المنشورات

(وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِي وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ) (80) .

قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَتُحَاجُّونِّي) : يُقْرَأُ بِتَشْدِيدِ النُّونِ عَلَى إِدْغَامِ نُونِ الرَّفْعِ فِي نُونِ الْوِقَايَةِ، وَالْأَصْلُ تُحَاجُّونَنِي.
وَيُقْرَأُ بِالتَّخْفِيفِ عَلَى حَذْفِ إِحْدَى النُّونَيْنِ، وَفِي الْمَحْذُوفَةِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هِيَ نُونُ الْوِقَايَةِ؛ لِأَنَّهَا الزَّائِدَةُ الَّتِي حَصَلَ بِهَا الِاسْتِثْقَالُ، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ فِي الشِّعْرِ. وَالثَّانِي: الْمَحْذُوفَةُ نُونُ الرَّفْعِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَعَتْ إِلَى نُونٍ مَكْسُورَةٍ مِنْ أَجْلِ الْيَاءِ، وَنُونُ الرَّفْعِ لَا تُكْسَرُ، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ فِي الشِّعْرِ كَثِيرًا؛ قَالَ الشَّاعِرُ: كُلٌّ لَهُ نِيَّةٌ فِي بُغْضِ صَاحِبِهِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ نَقْلِيكُمْ وَتَقْلُونَا.
أَيْ: تَقْلُونَنَا، وَالنُّونُ الثَّانِيَةُ هُنَا لَيْسَتْ وِقَايَةً؛ بَلْ هِيَ مِنَ الضَّمِيرِ، وَحَذْفُ بَعْضِ الضَّمِيرِ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ عَلَامَةَ الرَّفْعِ لَا تُحْذَفُ إِلَّا بِعَامِلٍ.
(مَا تُشْرِكُونَ بِهِ) : «مَا» بِمَعْنَى الَّذِي؛ أَيْ: وَلَا أَخَافُ الصَّنَمَ الَّذِي تُشْرِكُونَهُ بِهِ؛ أَيْ: بِاللَّهِ، فَالْهَاءُ فِي بِهِ ضَمِيرُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْهَاءُ عَائِدَةً عَلَى مَا؛ أَيْ: وَلَا أَخَافُ الَّذِي تُشْرِكُونَ بِسَبَبِهِ، وَلَا تَعُودُ عَلَى اللَّهِ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ «مَا» نَكِرَةً مَوْصُوفَةً، وَأَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً.
(إِلَّا أَنْ يَشَاءَ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاءً مِنْ جِنْسِ الْأَوَّلِ تَقْدِيرُهُ: إِلَّا فِي حَالِ مَشِيئَةِ رَبِّي؛ أَيْ: لَا أَخَافُهَا فِي كُلِّ حَالٍ إِلَّا فِي هَذِهِ الْحَالِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ الْأَوَّلِ؛ أَيْ: لَكِنْ أَخَافُ أَنْ يَشَاءَ بِي خَوْفِي مَا أَشْرَكْتُمْ.
وَ (شَيْئًا) : نَائِبٌ عَنِ الْمَصْدَرِ؛ أَيْ: مَشِيئَةً؛ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا بِهِ؛ أَيْ: إِلَّا أَنْ يَشَاءَ بِي أَمْرًا غَيْرَ مَا قُلْتُ.
وَ (عِلْمًا) : تَمْيِيزٌ وَ (كُلَّ شَيْءٍ) : مَفْعُولُ وَسِعَ؛ أَيْ: عَلِمَ كُلَّ شَيْءٍ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ «عِلْمًا» عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ: مَصْدَرًا لِمَعْنَى وَسِعَ؛ لِأَنَّ مَا يَسَعُ الشَّيْءَ فَقَدْ أَحَاطَ بِهِ، وَالْعَالِمُ بِالشَّيْءِ مُحِيطٌ بِعِلْمِهِ.






مصادر و المراجع :

١-التبيان في إعراب القرآن

المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري (المتوفى : 616هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید