المنشورات
(فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (27)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَا نَرَاكَ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ رُؤْيَةِ الْعَيْنِ وَتَكُونُ الْجُمْلَةُ بَعْدَهُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَ «قَدْ» مَعَهُ مُرَادَةٌ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ رُؤْيَةِ الْقَلْبِ ; فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي.
وَ «الْأَرَاذِلُ» : جَمْعُ أَرْذَالٍ، وَأَرْذَالٌ: جَمْعُ رَذْلٍ، وَقِيلَ: الْوَاحِدُ أَرْذَلُ، وَالْجَمْعُ أَرَاذِلُ ; وَجُمِعَ عَلَى هَذِهِ الزِّنَةِ وَإِنْ كَانَ وَصْفًا ; لِأَنَّهُ غَلَبَ فَصَارَ كَالْأَسْمَاءِ. وَمَعْنَى غَلَبَتِهِ أَنَّهُ لَا يَكَادُ يُذْكَرُ الْمَوْصُوفُ مَعَهُ، وَهُوَ مِثْلُ الْأَبْطَحِ وَالْأَبْرَقِ.
(بَادِيَ الرَّأْيِ) : يُقْرَأُ بِهَمْزَةٍ بَعْدَ الدَّالِ، وَهُوَ مِنْ بَدَأَ يَبْدَأُ، إِذَا فَعَلَ الشَّيْءَ أَوَّلًا. وَيُقْرَأُ بِيَاءٍ مَفْتُوحَةٍ، وَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْهَمْزَةَ أُبْدِلَتْ يَاءً لِانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا. وَالثَّانِي: أَنَّهُ مِنْ بَدَا يَبْدُو، إِذَا ظَهَرَ.
وَبَادِيَ هُنَا ظَرْفٌ، وَجَاءَ عَلَى فَاعِلٍ، كَمَا جَاءَ عَلَى فَعِيلٍ، نَحْوَ قَرِيبٍ وَبَعِيدٍ، وَهُوَ مَصْدَرٌ مِثْلُ الْعَافِيَةِ وَالْعَاقِبَةِ، وَفِي الْعَامِلِ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: نَرَاكَ ; أَيْ فِيمَا يَظْهَرُ لَنَا مِنَ الرَّأْيِ، أَوْ فِي أَوَّلِ رَأْيِنَا.
فَإِنْ قِيلَ: مَا قَبْلَ «إِلَّا» إِذَا تَمَّ لَا يَعْمَلُ فِيمَا بَعْدَهَا، كَقَوْلِكَ: مَا أَعْطَيْتُ أَحَدًا إِلَّا زَيْدًا دِينَارًا ; لِأَنَّ إِلَّا تُعَدِّي الْفِعْلَ وَلَا تُعَدِّيهِ إِلَى وَاحِدٍ، كَالْوَاوِ فِي بَابِ الْمَفْعُولِ مَعَهُ قِيلَ: جَازَ ذَلِكَ هُنَا ; لِأَنَّ «بَادِيَ» ظَرْفٌ، أَوْ كَالظَّرْفِ ; مِثْلَ جَهْدَ رَأْيِي أَنَّكَ ذَاهِبٌ ; أَيْ فِي جَهْدِ رَأْيِي، وَالظُّرُوفُ يُتَّسَعُ فِيهَا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْعَامِلَ فِيهِ (اتَّبَعَكَ) أَيِ اتَّبَعُوكَ فِي أَوَّلِ الرَّأْيِ، أَوْ فِيمَا ظَهَرَ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَبْحَثُوا. وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ مِنْ تَمَامِ (أَرَاذِلُنَا) : أَيِ الْأَرَاذِلُ فِي رَأْيِنَا. وَالرَّابِعُ: أَنَّ الْعَامِلَ فِيهِ مَحْذُوفٌ ; أَيْ يَقُولُ ذَاكَ فِي بَادِيَ الرَّأْيِ بِهِ.
وَ (الرَّأْيِ) مَهْمُوزٌ، وَغَيْرُ مَهْمُوزٍ.
مصادر و المراجع :
١-التبيان في إعراب القرآن
المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري (المتوفى
: 616هـ)
14 ديسمبر 2023
تعليقات (0)