المنشورات

(ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (182)) .

قَوْلُهُ تَعَالَى: (ذَلِكَ) : مُبْتَدَأٌ، وَ «بِمَا» خَبَرُهُ ; وَالتَّقْدِيرُ: مُسْتَحَقٌّ بِمَا قَدَّمَتْ.
وَ (ظَلَّامٍ) : فَعَّالٍ مِنَ الظُّلْمِ. فَإِنْ قِيلَ: بِنَاءُ فَعَّالٍ لِلتَّكْثِيرِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الظُّلْمِ الْكَثِيرِ نَفْيُ الظُّلْمِ الْقَلِيلِ، فَلَوْ قَالَ بِظَالِمٍ لَكَانَ أَدَلَّ عَلَى نَفْيِ الظُّلْمِ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ.
فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ فَعَّالًا قَدْ جَاءَ لَا يُرَادُ بِهِ الْكَثْرَةُ كَقَوْلِ طَرَفَةَ.
وَلَسْتُ بِحَلَّالِ التِّلَاعِ مَخَافَةً وَلَكِنْ مَتَى يَسْتَرْفِدُ الْقَوْمُ أَرْفُدِ.
لَا يُرِيدُ هَاهُنَا أَنَّهُ قَدْ يَحُلُّ التِّلَاعَ قَلِيلًا ; لِأَنَّ ذَلِكَ يَدْفَعُهُ قَوْلُهُ: مَتَى يَسْتَرْفِدُ الْقَوْمُ أَرْفُدِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْبُخْلِ فِي كُلِّ حَالٍ، وَلِأَنَّ تَمَامَ الْمَدْحِ لَا يَحْصُلُ بِإِرَادَتِهِ الْكَثْرَةَ، وَالثَّانِي: أَنَّ ظَلَّامٍ هُنَا لِلْكَثْرَةِ، لِأَنَّهُ مُقَابِلٌ لِلْعِبَادِ، وَفِي الْعِبَادِ كَثْرَةٌ، وَإِذَا قُوبِلَ بِهِمُ الظُّلْمُ كَانَ كَثِيرًا.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ إِذَا نَفَى الظُّلْمَ الْكَثِيرَ انْتَفَى الظُّلْمُ الْقَلِيلُ ضَرُورَةً ; لِأَنَّ الَّذِي يَظْلِمُ إِنَّمَا يَظْلِمُ لِانْتِفَاعِهِ بِالظُّلْمِ، فَإِذَا تَرَكَ الظُّلْمَ الْكَثِيرَ مَعَ زِيَادَةِ نَفْعِهِ فِي حَقِّ مَنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ النَّفْعُ وَالضُّرُّ، كَانَ لِلظُّلْمِ الْقَلِيلِ الْمَنْفَعَةِ أَتْرَكَ.
وَفِيهِ وَجْهٌ رَابِعٌ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عَلَى النَّسَبِ ; أَيْ لَا يُنْسَبُ إِلَى الظُّلْمِ فَيَكُونُ مِنْ بَزَّازٍ وَعَطَّارٍ.





مصادر و المراجع :

١-التبيان في إعراب القرآن

المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري (المتوفى : 616هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید