المنشورات
(إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ
عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) (42) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِذْ أَنْتُمْ) : «إِذْ» بَدَلٌ مِنْ «يَوْمَ» أَيْضًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: اذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِقَدِيرٍ، وَالْعُدْوَةُ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ لُغَتَانِ، قَدْ قُرِئَ بِهِمَا.
(الْقُصْوَى) : بِالْوَاوِ، وَهِيَ خَارِجَةٌ عَلَى الْأَصْلِ، وَأَصْلُهَا مِنَ الْوَاوِ، وَقِيَاسُ الِاسْتِعْمَالِ أَنْ تَكُونَ الْقِصْيَا؛ لِأَنَّهُ صِفَةٌ كَالدُّنْيَا، وَالْعُلْيَا، وَفُعْلَى إِذَا كَانَتْ صِفَةً قُلِبَتْ وَاوُهَا يَاءً فَرْقًا بَيْنَ الِاسْمِ وَالصِّفَةِ.
(وَالرَّكْبُ) : جَمْعُ رَاكِبٍ فِي الْمَعْنَى، وَلَيْسَ بِجَمْعٍ فِي اللَّفْظِ، وَلِذَلِكَ تَقُولُ فِي التَّصْغِيرِ رُكَيْبٌ، كَمَا تَقُولُ فُرَيْخٌ.
وَ (أَسْفَلَ مِنْكُمْ) : ظَرْفٌ؛ أَيْ: وَالرَّكْبُ فِي مَكَانٍ أَسْفَلَ مِنْكُمْ؛ أَيْ: أَشَدَّ تَسَفُّلًا، وَالْجُمْلَةُ حَالٌ مِنَ الظَّرْفِ الَّذِي قَبْلَهُ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ عَطْفًا عَلَى أَنْتُمْ؛ أَيْ: وَإِذَا الرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ.
(لِيَقْضِيَ اللَّهُ) : أَيْ فَعَلَ ذَلِكَ لِيَقْضِيَ.
(لِيَهْلِكَ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ لِيَقْضِيَ بِإِعَادَةِ الْحَرْفِ، وَأَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِـ «يَقْضِيَ» أَوْ بِـ «مَفْعُولًا» .
(مَنْ هَلَكَ) : الْمَاضِي هُنَا بِمَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى لِيَهْلِكَ بِعَذَابِ الْآخِرَةِ مَنْ هَلَكَ فِي الدُّنْيَا مِنْهُمْ بِالْقَتْلِ.
(مَنْ حَيَّ) : يُقْرَأُ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَهُوَ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّ الْحَرْفَيْنِ مُتَمَاثِلَانِ مُتَحَرِّكَانِ، فَهُوَ مِثْلُ شَدَّ وَمَدَّ، وَمِنْهُ قَوْلُ عُبَيْدٍ: عَيُّوا بِأَمْرِهِمُ كَمَا عَيَّتْ بِبَيْضَتِهَا الْحَمَامَهْ.
وَيُقْرَأُ بِالْإِظْهَارِ وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَاضِيَ حُمِلَ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ، وَهُوَ يَحْيَا فَكَمَا لَمْ يُدْغَمْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَمْ يُدْغَمْ فِي الْمَاضِي، وَلَيْسَ كَذَلِكَ شَدَّ وَمَدَّ فَإِنَّهُ يُدْغَمُ فِيهِمَا جَمِيعًا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ حَرَكَةَ الْحَرْفَيْنِ مُخْتَلِفَةٌ فَالْأُولَى مَكْسُورَةٌ، وَالثَّانِيَةُ مَفْتُوحَةٌ، وَاخْتِلَافُ الْحَرَكَتَيْنِ كَاخْتِلَافِ الْحَرْفَيْنِ، وَلِذَلِكَ أَجَازُوا فِي الِاخْتِيَارِ لَحِحَتْ عَيْنُهُ، وَضَبِبَ
الْبَلَدُ، إِذَا كَثُرَ ضَبُّهُ. وَيُقَوِّي ذَلِكَ أَنَّ الْحَرَكَةَ الثَّانِيَةَ عَارِضَةٌ فَكَأَنَّ الْيَاءَ الثَّانِيَةَ سَاكِنَةً، وَلَوْ سُكِّنَتْ لَمْ يَلْزَمِ الْإِدْغَامُ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَتْ فِي تَقْدِيرِ السَّاكِنِ، وَالْيَاءَانِ أَصْلٌ، وَلَيْسَتِ الثَّانِيَةُ بَدَلًا مِنْ وَاوٍ، فَأَمَّا الْحَيَوَانُ فَالْوَاوُ فِيهِ بَدَلٌ مِنَ الْيَاءِ، وَأَمَّا الْحِوَاءُ فَلَيْسَ مِنْ لَفْظِ الْحَيَّةِ، بَلْ مِنْ حَوَى يَحْوِي إِذَا جَمَعَ.
وَ (عَنْ بَيِّنَةٍ) : فِي الْمَوْضِعَيْنِ يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ الْأَوَّلِ.
مصادر و المراجع :
١-التبيان في إعراب القرآن
المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري (المتوفى
: 616هـ)
13 ديسمبر 2023
تعليقات (0)