المنشورات
(ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2) كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3)) .
الْجُمْهُورُ عَلَى إِسْكَانِ الدَّالِّ؛ وَقَدْ ذُكِرَ وَجْهُهُ.
وَقُرِئَ بِكَسْرِهَا. وَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا: هِيَ كَسْرَةُ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ. وَالثَّانِي: هِيَ أَمْرٌ مِنْ صَادَى وَصَادَى الشَّيْءَ: قَابَلَهُ وَعَارَضَهُ؛ أَيْ عَارِضْ بِعَمَلِكَ الْقُرْآنَ.
وَيُقْرَأُ بِالْفَتْحِ؛ أَيِ اتْلُ صَادَ. وَقِيلَ: حُرِّكَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ.
وَ (الْقُرْآنُ) : قَسَمٌ. وَقِيلَ: مَعْطُوفٌ عَلَى الْقَسَمِ، وَهُوَ صَادْ.
وَأَمَّا جَوَابُ الْقَسَمِ فَمَحْذُوفٌ؛ أَيْ لَقَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ، وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَقِيلَ: هُوَ مَعْنَى:
(بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا) : أَيْ وَحَقِّ الْقُرْآنِ، لَقَدْ خَالَفَ الْكُفَّارُ وَتَكْبَّرُوا عَنِ الْإِيمَانِ.
وَقِيلَ: الْجَوَابُ: «كَمْ أَهْلَكْنَا» وَاللَّامُ مَحْذُوفَةٌ؛ أَيْ لَكَمْ أَهْلَكْنَا وَهُوَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ كَمْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِأَهْلَكْنَا. وَقِيلَ: هُوَ مَعْنَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ؛ أَيْ لَقَدْ أَهْلَكْنَا كَثِيرًا مِنَ الْقُرُونِ.
وَقِيلَ: هُوَ قَوْلُهُ [تَعَالَى] : (إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ) [ص: 14] . وَقِيلَ: هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ) [ص: 64] وَبَيْنَهُمَا كَلَامٌ طَوِيلٌ يَمْنَعُ مِنْ كَوْنِهِ جَوَابًا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ) : الْأَصْلُ «لَا» زِيدَتْ عَلَيْهَا التَّاءُ، كَمَا زِيدَتْ عَلَى رُبَّ، وَثُمَّ: فَقِيلَ رُبَّتَ وَثُمَّتْ.
وَأَكْثَرُ الْعَرَبِ يُحَرِّكُ هَذِهِ التَّاءَ بِالْفَتْحِ؛ فَأَمَّا فِي الْوَقْفِ فَبَعْضُهُمْ يَقِفُ بِالتَّاءِ؛ لِأَنَّ الْحُرُوفَ لَيْسَتْ مَوْضِعَ تَغْيِيرٍ، وَبَعْضُهُمْ بِالْهَاءِ كَمَا يَقِفُ عَلَى قَائِمَةٍ.
فَأَمَّا «حِينَ» فَمَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ أَنَّهُ خَبَرُ لَاتَ، وَاسْمُهَا مَحْذُوفٌ؛ لِأَنَّهَا عَمِلَتْ عَمَلَ لَيْسَ؛ أَيْ لَيْسَ الْحِينُ حِينَ هَرَبٍ. وَلَا يُقَالُ: هُوَ مُضْمَرٌ؛ لِأَنَّ الْحُرُوفَ لَا يُضْمَرُ فِيهَا.
وَقَالَ الْأَخْفَشُ: هِيَ الْعَامِلَةُ فِي بَابِ النَّفْيِ، فَحِينَ اسْمُهَا، وَخَبَرُهَا مَحْذُوفٌ؛ أَيْ لَا حِينَ مُنَاظِرٌ لَهُمْ، أَوْ حِينُهُمْ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْفَعُ مَا بَعْدَهَا، وَيُقَدِّرُ الْخَبَرَ الْمَنْصُوبَ، كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ:
فَأَنَا ابْنُ قَيْسٍ لَا بَرَاحُ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: التَّاءُ مَوْصُولَةٌ بِحِينَ لَا بِلَا، حَكَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: تَحِينُ وَتَلَانُ
وَأَجَازَ قَوْمٌ جَرَّ مَا بَعْدَ «لَاتَ» وَأَنْشَدُوا عَلَيْهِ أَبْيَاتًا، وَقَدِ اسْتَوْفَيْتُ ذَلِكَ فِي عِلَلِ الْإِعْرَابِ الْكَبِيرِ.
مصادر و المراجع :
١-التبيان في إعراب القرآن
المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري (المتوفى
: 616هـ)
15 ديسمبر 2023
تعليقات (0)