المنشورات
(وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ) : فِي الْفَاعِلِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا: «أَنَّكُمْ» وَمَا عَمِلَتْ فِيهِ؛ أَيْ لَا يَنْفَعُكُمْ تَأَسِّيكُمْ فِي الْعَذَابِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ ضَمِيرَ التَّمَنِّي الْمَدْلُولَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (يَالَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ) : أَيْ لَنْ يَنْفَعَكُمْ تَمَنِّي التَّبَاعُدِ؛ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ «أَنَّكُمْ» بِمَعْنَى لِأَنَّكُمْ.
فَأَمَّا (إِذْ) فَمُشْكِلُهُ الْأَمْرُ؛ لِأَنَّهَا ظَرْفُ زَمَانٍ مَاضٍ، وَلَنْ يَنْفَعَكُمْ وَفَاعِلُهُ وَالْيَوْمُ الْمَذْكُورُ لَيْسَ بِمَاضٍ.
وَقَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ فِي مُسَاءَلَتِهِ أَبَا عَلِيٍّ: رَاجَعْتُهُ فِيهَا مِرَارًا فَآخِرُ مَا حَصَلَ مِنْهُ أَنَّ الدُّنْيَا وَالْأُخْرَى مُتَّصِلَتَانِ، وَهُمَا سَوَاءٌ فِي حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَعِلْمِهِ، فَتَكُونُ «إِذْ» بَدَلًا مِنَ الْيَوْمِ حَتَّى كَأَنَّهَا مُسْتَقْبِلَةٌ، أَوْ كَأَنَّ الْيَوْمَ مَاضٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْكَلَامُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْنَى، وَالْمَعْنَى: أَنَّ ثُبُوتَ ظُلْمِهِمْ عِنْدَهُمْ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ؛ إِذْ صَحَّ ظُلْمُكُمْ عِنْدَكُمْ، فَهُوَ بَدَلٌ أَيْضًا.
وَقَالَ آخَرُونَ: التَّقْدِيرُ: بَعْدَ إِذْ ظَلَمْتُمْ؛ فَحُذِفَ الْمُضَافُ لِلْعِلْمِ بِهِ.
وَقِيلَ: إِذْ بِمَعْنَى أَنْ؛ أَيْ لِأَنْ ظَلَمْتُمْ. وَيُقْرَأُ: «إِنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ» بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَهَذَا عَلَى أَنَّ الْفَاعِلَ التَّمَنِّي.
وَيَجُوزُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ الْفَاعِلَ ظُلْمُكُمْ أَوْ جَحْدُكُمْ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ ظَلَمْتُمْ، وَيَكُونَ الْفَاعِلُ الْمَحْذُوفُ مِنَ اللَّفْظِ هُوَ الْعَامِلَ فِي إِذْ، لَا ضَمِيرَ الْفَاعِلِ.
مصادر و المراجع :
١-التبيان في إعراب القرآن
المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري (المتوفى
: 616هـ)
15 ديسمبر 2023
تعليقات (0)