قال كعب الأخبار: تجد فِي كتاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ معنى التوراة أَن الأَرْض عَلَى صفة النسر، فالرأس الشام، والجناحان المشرق والمغرب، والذنب اليمن، ولا يزال النَّاس بخير مَا لَمْ يقرع الرأس، فَإِذَا قرع الرأس هلك النَّاس [1] .
وَقَالَ غيره من الْعُلَمَاء: الأَرْض كلها سبعة أقاليم، فالإقليم الأَوَّل الهند، وَالثَّانِي الحجاز، والثالث مصر، والرابع بابل، والخامس الروم، والسادس الترك ويأجوج ومأجوج، والسابع الصين، ومقدار كل إقليم سبعمائة فرسخ في سبعمائة فرسخ من غَيْر أَن يدخل فِي ذَلِكَ جبل ولا واد، والبحر الأعظم محيط بِذَلِكَ، كُلهُ يحيط بِهِ جبل قاف.
قَالَ أَبُو الْحَسَن أَحْمَد بْن جَعْفَر:
أما الإقليم الأَوَّل: [2]
فَإِنَّهُ يبتدئ من المشرق من أقاصي بلاد الصين، فيمر عَلَى بلاد الصين عَلَى ساحل البحر مِمَّا يلي الجنوب، وفيه مدينة ملك الصين، ثُمَّ يمر عَلَى ساحل البحر فِي جنوب بلاد الهند، ثُمَّ بلاد السند، ثُمَّ يقطع البحر إِلَى جزيرة العرب وأرض اليمن، فيكون فيهم من المدائن المعروفة مدينة ظفار وعمان وحضرموت وصنعاء وعدن والتبالة وجرش وسبأ، ثُمَّ يقطع الإقليم بحر القلزم فيمر فِي بلاد الحبشة ويقطع نيل مصر، وفيه مدينة مملكة الحبشة، وتسمى جرمي [وتسمى] دونقلة مدينة النوبة، ثُمَّ يمر الإقليم فِي أرض المغرب عَلَى جنوب بلاد البربر إِلَى أَن ينتهي إلى بحر المغرب.
والإقليم الثَّانِي: [1]
يبتدئ من المشرق، فيمر عَلَى بلاد الصين، ثُمَّ يمر عَلَى بلاد الهند، ثم ببلاد السند، وفيه مدينة المنصورة، والديبل، ثُمَّ يمر لملتقى البحر الأخضر وبحر البصرة، ويقطع جزيرة العرب في أرض نجد وأرض تهامة، وفيه من المدائن: اليمامة، والبحرين، وهجر، ويثرب، ومكة، والطائف، وجدة، ثُمَّ يقطع بحر القلزم، ويمر بصعيد مصر، فيقطع النيل فِيهِ من المدائن تومن، وأخميم، وأسوان، ثُمَّ يمر فِي أرض المغرب عَلَى وسط بلاد أفريقية، ثُمَّ يمر عَلَى بلاد البربر، وينتهي إلى بحر المغرب.
والإقليم الثالث: [2]
يبتدئ من المشرق، فيمر عَلَى شمال بلاد الصين، ثُمَّ عَلَى بلاد الهند، ثُمَّ عَلَى شمال بلاد السند، ثُمَّ عَلَى بلاد كابل وكرمان، وسجستان، والسيرجان، ثُمَّ يمر عَلَى سواحل بحر البصرة، وفيه مدينة/ اصطخر، ونسا، [3] وسابور، وشيراز، وسيراف، مهروبان [4] ، ثُمَّ يمر بكور الأهواز، والعراق، وفيه البصرة، وواسط، وبغداد، والكوفة، والأنبار، وهيت، ثُمَّ يمر عَلَى بلاد الشام، وفيه حمص ودمشق، والصور، وعكا، والطبرية، وقيسارية، وَبَيْت المقدس، والرملة، وعسقلان، وغزة، ثُمَّ يقطع أسفل أرض مصر، وفيه من المدن هنالك تنيس، ودمياط، وفسطاط مصر، والفيوم، والاسكندرية، ثم يمر عَلَى بلاد إفريقية، وينتهي إِلَى بحر المغرب.
والإقليم الرابع: [5]
يبتدئ من المشرق فيمر ببلاد التبت، ثُمَّ عَلَى خراسان، وفيه: فرغانة، وسمرقند، وبلخ، وبخارى، وهراة، ومرو، وسرخس، وطوس، ونيسابور، وجرجان، وقومس، وطبرستان، وقزوين، والري، وأصفهان، وقم، وهمذان ونهاوند، والدينور، وحلوان، وشهرزور، وسر من رأى، والموصل، وبلد، ونصيبين، وآمد، ورأس عين، وقاليقا، وسميساط [1] ، وحران، والرقة، وقرقيسيا، ثُمَّ يمر عَلَى شمال الشام، وفيه من المدن: بالسر، ومنبج، وملطية، وحلب، وقنسرين، وأنطاكية، وطرابلس، والمصيصة، وصيدا، وأزنة، وطرسوس، وعمورية. ثُمَّ يمر فِي بحر الشام عَلَى جزيرة قبرس، ثُمَّ فِي أرض المغرب على بلاد طنجة، وينتهي إلى بحر المغرب.
والإقليم الخامس: [2]
يبتدئ من المشرق من بلاد يأجوج ومأجوج، ثُمَّ يمر عَلَى شمال خراسان، وفيه:
خوارزم، وشاش، وأذربيجان، وسنجار، وأخلاط، ثُمَّ يمر فِي بلاد الروم عَلَى خرشة، ورومية، ويمر عَلَى بلاد الأندلس حَتَّى ينتهي إِلَى بحر المغرب.
والإقليم السادس: [3]
يبتدئ من المشرق، فيمر عَلَى بلاد يأجوج ومأجوج، ثُمَّ عَلَى بلاد الخزر، ويمر عَلَى القسطنطينية، وينتهي إِلَى بحر المغرب.
والإقليم السابع: [4]
يبتدئ من المشرق من شمال بلاد يأجوج ومأجوج، ثُمَّ عَلَى بلاد الترك ثُمَّ عَلَى سواحل بحر جرجان، ثُمَّ يقطع بحر الروم، فيمر عَلَى الصقالبة، وينتهي إِلَى بحر المغرب.
وذكر غيره: [5] أَن المسكون من الأَرْض عَلَى تفاوت أقطاره مقسوم بَيْنَ سبع أمم، وَهُمْ: الصين، والهند، والسودان، والبربر، والروم، والترك، والفرس، والفرس فِي وسط هذه الممالك.
قَالَ الأزهري: وإنما سمي الإقليم إقليما لأنه مقلوم من الأقاليم الَّتِي بنى ناحيته، أي مقطوع عَنْهُ.
وَقَالَ الْحَسَن: الأَمْصَار المدينة، والشام، ومصر، والجزيرة، والكوفة، والبصرة، والبحرين.
وَقَالَ قَتَادَة: هِيَ عشرة، فزاد: دمشق، وحمص، والأردن، وفلسطين، وقنسرين.
وَقَالَ الأصمعي: العراقان البصرة، والكوفة. وسواد البصرة: الأهواز، وفارس.
وسواد الكوفة من كسكر إِلَى حلوان.
وَقَدْ ذكر عَن بطليموس الْمَلِك أَنَّهُ أحصى مدن الدنيا فِي زمانه، فَإِذَا هِيَ أربعة آلاف ومائتا مدينة.
ويقال: بلاد الأندلس مسيرة شَهْر فِي مثله يحتوي أربعين مدينة، وبلاد سرنديب مسيرة ثمانين فرسخا فِي مثلها، وَفِي بلاد رومية ألف ومائتا كنيسة، وأربعون ألف حمام، وبها سوق للطير فرسخ، ولا يقدر غريب أَن يدخلها إلا بدليل، لأن مدخلها دف تقريح، ولا يقف عليها إلا أصلهان، وَكَذَلِكَ عمورية عظيمة، زعموا أَن حول سورها ألف عمود ومائتي عمود، وعشرين عمودا فِيهَا رهابين.
وَفِي القسطنطينية من العجائب سبعة أسوار [1] سمك سورها الكبير إحدى وعشرون ذراعا، وسمك سور الفصيل عشرة أذرع، وسمك الفصيل مِمَّا يلي البحر خمسة أذرع، وبينها وبين البحر وجه يَكُون نَحْو خمسين ذراعا، فِي سورها مائة بَاب.
ومملكة الروم يدخل فِيهَا حدود الصقالبة، ومن جاورهم، والسرير بينه وبين الحزر مسيرة فرسخين. ويقال: كَانَ هَذَا السرير لبعض الأكاسرة، وديوان ملك الروم موسوم عَلَى مائة ألف رجل، عَلَى كُل عشرة آلاف بطريق، جزائر الروم خمس: جزيرة قبرص، ودورها مسيرة ستة عشر يوم، وجزيرة أقريطش، ودورها مسيرة خمسة عشر يوما وجزيرة الراهب، وبها يخص الخدم، وجزيرة الفِضَّة، وجزيرة الصقلية، ودورها مسيرة خمسة عشرة يوما، وَهِيَ بإزاء أفريقية، والحبشية عَلَى بحر القلزم، وبينها وبين المصر مفازة فِيهَا معدن الذهب، ومدينة أَصْحَاب الكهف من عمل الروم، والكهف فِي جبل بابجلوس، وَأَمَّا أَصْحَاب الرقيم فبحرية، وَهِيَ رستاق بَيْنَ عمورية وبنتية.
وَأَمَّا طول بلاد الصين عَلَى البحر فمسيرة شهرين بها، وبها ثلاثمائة مدينة كلها عامرة. وَيُقَال مَا دَخَلَ الصين أحد واشتهى أَن يخرج منها سيما بلاد من الصين يدعى الأشبيلا، يَكُون بها الذهب الكثير.
والهند سبعة أجناس، وَهُمْ اثنتان وأربعون ملة، منهم البراهمة.
ومدينة الإسكندر عَلَى ساحل البحر، بينها وبين مصر أربعون فرسخا، بناها الإسكندر الأَوَّل، وَهُوَ ذو القرنين، في ثلاثمائة سَنَة.
وبلغنا أَن أهلها مكثوا سبعين سَنَة لا يمشون فِيهَا بالنهار إلا بخرق سود حيال أعينهم، مخافة عَلَى أبصارهم من شدة بياض حيطانها. وفيها المنارة الَّتِي هِيَ أحد عجائب الدنيا، يصعد عَلَى أعلاها مشيا ولا يبين لمن يصعدها أَنَّهُ يرتقي، لأنه يدور ولا ينقل قدميه عَلَى درج، إِنَّمَا يمشي كأنه عَلَى الأَرْض، وكان فيها سوى أهلها ستمائة ألف من الْيَهُود خولا لأهلها.
ومدينة فرعون التي كان ينزلها، كان لها سبعون بابا، وجعل حيطانها بالحديد، والصفر مبنية، وأجرى فِيهَا الأنهار، ونصب سريره فِي وسط الأنهار، فكان الماء يجري تحت سريره بمقدار يستحسن ولا يضر.
ويقال: إِن أنزه الأَرْض وأجمعها طيبا وحسن مستشرف سمرقند. قَالُوا: وأحسن الأَرْض مصنوعة الري، وأحسنها مفروقة جرجان وطبرستان، وأحسنها مستخرجة نيسابور، وأحسنها قديما وحديثا جنديسابور، وَلَهَا حسن الأنهار، وَأَعْظَم بلاد اللَّه بركة الشام، وأكثرها أنهارا البصرة، وأعدلها هواء اليمن وأغناها من الدواب والبرس أصفهان، وأرشها العراق.
وذكر أَبُو مَنْصُور الأزهري: أَن جابلق وجابلس مدينتان، إحداهما بالمشرق، والأخرى بالمغرب، ليس وراهما.
وَقَالَ بَعْضهم: بفتح اللام فيهما.
أَخْبَرَنَا عبد الرحمن بن محمد القزاز، أخبرنا أَحْمَدُ بْن عَلِي بْن ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو طالب ابن عُمَر بْن إِبْرَاهِيمَ الفقيه، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل بْن زنجي الكاتب، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، أَخْبَرَنَا عسيل بْن ذكوان، قَالَ: قَالَ الأصمعي:
أَحْسَن الدنيا ثلاثة أنهار، نهر الأيلة، وغوطة دمشق، وسمرقند، وحشوش الدنيا ثلاثة:
عمان، وأردبيل، وهيت.
أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن مُحَمَّد البارع، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَر بْن الْمُسْلِمَةِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الطاهر الْمُخَلِّصُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن سُلَيْمَان بْن دَاوُد الطوسي، أَخْبَرَنَا الزُّبَيْر بْن بكار، قَالَ:
حَدَّثَنِي عَلِي بْن صَالِح، عَن عامر بْن صَالِح، عَن هِشَام بْن عروة، عَن أَبِيهِ عروة: أَن الفرع أول قرية مارت لأم إِسْمَاعِيل النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثمر بمكة، وكانت من عمل عاد، شقت لَهَا بَيْنَ جبلين ثُمَّ كملت السبيل فِيهِ.
قَالَ بعض العلماء: سميت خراسان بخر اسم الشمس، أي مطلع الشمس. وحد خراسان من الدامغان إِلَى شط نهر بلخ، وعرضها من حد زرنج إِلَى حد جرجان، ومدنها الكبار أربعة: نيسابور [1] ، ومرو، وهراة، وبلخ. وأولها من ناحية العراق/ نيسابور، بناها سابور ذو الأكتاف.
وتفسير خوارزم: أرض الهوان، لأن أهلها لا يطيعون إلى عَلَى هوان. بلخ بناها لهراسب. هراة بناها الضَّحَّاك. مرو بناها مرو الشاهجان، تفسير مرو: مرج، والشاه:
الْمَلِك، والجان: الروح، وكأنه يقال: مرج نفس الْمَلِك.
موقان، وأردبيل، والبيلقان، وجرجان، وحوران سميت بأسماء أَصْحَابها. حلوان بحلوان بْن عمر بن السحار بْن قضاعة. رامهرمز بناها هرمز بْن شابور، والمذ والهند إخوان من أولاد سام. الصين سميت بصين بْن يعبر بحد مَا بَيْنَ الحجاز والشام إِلَى الطائف. تهامة مَا سائر البحر بمكة. الموصل سميت لأنها وصلت مَا بَيْنَ دجلة والفرات.
واعلم أَن مملكة الإِسْلام شرقها أرض الهند، وغربها مملكة الروم، وشمالها مملكة الصين، وجنوبها بحر فارس. وَأَمَّا مملكة فارس فشرقها بلاد الإِسْلام، وغربها وجنوبها البحر المحيط.
أَخْبَرَنَا ابْن ناصر، أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عَبْد الْمَلِك النيسابوري، أَخْبَرَنَا عبد القاهر بْن طاهر، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيم بْن أَحْمَد البزاري، أَخْبَرَنَا جَعْفَر بْن أَحْمَد بْن المفلس، أَخْبَرَنَا عُمَر بْن عَبْد اللَّه الأودي، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بْن حماد، عَن القاسم بْن معن، عَن بيان، عَن حَكِيم بْن جَابِر، قَالَ: قَالَتْ الصحة أنا لاحقة بأرض العرب، قَالَ الجوع: أنا معك، قَالَ الإيمان: أنا لاحق بأرض الشَّام، قَالَ الْمَوْت: أنا معك، قَالَ الْمَلِك. أنا لاحق بأرض العراق، قَالَ القتل: أنا معك.
مصادر و المراجع :
١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك
المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
(المتوفى: 597هـ)
تعليقات (0)