المنشورات
(وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي
قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَمَا آتَيْتُكُمْ) : يُقْرَأُ بِكَسْرِ اللَّامِ، وَفِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَخَذَ ; أَيْ لِهَذَا الْمَعْنَى، وَفِيهِ حَذْفُ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ: لِرِعَايَةِ مَا آتَيْتُكُمْ. وَالثَّانِي: أَنْ يَتَعَلَّقَ
بِالْمِيثَاقِ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ ; أَيْ تَوَثَّقْنَا عَلَيْهِمْ لِذَلِكَ. وَمَا بِمَعْنَى الَّذِي، أَوْ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ. وَ (مِنْ كِتَابٍ) : حَالٌ مِنَ الْمَحْذُوفِ، أَوْ مِنَ الَّذِي. وَيُقْرَأُ بِالْفَتْحِ وَتَخْفِيفِ «مَا» وَفِيهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَا بِمَعْنَى الَّذِي، وَمَوْضِعُهَا رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ، وَاللَّامُ لَامُ الِابْتِدَاءِ دَخَلَتْ لِتَوْكِيدِ مَعْنَى الْقَسَمِ.
وَفِي الْخَبَرِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ; أَيِ الَّذِي أُوتِيتُمُوهُ مِنَ الْكِتَابِ، وَالنَّكِرَةُ هُنَا كَالْمَعْرِفَةِ. وَالثَّانِي: الْخَبَرُ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ، وَالْهَاءُ عَائِدَةٌ عَلَى الْمُبْتَدَأِ وَاللَّامُ جَوَابُ الْقَسَمِ ; لِأَنَّ أَخْذَ الْمِيثَاقِ قَسَمٌ فِي الْمَعْنَى. فَأَمَّا قَوْلُهُ: (ثُمَّ جَاءَكُمْ) : فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا آتَيْتُكُمْ، وَالْعَائِدُ عَلَى «مَا» مِنْ هَذَا الْمَعْطُوفِ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: تَقْدِيرُهُ: ثُمَّ جَاءَكُمْ بِهِ، وَاسْتَغْنَى عَنْ إِظْهَارِهِ بِقَوْلِهِ بِهِ فِيمَا بَعْدُ. وَالثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ: لِمَا مَعَكُمْ فِي مَوْضِعِ الضَّمِيرِ تَقْدِيرُهُ: مُصَدِّقٌ لَهُ ; لِأَنَّ الَّذِي مَعَهُمْ هُوَ الَّذِي آتَاهُمْ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَائِدُ ضَمِيرَ الِاسْتِقْرَارِ الْعَامِلَ فِي مَعَ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْهَاءُ فِي «بِهِ» تَعُودُ عَلَى الرَّسُولِ، وَالْعَائِدُ عَلَى الْمُبْتَدَأِ مَحْذُوفٌ، وَسَوَّغَ ذَلِكَ طُولُ الْكَلَامِ، وَأَنَّ تَصْدِيقَ الرَّسُولِ تَصْدِيقٌ لِلَّذِي أُوتِيَهُ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ «مَا» شَرْطٌ، وَاللَّامُ قَبْلَهُ لِتَلَقِّي الْقَسَمِ، كَالَّتِي فِي قَوْلِهِ (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ) [الْأَحْزَابِ: 60] وَلَيْسَتْ لَازِمَةً بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: (وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ) [الْمَائِدَةِ: 73] ; فَعَلَى هَذَا تَكُونُ «مَا» فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِآتَيْتُ، وَالْمَفْعُولُ الثَّانِي ضَمِيرُ الْمُخَاطَبِ، وَمِنْ كِتَابٍ مِثْلُ مِنْ آيَةٍ فِي قَوْلِهِ (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) [الْبَقَرَةِ: 106] وَبَاقِي الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ظَاهِرٌ. وَيُقْرَأُ «لَمَّا» بِفَتْحِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ، وَفِيهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا الزَّمَانِيَّةُ ; أَيْ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ لَمَّا آتَيْنَاهُمْ شَيْئًا مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ، وَرَجَعَ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى الْخِطَابِ عَلَى الْمَأْلُوفِ مِنْ طَرِيقَتِهِمْ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَرَادَ لِمَنْ مَا، ثُمَّ أَبْدَلَ مِنَ النُّونِ مِيمًا لِمُشَابَهَتِهَا إِيَّاهَا، فَتَوَالَتْ ثَلَاثُ مِيمَاتٍ، فَحَذَفَ الثَّانِيَةَ لِضَعْفِهَا بِكَوْنِهَا بَدَلًا، وَحُصُولِ التَّكْرِيرِ بِهَا، ذَكَرَ هَذَا الْمَعْنَى ابْنُ جِنِّيٍّ فِي الْمُحْتَسَبِ. وَيُقْرَأُ آتَيْتُكُمْ عَلَى لَفْظِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ) : وَلِقَوْلِهِ: إِصْرِي.
وَيُقْرَأُ آتَيْنَاكُمْ عَلَى لَفْظِ الْجَمْعِ لِلتَّعْظِيمِ.
(أَأَقْرَرْتُمْ) : فِيهِ حَذْفٌ ; أَيْ بِذَلِكَ.
وَ (إِصْرِي) : بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ لُغَتَانِ قُرِئَ بِهِمَا.
مصادر و المراجع :
١-التبيان في إعراب القرآن
المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري (المتوفى
: 616هـ)
11 ديسمبر 2023
تعليقات (0)