المنشورات
(وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا) (5) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَمْوَالَكُمُ الَّتِي) : الْجُمْهُورُ عَلَى إِفْرَادِ الَّتِي؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ مِنَ الْأَمْوَالِ
مُذَكَّرٌ؛ فَلَوْ قَالَ اللَّوَاتِي لَكَانَ جَمْعًا، كَمَا أَنَّ الْأَمْوَالَ جَمْعٌ، وَالصِّفَةُ إِذَا جُمِعَتْ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْمَوْصُوفَ جَمْعٌ كَانَ وَاحِدُهَا كَوَاحِدِ الْمَوْصُوفِ فِي التَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ. وَقُرِئَ فِي الشَّاذِّ اللَّوَاتِي جَمْعًا اعْتِبَارًا بِلَفْظِ الْأَمْوَالِ. (جَعَلَ اللَّهُ) : أَيْ: صَيَّرَهَا، فَهُوَ مُتَعَدٍّ إِلَى مَفْعُولَيْنِ، وَالْأَوَّلُ مَحْذُوفٌ، وَهُوَ الْعَائِدُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى خَلَقَ، فَيَكُونُ قِيَامًا حَالًا. (قِيَامًا) : يُقْرَأُ بِالْيَاءِ وَالْأَلِفِ، وَهُوَ مَصْدَرُ قَامَ، وَالْيَاءُ بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ، وَأُبْدِلَتْ مِنْهَا لَمَّا أُعِلَّتْ فِي الْفِعْلِ، وَكَانَتْ قَبْلَهَا كَسْرَةٌ، وَالتَّقْدِيرُ: الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ سَبَبَ قِيَامِ أَبْدَانِكُمْ؛ أَيْ: بَقَائِهَا.
وَيُقْرَأُ قِيَمًا - بِغَيْرِ أَلِفٍ، وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ مَصْدَرٌ مِثْلُ الْحَوْلِ وَالْعِوَضِ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ تُثْبَتَ الْوَاوُ لِتَحَصُّنِهَا بِتَوَسُّطِهَا، كَمَا صَحَّتْ فِي الْحَوْلِ وَالْعِوَضِ، وَلَكِنْ أَبْدَلُوهَا يَاءً حَمْلًا عَلَى «قِيَامٍ» عَلَى اعْتِلَالِهَا فِي الْفِعْلِ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا جَمْعُ قِيمَةٍ كَدِيمَةٍ وَدِيَمٍ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْأَمْوَالَ كَالْقِيَمِ لِلنُّفُوسِ إِذْ كَانَ بَقَاؤُهَا بِهَا،فَالْعَامِلُ فِي «إِذَا» مَا يَتَلَخَّصُ مِنْ مَعْنَى جَوَابِهَا؛ فَالتَّقْدِيرُ: إِذَا بَلَغُوا رَاشِدِينَ فَادْفَعُوا. (إِسْرَافًا وَبِدَارًا) : مَصْدَرَانِ مَفْعُولٌ لَهُمَا. وَقِيلَ: هُمَا مَصْدَرَانِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ؛ أَيْ: مُسْرِفِينَ وَمُبَادِرِينَ، وَالْبِدَارُ مَصْدَرُ بَادَرْتُ، وَهُوَ مِنْ بَابِ الْمُفَاعَلَةِ الَّتِي تَكُونُ بَيْنَ اثْنَيْنِ؛ لِأَنَّ الْيَتِيمَ مَارٌّ إِلَى الْكِبَرِ، وَالْوَلِيَّ مَارٌّ إِلَى أَخْذِ مَالِهِ، فَكَأَنَّهُمَا يَسْتَبِقَانِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ «مِنْ وَاحِدٍ» . (أَنْ يَكْبَرُوا) مَفْعُولُ بِدَارٍ؛ أَيْ: بِدَارًا كِبَرَهُمْ. (وَكَفَى بِاللَّهِ) : فِي فَاعِلِ كَفَى وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ اسْمُ اللَّهِ، وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ، دَخَلَتْ لِتَدُلَّ عَلَى مَعْنَى الْأَمْرِ، إِذِ التَّقْدِيرُ: اكْتَفِ بِاللَّهِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْفَاعِلَ مُضْمَرٌ، وَالتَّقْدِيرُ: كَفَى الِاكْتِفَاءُ بِاللَّهِ، فَبِاللَّهِ عَلَى هَذَا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ مَفْعُولًا بِهِ. وَ (حَسِيبًا) : حَالٌ. وَقِيلَ: تَمْيِيزٌ. وَكَفَى يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ، وَقَدْ حُذِفَا هُنَا؛ وَالتَّقْدِيرُ: كَفَاكَ اللَّهُ شَرَّهُمْ، وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ) [الْبَقَرَةِ: 137] .
مصادر و المراجع :
١-التبيان في إعراب القرآن
المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري (المتوفى
: 616هـ)
11 ديسمبر 2023
تعليقات (0)