المنشورات
(ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَيُّهُمْ أَشَدُّ) : يُقْرَأُ بِالنُّصْبِ شَاذًّا، وَالْعَامِلُ فِيهِ: لَنَنْزِعَنَّ وَهِيَ بِمَعْنَى الَّذِي.
وَيُقْرَأُ بِالضَّمِّ. وَفِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا ضَمَّةُ بِنَاءٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ ; وَهِيَ بِمَعْنَى الَّذِي وَإِنَّمَا بُنِيَتْ هَاهُنَا ; لِأَنَّ أَصْلَهَا الْبِنَاءُ ; لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الَّذِي.
وَ
«أَيْ» مِنَ الْمَوْصُولَاتِ إِلَّا أَنَّهَا أُعْرِبَتْ حَمْلًا عَلَى كُلٍّ أَوْ بَعْضٍ، فَإِذَا وُصِلَتْ بِجُمْلَةٍ تَامَّةٍ بَقِيَتْ عَلَى الْإِعْرَابِ، وَإِذَا حُذِفَ الْعَائِدُ عَلَيْهَا بُنِيَتْ لِمُخَالَفَتِهَا بَقِيَّةَ الْمَوْصُولَاتِ، فَرَجَعَتْ إِلَى حَقِّهَا مِنَ الْبِنَاءِ بِخُرُوجِهَا عَنْ نَظَائِرِهَا، وَمَوْضِعُهَا نَصْبٌ بِنَنْزِعُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: هِيَ ضَمَّةُ الْإِعْرَابِ وَفِيهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهَا مُبْتَدَأٌ وَأَشَدُّ خَبَرُهُ ; وَهُوَ عَلَى الْحِكَايَةِ. وَالتَّقْدِيرُ: لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ الْفَرِيقَ الَّذِي يُقَالُ أَيُّهُمْ، فَهُوَ عَلَى هَذَا اسْتِفْهَامٌ، وَهُوَ قَوْلُ الْخَلِيلِ.
وَالثَّانِي: كَذَلِكَ فِي كَوْنِهِ مُبْتَدَأً وَخَبَرًا وَاسْتِفْهَامًا، إِلَّا أَنَّ مَوْضِعَ الْجُمْلَةِ نَصْبٌ بِنَنْزِعَنَّ، وَهُوَ فِعْلٌ مُعَلَّقٌ عَنِ الْعَمَلِ، وَمَعْنَاهُ التَّمْيِيزُ ; فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى الْعِلْمِ الَّذِي يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ، كَقَوْلِكَ: عَلِمْتُ أَيُّهُمْ فِي الدَّارِ، وَهُوَ قَوْلُ يُونُسَ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْجُمْلَةَ مُسْتَأْنَفَةٌ، وَأَيُّ اسْتِفْهَامٌ، وَمِنْ زَائِدَةٌ: أَيْ لَنَنْزِعَنَّ كُلَّ شِيعَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَخْفَشِ وَالْكِسَائِيِّ، وَهُمَا يُجِيزَانِ زِيَادَةَ «مِنْ» فِي الْوَاجِبِ.
وَالرَّابِعُ: أَنَّ «أَيُّهُمْ» مَرْفُوعٌ بِشِيعَةٍ ; لِأَنَّ مَعْنَاهُ تَشَيَّعَ، وَالتَّقْدِيرُ: لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ فَرِيقٍ يَشَيَّعُ أَيُّهُمْ، وَهُوَ عَلَى هَذَا بِمَعْنَى الَّذِي، وَهُوَ قَوْلُ الْمُبَرِّدِ.
وَالْخَامِسُ: أَنَّ «نَنْزِعُ» عُلِّقَتْ عَنِ الْعَمَلِ ; لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ مَعْنَى الشَّرْطِ، وَالشَّرْطُ لَا يَعْمَلُ فِيمَا قَبْلَهُ، وَالتَّقْدِيرُ: لَنَنْزِعَنَّهُمْ تَشَيَّعُوا أَوْ لَمْ يَتَشَيَّعُوا، أَوْ إِنْ تَشَيَّعُوا، وَمِثْلُهُ: لَأَضْرِبَنَّ أَيُّهُمْ غَضِبَ ; أَيْ إِنْ غَضِبُوا أَوْ لَمْ يَغْضَبُوا، وَهُوَ قَوْلُ يَحْيَى عَنِ الْفَرَّاءِ، وَهُوَ أَبْعَدُهَا عَنِ الصَّوَابِ.
مصادر و المراجع :
١-التبيان في إعراب القرآن
المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري (المتوفى
: 616هـ)
15 ديسمبر 2023
تعليقات (0)