المنشورات
(وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ
مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) (94) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فُرَادَى) : هُوَ جَمْعُ فَرْدٍ، وَالْأَلِفُ لِلتَّأْنِيثِ، مِثْلُ كُسَالَى.
وَقُرِئَ فِي الشَّاذِّ بِالتَّنْوِينِ عَلَى أَنَّهُ اسْمٌ صَحِيحٌ. وَيُقَالُ فِي الرَّفْعِ فُرَادٌ مِثْلُ تُوَامٍ وَرُخَالٍ، وَهُوَ جَمْعٌ قَلِيلٌ.
وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَصْرِفُهُ، يَجْعَلُهُ مَعْدُولًا مِثْلَ ثُلَاثَ وَرُبَاعَ، وَهُوَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ. (كَمَا خَلَقْنَاكُمْ) : الْكَافُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَهُوَ بَدَلٌ مِنْ فُرَادَى، وَقِيلَ: هِيَ صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ: مَجِيئًا كَمَجِيئِكُمْ يَوْمَ خَلَقْنَاكُمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي فُرَادَى؛ أَيْ: مُشْبِهِينَ ابْتِدَاءَ خَلْقِكُمْ.
وَ (أَوَّلَ) : ظَرْفٌ لَخَلَقْنَاكُمْ. وَ «الْمَرَّةُ» فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ مَرَّ يَمُرُّ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ ظَرْفًا اتِّسَاعًا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ شَبَهِ الزَّمَانِ بِالْفِعْلِ. (وَتَرَكْتُمْ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا؛ أَيْ: وَقَدْ تَرَكْتُمْ، وَأَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا.
(وَمَا نَرَى) : لَفَظُهُ لَفَظُ الْمُسْتَقْبَلِ، وَهِيَ حِكَايَةُ حَالٍ. وَ (مَعَكُمْ) : مَعْمُولُ نَرَى، وَهِيَ مِنْ رُؤْيَةِ الْعَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الشُّفَعَاءِ، إِذِ الْمَعْنَى يَصِيرُ أَنَّ شُفَعَاءَهُمْ مَعَهُمْ، وَلَا نَرَاهُمْ.
وَإِنْ جَعَلْتَهَا بِمَعْنَى نَعْلَمُ الْمُتَعَدِّيَةِ إِلَى اثْنَيْنِ، جَازَ أَنْ يَكُونَ مَعَكُمْ مَفْعُولًا ثَانِيًا، وَهُوَ ضَعِيفٌ فِي الْمَعْنَى. (بَيْنَكُمْ) : يُقْرَأُ بِالنَّصْبِ، وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: هُوَ ظَرْفٌ لِـ «تَقَطَّعَ» ، وَالْفَاعِلُ مُضْمَرٌ؛ أَيْ: تَقَطَّعَ الْوَصْلُ بَيْنَكُمْ، وَدَلَّ عَلَيْهِ «شُرَكَاءُ» . وَالثَّانِي: هُوَ وَصْفٌ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ: لَقَدْ تَقَطَّعَ شَيْءٌ بَيْنَكُمْ، أَوْ وَصْلٌ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا الْمَنْصُوبَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، وَهُوَ مُعَرَّبٌ، وَجَازَ ذَلِكَ حَمْلًا عَلَى أَكْثَرِ أَحْوَالِ الظَّرْفِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَخْفَشِ، وَمِثْلُهُ: (مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ) [الْجِنِّ: 11] .
وَيُقْرَأُ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلٌ. وَالْبَيْنُ هُنَا الْوَصْلُ، وَهُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ.
مصادر و المراجع :
١-التبيان في إعراب القرآن
المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري (المتوفى
: 616هـ)
13 ديسمبر 2023
تعليقات (0)