المنشورات
(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ
وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) (34) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) : " عَلَى " مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوَّامُونَ. وَ (بِمَا) : مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ أَيْضًا، وَلَمَّا كَانَ الْحَرْفَانِ بِمَعْنَيَيْنِ، جَازَ تَعَلُّقُهُمَا بِشَيْءٍ وَاحِدٍ؛ فَـ " عَلَى " عَلَى هَذَا لَهَا مَعْنًى غَيْرُ مَعْنَى الْبَاءِ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، فَتَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: مُسْتَحِقِّينَ
بِتَفْضِيلِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ؛ وَصَاحِبُ الْحَالِ الضَّمِيرُ فِي قَوَّامُونَ، وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ. فَأَمَّا " مَا " فِي قَوْلِهِ " وَبِمَا أَنْفَقُوا " فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً، فَتَتَعَلَّقُ مِنْ بِأَنْفَقُوا، وَلَا حَذْفَ فِي الْكَلَامِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الَّذِي، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ: وَبِالَّذِي أَنْفَقُوهُ؛ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ " مِنْ أَمْوَالِهِمْ " حَالًا. (فَالصَّالِحَاتُ) : مُبْتَدَأٌ. " قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ " خَبَرَانِ عَنْهُ.
وَقُرِئَ: " فَالصَّوَالِحُ قَوَانِتُ حَوَافِظُ " وَهُوَ جَمْعُ تَكْثِيرٍ دَلَّ عَلَى الْكَثْرَةِ، وَجَمْعُ التَّصْحِيحِ لَا يَدُلُ عَلَى الْكَثْرَةِ بِوَضْعِهِ، وَقَدِ اسْتُعْمِلَ فِيهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ) [سَبَأٍ: 37] . (بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) : فِي " مَا " ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ " بِمَعْنَى الَّذِي، وَنَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، وَمَصْدَرِيَّةٌ. وَقُرِئَ: بِمَا حَفِظَ اللَّهَ، بِنَصْبِ اسْمِ اللَّهِ، وَمَا عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ بِمَعْنَى الَّذِي، أَوْ نَكِرَةٌ، وَالْمُضَافُ مَحْذُوفٌ؛ وَالتَّقْدِيرُ: بِمَا حَفِظَ أَمْرَ اللَّهِ، أَوْ دِينَ اللَّهِ، وَقَالَ قَوْمٌ هِيَ مَصْدَرِيَّةٌ، وَالتَّقْدِيرُ: حَفِظَهُنَّ اللَّهُ، وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ خَلَا الْفِعْلُ عَنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ؛ لِأَنَّ الْفَاعِلَ هُنَا جَمْعُ الْمُؤَنَّثِ، وَذَلِكَ يَظْهَرُ ضَمِيرُهُ فَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِمَا حَفِظَهُنَّ اللَّهُ، وَقَدْ صُوِّبَ هَذَا الْقَوْلُ، وَجُعِلَ الْفَاعِلُ فِيهِ لِلْجِنْسِ، وَهُوَ مُفْرَدٌ مُذَكَّرٌ فَلَا يَظْهَرُ لَهُ ضَمِيرٌ. (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ) : مِثْلُ قَوْلِهِ (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ) [النِّسَاءِ: 15] وَمِثْلُ: (وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا) [النِّسَاءِ: 16] وَقَدْ ذُكِرَا. (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ) : فِي: " فِي " وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هِيَ ظَرْفٌ لِلْهِجْرَانِ؛ أَيِ: اهْجُرُوهُنَّ فِي مَوَاضِعِ الِاضْطِجَاعِ؛ أَيِ: اتْرُكُوا مَضَاجِعَهُنَّ دُونَ تَرْكِ مُكَالَمَتِهِنَّ. الثَّانِي: هِيَ بِمَعْنَى السَّبَبِ؛ أَيْ: وَاهْجُرُوهُنَّ بِسَبَبِ الْمَضَاجِعِ، كَمَا تَقُولُ فِي هَذِهِ الْجِنَايَةِ عُقُوبَةٌ. (فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ) : فِي " تَبْغُوا " وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ مِنَ الْبَغْيِ الَّذِي هُوَ الظُّلْمُ؛ فَعَلَى هَذَا هُوَ غَيْرُ مُتَعَدٍّ. وَ (سَبِيلًا) : عَلَى هَذَا مَنْصُوبٌ عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ حَرْفِ الْجَرِّ؛ أَيْ: بِسَبِيلٍ مَا. وَالثَّانِي: هُوَ مِنْ قَوْلِكَ بَغَيْتُ الْأَمْرَ؛ أَيْ: طَلَبْتُهُ؛ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا وَ " سَبِيلًا " مَفْعُولُهُ، وَعَلَيْهِنَّ مِنْ نَعْتِ السَّبِيلِ؛ فَيَكُونُ حَالًا لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ.
مصادر و المراجع :
١-التبيان في إعراب القرآن
المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري (المتوفى
: 616هـ)
11 ديسمبر 2023
تعليقات (0)