المنشورات
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ
فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ) (106) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ) : يُقْرَأُ بِرَفْعِ الشَّهَادَةِ، وَإِضَافَتِهَا إِلَى بَيْنِكُمْ، وَالرَّفْعُ عَلَى
الِابْتِدَاءِ، وَالْإِضَافَةُ هُنَا إِلَى «بَيْنِ» عَلَى أَنْ تُجْعَلَ بَيْنَ مَفْعُولًا بِهِ عَلَى السَّعَةِ، وَالْخَبَرُ «اثْنَانِ» ؛ وَالتَّقْدِيرُ: شَهَادَةُ اثْنَيْنِ.
وَقِيلَ التَّقْدِيرُ: ذَوَا شَهَادَةِ بَيْنِكُمُ اثْنَانِ، فَحُذِفَ الْمُضَافُ الْأَوَّلُ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ «إِذَا حَضَرَ» ظَرْفًا لِلشَّهَادَةِ. وَأَمَّا «حِينَ الْوَصِيَّةِ» فَفِيهِ عَلَى هَذَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: هُوَ ظَرْفٌ لِلْمَوْتِ. وَالثَّانِي: ظَرْفٌ لِحَضَرَ، وَجَازَ ذَلِكَ إِذْ كَانَ الْمَعْنَى حَضَرَ أَسْبَابَ الْمَوْتِ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ إِذَا. وَقِيلَ «شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ» مُبْتَدَأٌ، وَخَبَرُهُ «إِذَا حَضَرَ» وَ «حِينَ» عَلَى الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ فِي الْإِعْرَابِ.
وَقِيلَ: خَبَرُ الشَّهَادَةِ حِينَ، وَإِذَا ظَرْفٌ لِلشَّهَادَةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ «إِذَا» خَبَرًا لِلشَّهَادَةِ، وَحِينَ ظَرْفًا لَهَا، إِذْ فِي ذَلِكَ الْفَصْلِ بَيْنَ الْمَصْدَرِ، وَصِلَتِهِ بِخَبَرِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَعْمَلَ الْوَصِيَّةُ فِي إِذَا؛ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ لَا يَعْمَلُ فِيمَا قَبْلَهُ، وَلَا الْمُضَافُ إِلَيْهِ فِي الْإِعْرَابِ يَعْمَلُ فِيمَا قَبْلَهُ، وَإِذَا جَعَلْتَ الظَّرْفَ خَبَرًا عَنِ الشَّهَادَةِ، فَاثْنَانِ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيِ: الشَّاهِدَانِ اثْنَانِ.
وَقِيلَ: الشَّهَادَةُ مُبْتَدَأٌ، وَإِذَا وَحِينَ غَيْرُ خَبَرَيْنِ؛ بَلْ هُمَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الظَّرْفِيَّةِ، وَاثْنَانِ فَاعِلُ «شَهَادَةُ» ، وَأَغْنَى الْفَاعِلُ عَنْ خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ.
وَ (ذَوَا عَدْلٍ) : صِفَةٌ لِاثْنَيْنِ، وَكَذَلِكَ «مِنْكُمْ» (أَوْ آخَرَانِ) : مَعْطُوفٌ عَلَى اثْنَانِ. وَ (مِنْ غَيْرِكُمْ) : صِفَةٌ لَآخَرَانِ.
وَ (إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ) : مُعْتَرِضٌ بَيْنَ آخَرَانِ وَبَيْنَ صِفَتِهِ، وَهُوَ «تَحْبِسُونَهُمَا» ؛ أَيْ: أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ مَحْبُوسَانِ. وَ «مِنْ بَعْدِ» مُتَعَلِّقٌ بِتَحْبِسُونَ، وَأَنْتُمْ مَرْفُوعٌ بِأَنَّهُ فَاعِلُ فِعْلٍ مَحْذُوفٍ؛ لِأَنَّهُ وَاقِعٌ بَعْدَ إِنِ الشَّرْطِيَّةِ، فَلَا يَرْتَفِعُ بِالِابْتِدَاءِ، وَالتَّقْدِيرُ: إِنْ ضَرَبْتُمْ، فَلَمَّا حُذِفَ الْفِعْلُ، وَجَبَ أَنْ يُفْصَلَ الضَّمِيرُ، فَيَصِيرُ أَنْتُمْ لِيَقُومَ بِنَفْسِهِ، وَضَرَبْتُمْ تَفْسِيرٌ لِلْفِعْلِ الْمَحْذُوفِ لَا مَوْضِعَ لَهُ.
«فَيُقْسِمَانِ» جُمْلَةٌ مَعْطُوفَةٌ عَلَى تَحْبِسُونَهُمَا. وَ (إِنِ ارْتَبْتُمْ) : مُعْتَرِضٌ بَيْنَ يُقْسِمَانِ وَجَوَابِهِ، وَهُوَ «لَا نَشْتَرِي» وَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، أَغْنَى عَنْهُ مَعْنَى الْكَلَامِ، وَالتَّقْدِيرُ: إِنِ ارْتَبْتُمْ فَاحْبِسُوهُمَا، أَوْ فَحَلِّفُوهُمَا، وَإِنْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَشْهِدُوا اثْنَيْنِ. (وَلَا نَكْتُمُ) : جَوَابُ يُقْسِمَانِ؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْيَمِينِ.
وَالْهَاءُ فِي: «بِهِ» تَعُودُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ عَلَى الْقَسَمِ أَوِ الْيَمِينِ أَوِ الْحَلِفِ أَوْ عَلَى تَحْرِيفِ الشَّهَادَةِ أَوْ عَلَى الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهَا قَوْلٌ. وَ (ثَمَنًا) : مَفْعُولُ نَشْتَرِي، وَلَا حَذْفَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ يُشْتَرَى، كَمَا يُشْتَرَى بِهِ.
وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: ذَا ثَمَنٍ. (وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) أَيْ: وَلَوْ كَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ. . .
(وَلَا نَكْتُمُ) : مَعْطُوفٌ عَلَى لَا نَشْتَرِي. وَأَضَافَ الشَّهَادَةَ إِلَى اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِهَا فَصَارَتْ لَهُ. وَيُقْرَأُ «شَهَادَةً» بِالتَّنْوِينِ، وَأَلَّلَهُ بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ مِنْ غَيْرِ مَدٍّ، وَبِكَسْرِ الْهَاءِ، عَلَى أَنَّهُ جَرَّهُ بِحَرْفِ الْقَسَمِ مَحْذُوفًا، وَقَطَعَ الْهَمْزَةَ تَنْبِيهًا عَلَى ذَلِكَ.
وَقِيلَ: قَطْعُهَا عِوَضٌ مِنْ حَرْفِ الْقَسَمِ، وَيُقْرَأُ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ بِوَصْلِ الْهَمْزَةِ، وَالْجَرُّ عَلَى الْقَسَمِ مِنْ غَيْرِ تَعْوِيضٍ وَلَا تَنْبِيهٍ.
وَيُقْرَأُ كَذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهُ بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ وَمَدِّهَا، وَالْهَمْزَةُ عَلَى هَذَا عِوَضٌ مِنْ حَرْفِ الْقَسَمِ، وَيُقْرَأُ بِتَنْوِينِ الشَّهَادَةِ، وَوَصْلُ الْهَمْزَةِ، وَنَصْبُ اسْمِ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ مَدٍّ عَلَى أَنَّهُ مَنْصُوبٌ بِفِعْلِ الْقَسَمِ مَحْذُوفًا.
مصادر و المراجع :
١-التبيان في إعراب القرآن
المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري (المتوفى
: 616هـ)
12 ديسمبر 2023
تعليقات (0)