المنشورات
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ
إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
قَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) فِي أَوَائِلِ الْبَقَرَةِ. (مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِخَلَقَكُمْ، وَمِنْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، وَكَذَلِكَ «مِنْهَا زَوْجَهَا» .
وَ (مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا) : نَعْتٌ لِرِجَالٍ؛ وَلَمْ يُؤَنِّثْهُ لِأَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ رِجَالًا بِمَعْنَى عَدَدٍ أَوْ جِنْسٍ أَوْ جَمْعٍ كَمَا ذُكِرَ الْفِعْلُ الْمُسْنَدُ إِلَى جَمَاعَةِ الْمُؤَنَّثِ؛ كَقَوْلِهِ: «وَقَالَ نِسْوَةٌ» وَقِيلَ: (كَثِيرًا) : نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ: بَثًّا كَثِيرًا.
(تَسَاءَلُونَ) : يُقْرَأُ بِتَشْدِيدِ السِّينِ، وَالْأَصْلُ تَتَسَاءَلُونَ، فَأُبْدِلَتِ التَّاءُ الثَّانِيَةُ سِينًا، فِرَارًا مِنْ تَكْرِيرِ الْمِثْلِ، وَالتَّاءُ تُشْبِهُ السِّينَ فِي الْهَمْسِ، وَيُقْرَأُ بِالتَّخْفِيفِ عَلَى حَذْفِ التَّاءِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَةَ تَدُلُّ عَلَيْهَا وَدَخَلَ حَرْفُ الْجَرِّ فِي الْمَفْعُولِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى تَتَحَالَفُونَ بِهِ.
(وَالْأَرْحَامَ) : يُقْرَأُ بِالنَّصْبِ وَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَعْطُوفٌ عَلَى اسْمِ اللَّهِ؛ أَيْ: وَاتَّقُوا الْأَرْحَامَ أَنْ تَقْطَعُوهَا. وَالثَّانِي: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَوْضِعِ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ، كَمَا تَقُولُ مَرَرْتُ بِزَيْدٍ وَعَمْرًا؛ وَالتَّقْدِيرُ: الَّذِي تُعَظِّمُونَهُ وَالْأَرْحَامَ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ بِهِ تَعْظِيمٌ لَهُ، وَيُقْرَأُ بِالْجَرِّ قِيلَ: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَجْرُورِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ، وَإِنَّمَا جَاءَ فِي الشِّعْرِ عَلَى قُبْحِهِ، وَأَجَازَهُ الْكُوفِيُّونَ عَلَى ضَعْفٍ.
وَقِيلَ: الْجَرُّ عَلَى الْقَسَمِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ وَرَدَتْ بِالنَّهْيِ عَنِ الْحَلِفِ بِالْآبَاءِ، وَلِأَنَّ التَّقْدِيرَ فِي الْقَسَمِ: وَبِرَبِّ الْأَرْحَامِ، هَذَا قَدْ أَغْنَى عَنْهُ مَا قَبْلَهُ.
وَقَدْ قُرِئَ شَاذًّا بِالرَّفْعِ، وَهُوَ مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: وَالْأَرْحَامُ مُحْتَرَمَةٌ، أَوْ وَاجِبٌ حُرْمَتُهَا.
مصادر و المراجع :
١-التبيان في إعراب القرآن
المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري (المتوفى
: 616هـ)
11 ديسمبر 2023
تعليقات (0)