المنشورات
(وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ
وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا) (157) (بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) (158) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا) : هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى: وَكُفْرِهِمْ. وَ (عِيسَى) : بَدَلٌ، أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ مِنَ الْمَسِيحِ، وَ (رَسُولَ اللَّهِ) : كَذَلِكَ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ (رَسُولَ اللَّهِ) صِفَةً لِعِيسَى، وَأَنْ يَكُونَ عَلَى إِضْمَارِ أَعْنِي.
(لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) : مِنْهُ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ صِفَةٌ لِشَكٍّ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِشَكٍّ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى لَفِي شَكٍّ حَادِثٍ مِنْهُ؛ أَيْ: مِنْ جِهَتِهِ، وَلَا يُقَالُ شَكَكْتُ مِنْهُ، فَإِنِ ادَّعَى أَنَّ مِنْ بِمَعْنَى فِي فَلَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ عِنْدَنَا.
(مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ الْجُمْلَةِ الْمَنْفِيَّةِ جَرًّا صِفَةً مُؤَكِّدَةً لِشَكٍّ؛ تَقْدِيرُهُ: لَفِي شَكٍّ مِنْهُ غَيْرِ عِلْمٍ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُسْتَأْنَفَةً، وَمِنْ زَائِدَةً، وَفِي مَوْضِعِ مِنْ عِلْمٍ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ، وَمَا قَبْلَهُ الْخَبَرُ، وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ بِهِ، «وَلَهُمْ» فَضْلَةٌ مُبَيِّنَةٌ مُخَصِّصَةٌ كَالَّتِي فِي قَوْلِهِ: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) [الْإِخْلَاصِ: 4] فَعَلَى هَذَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الِاسْتِقْرَارُ. وَالثَّانِي: أَنَّ لَهُمْ هُوَ الْخَبَرُ، وَفِي بِهِ عَلَى هَذَا عِدَّةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ الْمَسَّتَكِنِّ فِي الْخَبَرِ، وَالْعَامِلُ فِيهِ الِاسْتِقْرَارُ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ مِنْ زَائِدَةٌ، فَلَمْ تَمْنَعْ مِنْ تَقْدِيمِ الْحَالِ، عَلَى أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْبَصْرِيِّينَ يُجِيزُ تَقْدِيمَ حَالِ الْمَجْرُورِ عَلَيْهِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ عَلَى التَّبْيِينِ؛ أَيْ: مَا لَهُمْ أَعْنِي بِهِ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ عِلْمٍ؛ لِأَنَّ مَعْمُولَ الْمَصْدَرِ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ:
أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ «مِنْ عِلْمٍ» رَفْعًا بِأَنَّهُ فَاعِلٌ، وَالْعَامِلُ فِيهِ الظَّرْفُ؛ إِمَّا لَهُمْ أَوْ بِهِ. (إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ) : اسْتِثْنَاءٌ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ. (وَمَا قَتَلُوهُ) : الْهَاءُ ضَمِيرُ عِيسَى. وَقِيلَ: ضَمِيرُ الْعِلْمِ؛ أَيْ: وَمَا قَتَلُوا الْعِلْمَ يَقِينًا، كَمَا يُقَالُ قَتَلْتُهُ عِلْمًا. وَ (يَقِينًا) : صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ: قَتْلًا يَقِينًا، أَوْ عِلْمًا يَقِينًا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا مِنْ غَيْرِ لَفْظِ الْفِعْلِ؛ بَلْ مِنْ مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى مَا قَتَلُوهُ مَا عَمِلُوا. وَقِيلَ التَّقْدِيرُ: تَيَقَّنُوا ذَلِكَ يَقِينًا. (بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ) : الْجَيِّدُ إِدْغَامُ اللَّامِ فِي الرَّاءِ؛ لِأَنَّ مَخْرَجَهُمَا وَاحِدٌ، وَفِي الرَّاءِ تَكْرِيرٌ، فَهِيَ أَقْوَى مِنَ اللَّامِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الرَّاءُ إِذَا تَقَدَّمَتْ؛ لِأَنَّ إِدْغَامَهَا يُذْهِبُ التَّكْرِيرَ الَّذِي فِيهَا، وَقَدْ قُرِئَ بِالْإِظْهَارِ هُنَا.
مصادر و المراجع :
١-التبيان في إعراب القرآن
المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري (المتوفى
: 616هـ)
12 ديسمبر 2023
تعليقات (0)