المنشورات

إلياس

فأمه الرباب بنت حيدة بْن معد.
وذكر الزبير بْن بكار: أن إلياس لما أدرك أنكر عَلَى بني إسماعيل ما غيروا من سنن آبائهم وسيرتهم وكان [1] فضله عليهم، فجمعهم برأيه، وردهم إِلَى سنن آبائهم [2] ، وهو أول من أهدى البدن إِلَى البيت- أو فِي زمانه- وهو أول من وضع الركن للناس بعد هلاكه، حَتَّى غرق البيت وانهدم فوضعه فِي زاوية البيت [3] ، ولم تبرح العرب تعظم إلياس تعظيم أهل الحكمة كتعظيمها لقمان، وهو أول من مات بالنبل فأسفت عَلَيْهِ زوجته خندف أسفا شديدا، وكانت قد نذرت فِي مرضه أنه إن هلك لا تقيم فِي بلد مات فيه أبدا، ولا يظلها [سقف] [4] بيت وأن تسيح فِي الأرض فخرجت سائحة حَتَّى هلكت حزنا.
فصل
قَالَ مؤلف الكتاب: وكان من أولاد إلياس: قمعة، وولد لقمعة لحي، وولد له [5] : عمرو، وهو أول من غير دين الحنفية دين إِبْرَاهِيم، وأول من نصب الأوثان حول الكعبة، وجعل البحيرة، والسائبة، والوصاية، والحام، واستخراج إساف ونائلة فنصبهما.
قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «أريت النار فإذا فيها عمرو ولد لحي يتأذى أهل النار بريحه وهو أول من غير دين إِبْرَاهِيم [6] ورأيته يجر قصبه فِي النار» . وَقَالَ ابن عباس رضي اللَّه عنه: قدم عمرو بْن لحي بهبل من الشام فنصبه عَلَى الأخشب، وأمر النَّاس بعبادته، وأخرج إسافا ونائلة من البيت فنصب إسافا مقابل الركن الأسود وبين زمزم، ونصب نائلة إليه جانب البيت وتجاه المقام، ونصب بمنى سبعة أصنام، ونصب مناة عَلَى ساحل البحر، واتخذ للعزى بنخلة بيتا يطوفون به كطوافهم بالكعبة، فكانوا إذا طافوا بالبيت لم يحلوا [1] حَتَّى يأتوا العزى، فيطوفون به
. وأما مضر
[2] فأمه سودة بنت عك، وأخوه لأبيه وأمه: إياد، ولهما أخوان من أبيهما واسمهما: / ربيعة وأنمار [3] .
وقد قَالَ الزبير بْن بكار: إن نزار بْن معد لما حضرته الوفاة أوصى بنيه، وقسم ماله بينهم، فَقَالَ: يا بني، هَذِهِ القبة [4]- وهي من أدم حمراء- وما أشبهها من مالي لمضر [5] ، فسمي مضر الحمراء. وهذا الخباء الأسود وما أشبهه من مالي لربيعة فخلف خيلا دهما [6] ، فسمي ربيعة الفرس [7] . وهذه الخادم وما أشبهها من مالي لإياد- وكانت شمطاء- فأخذ البلق والنّقد من غنمه [8] وهذه البدرة، والمجلس لأنمار يجلس فيه [9] ، فأخذ أنمار ما أصابه. وَقَالَ: فإن أشكل عليكم فِي ذلك شَيْء واختلفتم فِي القسمة فعليكم بالأفعى الجرهمي. فاختلفوا فِي القسمة، فذهبوا إِلَى الأفعى. فبينما هم فِي مسيرتهم إذ رأى مضر كلأ قد رعي، فَقَالَ: إن البعير الَّذِي قد رعى [10] هَذَا الكلأ لأعور، وَقَالَ ربيعة: إنه أزور، وَقَالَ إياد: هو أبتر. وَقَالَ أنمار: هو شرود.
فلم يسيروا إلا قليلا حَتَّى لقيهم رجل توضع به راحلته، فسألهم عَنِ البعير، فَقَالَ مضر: هو أعور؟ قَالَ: نعم. وَقَالَ ربيعة: هو أزور؟ قَالَ: نعم. وقال إياد: هو أبتر؟
قال: نعم. وقال أنبار: هو شرود؟ قَالَ: نعم، هَذِهِ والله صفة بعيري، دلّوني عليه، فحلفوا: ما رأوه [1] . فلزمهم وَقَالَ: كيف أصدقكم وأنتم تصفون بعيري! فساروا جميعا حَتَّى قدموا نجران، فنزلوا بالأفعى الجرهمي، فنادى [2] صاحب البعير: إن بعيري عند هَؤُلاءِ الأقوام لأنهم [3] وصفوا لي صفته. ثم قالوا: لم نره. فَقَالَ الجرهمي: كيف وصفتموه ولم تروه؟ فَقَالَ مضر: رأيته يرعى جانبًا [ويدع جانبا] [4] ، فعرفت أنه أعور. وَقَالَ ربيعة رأيت إحدى يديه ثابتة الأثر والأخرى فاسدة الأثر، فعرفت أنه أفسدها بشدة وطئه لازوراره. وَقَالَ إياد: عرفت أنه أبتر باجتماع بعره، فلولا ذلك لمصع [5] به. وَقَالَ أنمار:
عرفت أنه شرود، لأنه يرعى بالمكان الملتف نبته، ثُمَّ يجوزه إِلَى مكان آخر أرق [منه] [6] نبتا وأخبث [7] . فَقَالَ الجرهمي: ليسوا بأصحاب بعيرك، فاطلبه/، ثُمَّ سألهم فأخبروه فرحب بهم، ثم قَالَ: أتحتاجون إلي وأنتم كما أرى! ثم دعا لهم بطعام فأكلوا وأكل، وشربوا وشرب، فَقَالَ مضر: لم أر كاليوم خمرا أجود [8] ، لولا أنها نبتت عَلَى قبر، وَقَالَ ربيعة: لم أر كاليوم لحما أطيب، لولا أنه ربي [9] بلبن كلبة. وَقَالَ إياد: لم أر كاليوم رجلًا أسرى لولا أنه لغير أبيه الذي يدعى له [10] . وَقَالَ أنمار: لم أر كاليوم كلاما أنفع فِي حاجتنا [11] . [من كلامنا] [12] .
وسمع الجرهمي الكلام فتعجب من قولهم وأتى أمّه فسألها وهددها [13] ، فأخبرته أنها كانت تحت ملك لا يولد له، وكرهت أن يذهب الملك، فأمكنت رجلا من نفسها كان نزل بِهَا، فوطئها فحملت به، وسأل القهرمان عَنِ الخمر، فَقَالَ: من حبلة [1] غرستها عَلَى قبر أبيك، وسأل الراعي عَنِ اللحم، فَقَالَ: شاة أرضعتها بلبن كلبة، ولم يكن ولد فِي الغنم شاة غيرها. فقيل لمضر: من أين عرفت الخمر ونباتها عَلَى قبر؟ قَالَ:
لأنه أصابني عليها عطش شديد، وقيل لربيعة: فبم؟ قَالَ: فذكر كلاما.
فأتاهم الجرهمي فَقَالَ: صفوا لي صفتكم. فقصوا عَلَيْهِ ما أوصاهم به أبوهم، فقضى بالقبة الحمراء والدنانير والإبل- وهي حمر- لمضر، وقضى بالخباء الأسود والخيل الدهم لربيعة، وقضي بالخادم- وكانت شمطاء- وبالماشية البلق لإياد، وقضى بالأرض والدراهم لأنمار.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي قَالَ: أخبرنا الجوهري قال: أخبرنا ابن حيوية قال:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَعْرُوفٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أبي أسامة قال: أخبرنا محمد بن سعد قال: أخبرنا خالد بن خداش قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2] .
«لا تَسُبُّوا مُضَرَ فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ» [3]





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید