتْ بِرَسُولٍ، أَوْ بِمَحْذُوفٍ يَكُونُ صِفَةً لِرَسُولٍ ; أَيْ نَاطِقًا بِأَنِّي، أَوْ مُخْبِرًا.
وَالثَّانِي: مَوْضِعُهَا نَصْبٌ عَلَى الْمَوْضِعِ، وَهُوَ مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ، أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ: يَذْكُرُ أَنِّي، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ رَسُولٍ إِذَا جَعَلْتَهُ مَصْدَرًا تَقْدِيرُهُ: وَنُعَلِّمُهُ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ.
وَالثَّالِثُ: مَوْضِعُهَا رَفْعٌ ; أَيْ هُوَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ إِذَا جَعَلْتَ رَسُولًا مَصْدَرًا أَيْضًا.
(بِآيَةٍ) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ; أَيْ مُحْتَجًّا بِآيَةٍ.
(مِنْ رَبِّكُمْ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِآيَةٍ، وَأَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِجِئْتُ.
(أَنِّي أَخْلُقُ) : يُقْرَأُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَفِي مَوْضِعِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: جَرٌّ بَدَلًا مِنْ آيَةٍ. وَالثَّانِي: رَفْعٌ ; أَيْ هِيَ أَنِّي.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ «أَنِّي» الْأُولَى.
وَيُقْرَأُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، أَوْ عَلَى إِضْمَارِ الْقَوْلِ.
(كَهَيْئَةِ) : الْكَافُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ نَعْتًا لِمَفْعُولٍ مَحْذُوفٍ ; أَيْ هَيْئَةً كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ، وَالْهَيْئَةُ مَصْدَرٌ فِي مَعْنَى الْمُهَيَّأِ كَالْخَلْقِ بِمَعْنَى الْمَخْلُوقِ.
وَقِيلَ: الْهَيْئَةُ اسْمٌ لِحَالِ الشَّيْءِ وَلَيْسَتْ مَصْدَرًا، وَالْمَصْدَرُ التَّهَيُّؤُ وَالتَّهْيِئَةُ.
وَيُقْرَأُ (كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) : عَلَى إِلْقَاءِ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ عَلَى الْيَاءِ وَحَذْفِهَا، وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْبَقَرَةِ اشْتِقَاقُ الطَّيْرِ وَأَحْكَامُهُ، وَالْهَاءُ فِي (فِيهِ) : تَعُودُ عَلَى مَعْنَى الْهَيْئَةِ ; لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الْمُهَيَّأِ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَعُودَ عَلَى الْكَافِ ; لِأَنَّهَا اسْمٌ بِمَعْنَى مِثْلَ، وَأَنْ تَعُودَ عَلَى الطَّيْرِ، وَأَنْ تَعُودَ عَلَى الْمَفْعُولِ الْمَحْذُوفِ.
(فَيَكُونُ) : أَيْ فَيَصِيرُ، فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ كَانَ هُنَا التَّامَّةَ ; لِأَنَّ مَعْنَاهَا صَارَ، وَصَارَ بِمَعْنَى انْتَقَلَ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ النَّاقِصَةَ، وَ «طَائِرًا» عَلَى الْأَوَّلِ حَالٌ، وَعَلَى الثَّانِي خَبَرٌ.
وَ (بِإِذْنِ اللَّهِ) : يَتَعَلَّقُ بِيَكُونُ. (بِمَا تَأْكُلُونَ) : يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الَّذِي، وَنَكِرَةً مَوْصُوفَةً، وَمَصْدَرِيَّةً، وَكَذَلِكَ مَا الْأُخْرَى. وَالْأَصْلُ فِي: (تَدَّخِرُونَ) : تَذْدَخِرُونَ إِلَّا أَنَّ الذَّالَ مَجْهُورَةٌ، وَالتَّاءَ مَهْمُوسَةٌ، فَلَمْ يَجْتَمِعَا ; فَأُبْدِلَتِ التَّاءُ دَالًا ; لِأَنَّهَا مِنْ مَخْرَجِهَا لِتَقْرُبَ مِنَ الذَّالِ، ثُمَّ أُبْدِلَتِ الذَّالُ دَالًا، وَأُدْغِمَتْ، وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقْلِبُ التَّاءَ ذَالًا، وَيُدْغِمُ، وَيُقْرَأُ بِتَخْفِيفِ الذَّالِ، وَفَتْحِ الْخَاءِ، وَمَاضِيهِ ذَخُرَ.






مصادر و المراجع :

١-التبيان في إعراب القرآن

المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري (المتوفى : 616هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید