المنشورات

البحار

أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي، [أَخْبَرَنَا يَزِيدُ] [2] أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ، قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ كَانَ مُرَابِطًا بِالسَّاحِلِ، قَالَ: لَقِيتُ أبا صَالِحَ مَوْلى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بن الخطاب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «لَيْسَ مِنْ لَيْلَةٍ إِلا وَالْبَحْرُ يُشْرِفُ عَلَى الأَرْضِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ يَسْتَأْذِنُ اللَّهَ فِي أَنْ يَتَنَصَّحَ [3] عَلَيْهِمْ فَيَكُفُّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ» [4] .
وَرَوَى مُحَمَّد بْن شُعَيْب بْن شابور، عَن عُمَر بْن يَزِيد المنقري: أَن بحرنا هَذَا خليج من قنطس، وقنطس خلفه محيط بالأرض كلها، فَهُوَ عنده كعين عَلَى سَيْف البحر، ومن خلفه الأصم محيط بالأرض كلها فقنطس وَمَا دُونَه كعين عَلَى سَيْف البحر، ومن خلفه البحر المظلم محيط بالأرض كلها فالأصم وَمَا دُونَه كعين عَلَى سَيْف البحر، ومن خلفه الماس محيط بالأرض كلها، فالمظلم وَمَا دُونَه عنده كعين عَلَى سَيْف البحر، ومن خلفه الباكي، وَهُوَ ماء عذب، أمره اللَّه تَعَالَى أَن يرتفع، فأراد أَن يستجمع فزجره فَهُوَ باكي يستغفر اللَّه محيط بالأرض كلها، فالماس وَمَا دُونَه عنده كعين عَلَى سَيْف البحر، ومن خلفه العرش محيط بالدنيا فالباكي وَمَا دُونَه عنده كعين عَلَى سَيْف البحر.

قال أبو الحسين ابن المنادي: ثُمَّ بلغنا أَن البحر المعروف بالقنطس [1] من وراء قسطنطينية يجيء من بحر الخزر، وعرض فوهته ستة أميال، فَإِذَا بلغ أندس [2] صار بَيْنَ جبلين وضاق حَتَّى يَكُون عرضه علوه مِنْهُم بَيْنَ أندس هذه وبين قسطنطينية مائة ميل فِي مستوى من الأَرْض، ثُمَّ يمر الخليج حَتَّى يصب فِي أرض الشام، وعرضه عِنْدَ مصبه ذَلِكَ مقدار علوه مِنْهُم، وهنالك زعموا صخرة عَلَيْهَا برج فِيهِ سلسلة تمنع الْمُسْلِمِينَ من دخول الخليج، وطول الخليج من بحر الخزر إِلَى بحر الشام ثَلاث وعشرون ميلا، ينحدر الراكب فِيهِ من بحر الخزر وتلك النواحي، ويصعد فِيهِ من بحر الشام إِلَى القسطنطينية.
قَالُوا: وَأَمَّا البحر الَّذِي خلف الصقالبة فلا يجري فِيهِ الفلك ولا القوارب، ولا يجيء منه خبر.
وَأَمَّا البحر الغربي فممنوع من الخير، وَفِي ركوبه خطر، وليس من البحر أَعْظَم بركة من البَحْر الشرقي، وطوله من القلزم إِلَى العد قواق [3] وَذَلِكَ مقدار أربعة آلاف وخمسمائة فرسخ فيجيء من السند الخيزران [4] والقثاء والقسط، ويجيء من سندان الساج والقثاء أَيْضًا، ويجيء من مل الفلفل، وعلى كُل عنقود من عناقيد الفلفل ورقة تكنه من المطر، فَإِذَا انقطع حِينَ المطر ارتفعت العدق عَنْهُ، فَإِذَا عاد المطر عادق عَلَيْهِ [5] ، ويجيء من سرنديب الماس، وهناك الياقوت، ويجيء من جزيرة الرامي البقم، ويقال أَن عروق البقم نَافِع من سم سباعة [الأفاعي] [5] وَقَدْ جربه البحريون من لدغ أفعى، ويجيء من هناك الخيزران أيضا، ويجيء من جزيرة لبكيالوس النارجيل، ومن جزيرة كُلهُ، وَهِيَ معدن الرصاص، ومن جزيرة الخيزران أيضا ومن جزيرة صالوس الكافور، ومن جزيرة جابه وشلامط السنبل والصندل والقرنفل، ومن الصين المسك والعود، والجولنجان، والدارسيني، ومن الوقواق الذهب والأبنوس، ومن الهند العود والكافور وجوزبوا، ومن اليمين العنبر والورس.

وَقَالَ بَعْض الْعُلَمَاء: أَعْظَم البحار بحر فارس، وبحر الروم، وهما خليجان متقابلان يأخذان من البحر المحيط، وأعظمها طولا وعرضا بحر فارس، وبحر القلزم، وَهُوَ الَّذِي انفلق لموسى عَلَيْهِ السَّلام وغرق فِيهِ فرعون. وَالأَرْض كلها مستديرة، والبحر المحيط مختف بها كالطوق.
وَفِي البحار مَا لا يعيش فِيهَا حيوان أصلا إِمَّا لشدة حرارة مائة أَوْ لشدة برده. والبحر الغربي لا يجري فِيهِ السفن لأن فِيهِ جبالا من حجارة المغناطيس إِذَا انتهت السفن إِلَيْهَا جذبت مَا فِيهَا من المسامير فأسقطت، وفيه سمك عَلَى صورة النَّاس. وَفِي بحر الهند حيتان تبلع القارب، وفيه سمك طيارة. وَفِي بحر الشرقي سمك طول السمكة مائة باع، ومائتا باع، وسمك بمقدار الذراع، وجوهها كوجوه البوم، وسمك عَلَى خلقة البقر يعمل من جلودها الدرق، وسمك على خلقة الجمال، وسمك طول السمكة عشرون ذراعا فِي جوفها مثلها وَفِي الأخرى مثلها إِلَى أربع سمكات، وسلاحف دوران السلحفاة عشرون ذراعا وَفِي بطنها مقدار ألف بيضة.
وذكر أَبُو عَبْد اللَّهِ أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن إِسْحَاق الفقيه فِي كتاب البلدان [1] فَقَالَ:
قَالَ ابْن عَبَّاس الزرقي: البحار أربعة: البحر الكبير الَّذِي لَيْسَ فِي العالم أكبر منه هُوَ يأخذ من المغرب إِلَى القلزم، وَهُوَ مر مالح لا يستمد من غيره، وَهُوَ يمر من القلزم عَلَى وادي القرى، ثُمَّ يمر إِلَى جدة ثُمَّ يبلغ عدن ثُمَّ الشحر ثُمَّ إِلَى بربر ثُمَّ إِلَى عمان، فيمر بالديل، وفيه جزائر لا يحصى، وفيه أربعة آلاف فرسخ وخمسمائة فرسخ، وعرضه مثل ذَلِكَ.
ويخرج من هَذَا البحر خليج من ناحية القبلة حَتَّى بلغ أيلة البصرة.
ثُمَّ البحر الغربي الرومي من أنطاكية إِلَى قسطنطينية، ثُمَّ يدور آخذا إِلَى ناحية الدبور حَتَّى يخرج خلف بَاب الأبواب من ناحية الخزر وعليه المدن، وفيه جزيرة فِيهَا اثنا عشر مدينة، وعليه من ناحية مصر ودمياط، وعليه جزائر ثلاثمائة، وعليه بلاد أسقلية، وَفِي هذه الجزائر والسواحل ملوك متوجون لا يردُونَ الطاعة إِلَى صاحب قسطنطينية.

والبحر الثالث: الخراساني عَلَيْهِ جبال موقان وطبرستان وري وجرجان حَتَّى يبلغ خوارزم، وَفِي الجانب الشمالي أربعة آلاف ومائة مدينة، وَفِي يد ملك النوبة ألف مدينة من العين، وفي ناحية الشمال ثلاثة بحور، ويقال إِن بحر الهند طوله من المغرب إِلَى المشرق، ألف ميل، وعرضه الفا ميل وسبعمائة ميل، وبجانبه جزيرة يستوي فِيهَا الليل والنهار، وفيه من الجزائر ألف وثلاثمائة وستون جزيرة فِيهَا جبال، ومبلغ الأقاليم السبعة ثمانية وثلاثون ألف فرسخ، وعرضها ألف وتسعمائة وخمس وتسعون فرسخا.
وذكروا أن الفلك ثلاثمائة وستون/ درجة، محيط بالأرض كالمحة فِي جوف البيضة، ويحيط بالبحر من أسفل وَفَوْقَ. وَالأَرْض فِي وسط الفلك.
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ الفقيه: قَدْ جعل اللَّه سبحانه وتعالى لكل بحر جزرا ومدا، وَفِي بحر فارس الماء ثلاثون باعا إِلَى سبعين باعا، وفيه اللؤلؤ الجيد، ثُمَّ بَعْد ذَلِكَ بحر فِيهِ ملوك من العرب يَكُون عَلَى الزنج والصقالبة، وَفِي هذه الجزيرة عنبر كثيرة فيله لا يحصى، وجزائر الواق ألف وسبعمائة جزيرة ملكتها امرأة.
قَالَ موسى بْن الْمُبَارَك السيرافي: دخلت مملكتها فرأيتها تقعد لأهل مملكتها عريانة عَلَى السرير وعليها تاج، وعلى رأسها أربعة آلاف وصيفة عراة أبكار [1] .
وَفِي بلادها من السمك مَا يَكُون مائة ذراع، ومائتي ذراع يخاف عَلَى السفر منها أَن يضربها بأجنحتها فتغرق المركب، فَإِذَا سلك المركب هناك ضربوا بالخبث بالليل كله مخافة من هَذَا السمك، وفيه سلاحف السلحفاة استدارت عشرون ذراعا، يخرج من بطن الواحدة ألف بيضة، وفيه طين يجمع عَلَى رأس الماء أشياء، وتبيض عَلَيْهَا وتحضنه. وفيه سمك عَلَى خلقة البقر.
وثم جزيرة سرنديب [2] ، فَإِذَا مَات الميت هناك قطع أربعة أرباع وأحرق بالنار، وأهله ونساؤه يتهافتون حوله حتى يحرقوا أنفسهم معه.

وثم الكركورن [1] ، وناس حفاة عراة لا يفهم كلامهم مأواهم رءوس الشجر، وطعامهم ثمر الشجر، ويستوحشون من النَّاس، وهناك أشجار الكافور، تظل الشجرة مائة رجل ومائتين، ويسيل الكافور كَمَا يسيل الصمغ، ومن ورائهم قوم يأكلون الناس مأواهم رءوس الجبال، ثُمَّ هناك جزيرتان فيهما قوم سود يأكلون الرجال دُونَ النِّسَاء، وبعد ذَلِكَ يخرج فيه حيات يبتلع الرجال، وثم قردة بيض كالجواميس، وسنانير لَهَا أجنحة، والبد صنم بالهند يحجون إليه من مسيرة سَنَة وأكثر، ويتقربون إِلَيْهِ وطوله أرجح من عشرين ذراعا عَلَى صورة رجل، ويزعمون أَنَّهُ نزل من السماء، وَهُوَ من حجر ألبس صفائح من ذهب وَلَهُ سدنة ويمار [2] فِي الرجل وَقَدْ لف عَلَى أَصَابِعه قطنا وصب عَلَيْهَا دهنا ويشعل فِيهَا النار، فلا يزال واقفا حَتَّى يحترق، وبين الهند والصين ثلاثون ملكا أصغر ملك بها يملك مَا يملكه العرب، ومن ذبح ببلاد الهند بقرة يذبح.





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید