المنشورات
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (69) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالصَّابِئُونَ) : يُقْرَأُ بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَةِ عَلَى الْأَصْلِ، وَبِحَذْفِهَا وَضَمِّ الْبَاءِ، وَالْأَصْلُ عَلَى هَذَا صَبَا بِالْأَلِفِ الْمُبْدَلَةِ مِنَ الْهَمْزَةِ، وَيُقْرَأُ بِيَاءٍ مَضْمُومَةٍ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ أَبْدَلَ الْهَمْزَةَ؛ يَاءً لِانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا، وَلَمْ يَحْذِفْهَا لِتَدُلَّ عَلَى أَنَّ أَصْلَهَا حَرْفٌ يَثْبُتُ،وَيُقْرَأُ بِالْهَمْزَةِ وَالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الَّذِينَ، وَهُوَ شَاذٌّ فِي الرِّوَايَةِ، صَحِيحٌ فِي الْقِيَاسِ، وَهُوَ مِثْلُ الَّذِي فِي الْبَقَرَةِ، وَالْمَشْهُورُ فِي الْقِرَاءَةِ الرَّفْعُ، وَفِيهَا أَقْوَالٌ أَحَدُهَا: قَوْلُ سِيبَوَيْهِ: وَهُوَ أَنَّ النِّيَّةَ بِهِ التَّأْخِيرُ بَعْدَ خَبَرِ إِنَّ؛ وَتَقْدِيرُهُ: وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، وَالصَّابِئُونَ كَذَلِكَ، فَهُوَ مُبْتَدَأٌ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ وَمِثْلُهُ: فَإِنَّى وَقَيَّارٌ بِهَا لَغَرِيبُ
أَيْ: فَإِنِّي لَغَرِيبٌ وَقَيَّارٌ بِهَا كَذَلِكَ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَوْضِعِ إِنَّ؛ كَقَوْلِكَ: إِنَّ زَيْدًا وَعَمْرٌو قَائِمَانِ، وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ خَبَرَ إِنَّ لَمْ يَتِمَّ، وَقَائِمَانِ إِنْ جَعَلْتَهُ خَبَرَ إِنَّ لَمْ يَبْقَ لِعَمْرٍو خَبَرٌ، وَإِنْ جَعَلْتَهُ خَبَرَ عَمْرٍو لَمْ يَبْقَ لِإِنَّ خَبَرٌ، ثُمَّ هُوَ مُمْتَنِعٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّكَ تُخْبِرُ بِالْمُثَنَّى عَنِ الْمُفْرَدِ، فَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) : عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ رَفَعَ «مَلَائِكَتُهُ» ، فَخَبَرُ إِنَّ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ:
إِنَّ اللَّهَ يُصَلِّي، وَأَغْنَى عَنْهُ خَبَرُ الثَّانِي؛ وَكَذَلِكَ لَوْ قُلْتَ: إِنَّ عَمْرًا وَزَيْدٌ قَائِمٌ، فَرَفَعْتَ زَيْدًا، جَازَ عَلَى أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً، وَقَائِمٌ خَبَرَهُ، أَوْ خَبَرَ إِنَّ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ «الصَّابِئُونَ» مَعْطُوفٌ عَلَى الْفَاعِلِ فِي هَادُوا، وَهَذَا فَاسِدٌ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُوجِبُ كَوْنَ الصَّابِئِينَ هُودًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَالثَّانِي: أَنَّ الضَّمِيرَ لَمْ يُؤَكَّدْ. وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ خَبَرُ الصَّابِئِينَ مَحْذُوفًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْوَى بِهِ التَّأْخِيرُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا؛ لِمَا فِيهِ مِنْ لُزُومِ الْحَذْفِ، وَالْفَصْلِ. وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ: أَنَّ إِنْ بِمَعْنَى نَعِمْ، فَمَا بَعْدَهَا فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، فَالصَّابِئُونَ كَذَلِكَ.
وَالسَّادِسُ: أَنَّ «الصَّابِئُونَ» فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، وَلَكِنَّهُ جَاءَ عَلَى لُغَةِ بَلْحَرِثِ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ التَّثْنِيَةَ بِالْأَلِفِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَالْجَمْعَ بِالْوَاوِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَهُوَ بَعِيدٌ. وَالْقَوْلُ السَّابِعُ: أَنْ يَجْعَلَ النُّونَ حَرْفَ الْإِعْرَابِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَأْبُوا عَلَيَّ، إِنَّمَا أَجَازَ ذَلِكَ مَعَ الْيَاءِ لَا مَعَ الْوَاوِ، قِيلَ: قَدْ أَجَازَهُ غَيْرُهُ وَالْقِيَاسُ لَا يَدْفَعُهُ، فَأَمَّا «النَّصَارَى» فَالْجَيِّدُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْقِيَاسِ الْمُطَّرِدِ، وَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إِلَى غَيْرِهِ.
مصادر و المراجع :
١-التبيان في إعراب القرآن
المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري (المتوفى
: 616هـ)
12 ديسمبر 2023
تعليقات (0)