المنشورات
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا
وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) (135) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (شُهَدَاءَ) : خَبَرٌ ثَانٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي «قَوَّامِينَ» . (عَلَى أَنْفُسِكُمْ) : يَتَعَلَّقُ بِفِعْلٍ دَلَّ عَلَيْهِ «شُهَدَاءَ» ؛ أَيْ: وَلَوْ شَهِدْتُمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِقَوَّامِينَ. (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا) : اسْمُ كَانَ مُضْمَرٌ فِيهَا دَلَّ عَلَيْهِ تَقَدُّمُ ذِكْرِ الشَّهَادَةِ؛ أَيْ: إِنْ كَانَ الْخَصْمُ، أَوْ إِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَالْمَشْهُودِ لَهُ.
وَفِي (أَوِ) : وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هِيَ بِمَعْنَى الْوَاوِ، وَحُكِيَ عَنِ الْأَخْفَشِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الضَّمِيرُ فِي: بِهِمَا عَائِدًا عَلَى لَفْظِ غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ «أَوْ» عَلَى بَابِهَا، وَهِيَ هُنَا لِتَفْصِيلِ مَا أُبْهِمَ فِي الْكَلَامِ، وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَالْمَشْهُودِ لَهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ غَنِيًّا وَأَنْ يَكُونَ فَقِيرًا، فَقَدْ يَكُونَانِ غَنِيَّيْنِ، وَقَدْ يَكُونَانِ فَقِيرَيْنِ، وَقَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا غَنِيًّا وَالْآخَرُ فَقِيرًا، فَلَمَّا كَانَتِ الْأَقْسَامُ عِنْدَ التَّفْصِيلِ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ تُذْكَرْ، أَتَى بَأَوْ لِتَدُلَّ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ؛ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الضَّمِيرُ فِي بِهِمَا عَائِدًا عَلَى الْمَشْهُودِ لَهُ وَالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ عَلَى أَيِّ وَصْفٍ كَانَا عَلَيْهِ لَا عَلَى الصِّفَةِ. وَقِيلَ: الضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ؛ وَالتَّقْدِيرُ: فَاللَّهُ أَوْلَى بِالْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ. وَقِيلَ يَعُودُ عَلَى الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ لِدَلَالَةِ الِاسْمَيْنِ عَلَيْهِ. (أَنْ تَعْدِلُوا) : فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا تَقْدِيرُهُ: فِي أَنْ لَا تَعْدِلُوا فَحَذَفَ لَا؛ أَيْ: لَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى فِي تَرْكِ الْعَدْلِ. وَالثَّانِي: تَقْدِيرُهُ: ابْتِغَاءَ أَنْ تَعْدِلُوا عَنِ الْحَقِّ. وَالثَّالِثُ: تَقْدِيرُهُ: مَخَافَةَ أَنْ تَعْدِلُوا عَنِ الْحَقِّ، وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ هُوَ مَفْعُولٌ لَهُ،وَيُقْرَأُ «نَزَّلَ» عَلَى تَسْمِيَةِ الْفَاعِلِ، وَأَنْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ. وَتَلْخِيصُ الْمَعْنَى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمُ الْمَنْعَ مِنْ مُجَالَسَتِهِمْ عِنْدَ سَمَاعِ الْكُفْرِ مِنْهُمْ. وَ (يُكْفَرُ بِهَا) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الْآيَاتِ، وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: يَكْفُرُ بِهَا أَحَدٌ، فَحَذَفَ الْفَاعِلَ، وَأَقَامَ الْجَارَّ مَقَامَهُ، وَالضَّمِيرُ فِي «مَعَهُمْ» عَائِدٌ عَلَى الْمَحْذُوفِ، «فَلَا تَقْعُدُوا» مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْنَى أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَعْنَى وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ؛ وَقَدْ قِيلَ، وَالْفَاءُ جَوَابُ إِذَا. (إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ) : إِذا هَاهُنَا مُلْغَاةٌ لِوُقُوعِهَا بَيْنَ الِاسْمِ وَالْخَبَرِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْ بَعْدَهَا الْفِعْلَ، وَأَفْرَدَ «مَثَلًا» ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْمَصْدَرِ؛ وَمِثْلُهُ: (أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا) [الْمُؤْمِنُونَ: 47] وَقَدْ جُمِعَ فِي قَوْلِهِ: (ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) [مُحَمَّدٍ: 38] وَقُرِئَ شَاذًّا «مِثْلَهُمْ» بِالْفَتْحِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ لِإِضَافَتِهِ إِلَى الْمُبْهَمِ، كَمَا بُنِيَ فِي قَوْلِهِ: (مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) [الذَّارِيَّاتِ: 23] ، وَيُذْكَرُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقِيلَ: نُصِبَ عَلَى الظَّرْفِ كَمَا قِيلَ: فِي بَيْتِ الْفَرَزْدَقِ: وَإِذْ مَا مِثْلَهُمْ بَشَرُ
؛ أَيْ: إِنَّكُمْ فِي مِثْلِ حَالِهِمْ.
مصادر و المراجع :
١-التبيان في إعراب القرآن
المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري (المتوفى
: 616هـ)
12 ديسمبر 2023
تعليقات (0)