المنشورات

خروج النبي إِلَى الشام فِي المرة الثانية فِي تجارة لخديجة وتزويجه بها رضي اللَّه عنها.

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ [4] الْبَزَّازُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ [5] الجوهري قَالَ: أخبرنا أبو عمرو بن حيوية قال: أخبرنا أحمد بن معروف الخشاب قال:
أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: أخبرنا محمد بن سعد قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ [6] قَالَ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ شَيْبَةَ، عَنْ عُمَيْرَةَ بِنْتِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أُمِّ سَعْدٍ بِنْتِ سعد بن الرّبيع، عن نفيسة بنت منية أُخْتِ يَعْلَى بْنِ مُنْيَةَ قَالَتْ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً قَالَ لَهُ أَبُو طَالِبٍ: أَنَا رجل فقير [7] لا مال لِي، وَقَدِ اشْتَدَّ الزَّمَانُ عَلَيْنَا، وَهَذِهِ عِيرُ قَوْمِكَ قَدْ حَضَرَ خُرُوجُهَا إِلَى الشَّامِ، وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدَ تَبْعَثُ رِجَالا مِنْ قَوْمِكَ فِي عِيرَاتِهَا [1] ، فَلَوْ جِئْتَهَا فَعَرَضْتَ نَفْسَكَ عَلَيْهَا لأَسْرَعَتْ إِلَيْكَ، فَبَلَغَ خَدِيجَةَ مَا كَانَ مِنْ مُحَاوَرَةِ عَمِّهِ لَهُ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَقَالَت: أنا أعطيك ضعف ما أعطي رَجُلا مِنْ قَوْمِكَ.
فَقَالَ لَهُ أَبُو طَالِبٍ: هَذَا رِزْقٌ قَدْ سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْكَ، فَخَرَجَ مَعَ غُلامِهَا مَيْسَرَةَ، وَجَعَلَ عُمُومَتُهُ يُوصُونَ بِهِ أَهْلَ الْعِيرِ حَتَّى قَدِمَا بُصْرَى مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، فَنَزَلا فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ فَقَالَ نَسْطُورُ الرَّاهِبُ: مَا نَزَلَ تَحْتَ هَذِهِ قَطُّ إِلا نَبِيٌّ، ثُمَّ قَالَ لِمَيْسَرَةَ: أَفِي عَيْنَيْهِ حُمْرَةٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، لا تُفَارِقُهُ. قَالَ: هُوَ نَبِيٌّ، وَهُوَ آخِرُ الأَنْبِيَاءِ. ثُمَّ بَاعَ سِلْعَتَهُ، فَوَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ تَلاحٍ فَقَالَ لَهُ: احْلِفْ بِاللاتِ وَالْعُزَّى.
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا حَلَفْتُ بِهِمَا قَطُّ،. وَإِنِّي لأَمُرُّ فَأُعْرِضُ [2] عَنْهُمَا» فَقَالَ الرَّجُلُ: الْقَوْلُ قَوْلُكَ، ثُمَّ قَالَ لِمَيْسَرَةَ: هَذَا وَاللَّهِ نَبِيٌّ تَجِدُهُ أَحْبَارُنَا [3] مَنْعُوتًا فِي كُتُبِهِمْ، وَكَانَ مَيْسَرَةُ إِذَا كَانَتِ الْهَاجِرَةُ، وَاشْتَدَّ الْحَرُّ يَرَى مَلَكَيْنِ يُظِلانِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الشَّمْسِ، فَوَعَى ذَلِكَ كُلَّهُ مَيْسَرَةُ، وَبَاعُوا تِجَارَتَهُمْ وَرَبِحُوا ضِعْفَ مَا كَانُوا يَرْبَحُونَ، وَدَخَلَ مَكَّةَ فِي [4] سَاعَةِ الظَّهِيرَةِ، وَخَدِيجَةُ فِي عُلَيَّةٍ لَهَا فَرَأَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ عَلَى بَعِيرِهِ، وَمَلَكَانِ يُظِلانِ عَلَيْهِ، فَأَرَتْهُ نِسَاءَهَا فَعَجِبْنَ لِذَلِكَ، وَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَبَّرَهَا بِمَا رَبِحُوا فِي تِجَارَتِهِمْ وَوَجْهِهِمْ، فَسُرَّتْ بِذَلِكَ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا مَيْسَرَةُ أَخْبَرَتْهُ بِمَا رَأَتْ فَقَالَ: قد رأيت [5] هذا منذ خرجنا من الشَّامَ، وَأَخْبَرَهَا بِمَا قَالَ الرَّاهِبُ نَسْطُورُ، وَبِمَا قَالَ الآخَرُ الَّذِي خَالَفَهُ فِي الْبَيْعِ.
وَكَانَتْ خَدِيجَةُ امْرَأَةٌ حَازِمَةٌ جَادَّةٌ شَرِيفَةٌ، مَعَ مَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَا مِنَ الْكَرَامَةِ وَالْخَيْرِ، وَهِيَ يَوْمَئِذٍ أَوْسَطُ قُرَيْشٍ نَسَبًا، وَأَعْظَمُهُمْ شَرَفًا وَأَكْثَرُهُمْ مَالا، وَكُلُّ قَوْمِهَا [6] كَانَ حَرِيصًا عَلَى نِكَاحِهَا لو قدر على ذلك، قد طلبوا [ذلك] [7]
وبذلوا الأموال، فأرسلتني دسيسا إلى محمد صلى الله عليه وسلم بَعْدَ أَنْ رَجَعَ مِنَ الشَّامِ، فَقُلْتُ: يَا مُحَمَّدُ، مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَزَوَّجَ؟ قَالَ: مَا بِيَدِي مَا أَتَزَوَّجُ بِهِ. قُلْتُ: فَإِنْ كُفِيتَ ذَلِكَ وَدُعِيتَ إِلَى الْجَمَالِ وَالْمَالِ وَالشَّرَفِ وَالْكَفَاءَةِ أَلا تُجِيبَ؟ قَالَ: فَمَنْ هِيَ؟ قُلْتُ: خَدِيجَةَ. قَالَ:
وَكَيْفَ لِي بِذَلِكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: عَلَيَّ قَالَ: افْعَلْ، فَذَهَبْتُ فَأَخْبَرْتُهَا فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ أَنِ ائْتِ السَّاعَةَ كَذَا وَكَذَا. فَأَرْسَلَتْ إِلَى عَمِّهَا عَمْرِو بْنِ أَسَدٍ لِيُزَوِّجَهَا. فَحَضَرَ وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُمُومَتِهِ، فتزوّجها وهو ابن خمس وعشرين سنة، وخديجة يومئذ بِنْتُ أَرْبَعِينَ سَنَةً [1] . وَقَدِ روى قوم [2] : أن خديجة سقت أباها الخمر فلما صحا ندم.
قَالَ الواقدي: هَذَا غلط والصحيح عندنا المحفوظ عند أهل العلم [3] أن عمها زوجها، وأن أباها مات قبل الفجار.
وذكر ابن فارس: أن أبا طالب خطب يومئذ فَقَالَ:
الحمد للَّه الذي جعلنا من ذرية إِبْرَاهِيم، وزرع إسماعيل، وضئضئ [4] معد، وعنصر مضر، وجعلنا حضنة [5] بيته، وسواس حرمه، وجعل لنا بيتا محجوبا، وحرما آمنا، وجعلنا الحكام عَلَى الناس. ثم إن ابن أخي هَذَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه لا يوزن به رجل إلا رجح به، وإن كان فِي المال قل فإن المال ظل [6] زائل، وأمر حائل، ومُحَمَّد من قد عرفتم قرابته، وقد خطب خديجة بنت خويلد، وبذل لها من الصداق ما آجله وعاجله من مالي، وهو والله بعد هَذَا له نبأ عظيم، وخطر جليل.
فتزوجها رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم، وكانت خديجة [7] قد ذكرت أول ما ذكرت للأزواج لورقة بْن نوفل، فلم يقض بينهما نكاح، فتزوجها أَبُو هالة، واسمه: هند، وقيل:
مالك بن النباش [1] ، فولدت له هند وهالة و [هما] [2] ذكران، ثم خلف عليها بعده عتيق بْن عائذ المخزومي، فولدت له جارية اسمها: هند.
وبعضهم يقدم عتيقا عَلَى أبي هالة ثم تزوجها رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ ابن إِسْحَاق: فولدت له ولده كلهم إلا إِبْرَاهِيم: زينب ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة، والقاسم وبه كان يكنى، والطاهر، والطيب. وهلك هَؤُلاءِ الذكور فِي الجاهلية، وأدرك الإناث الْإسْلَام فأسلمن وهاجرن معه.
وَقَالَ غيره [3] : الطيب والطاهر: لقبان لعبد الله، وولد فِي الإسلام.
وأما منزل خديجة فإنه يعرف بها اليوم، اشتراه معاوية فيما ذكر، فجعله مسجدا يصلي فِيهِ الناس وبناه عَلَى الذي هو عَلَيْهِ اليوم، ولم يغيره.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: أخبرنا محمد بن سعد قال: أخبرنا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [4] قَالَ:
كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ وُلِدَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ: الْقَاسِمُ، وَبِهِ كَانَ يُكَنَّى، ثُمَّ وُلِدَ لَهُ زَيْنَبُ، ثُمَّ رُقَيَّةُ، ثُمَّ فَاطِمَةُ، ثُمَّ أُمُّ كُلْثُومٍ، ثُمَّ وُلِدَ لَهُ فِي الإِسْلامِ عَبْدُ اللَّهِ فَسُمِّيَ الطَّيِّبُ وَالطَّاهِرُ، وَأُمُّهُمْ جَمِيعًا خَدِيجَةُ بِنْتُ [خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ] [5] ، وَأُمُّهَا فاطمة بنت زائدة بن الأَصَمِّ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ مَاتَ مِنْ وَلَدِهِ: القاسم، ثم مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ بِمَكَّةَ، فَقَالَ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ: قَدِ انْقَطَعَ وَلَدُهُ فَهُوَ أَبْتَرُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ 108: 3 [1] .
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَاتَ الْقَاسِمُ وَهُوَ ابْنُ سَنَتَيْنِ [2] .
وَقَالَ مُحَمَّد بْن عمر: وكانت سلمى مولاة صفية بنت عَبْد المطلب تقبل خديجة فِي ولادها [3] ، وكانت تعق عَنْ كل غلام شاتين، وعن الجارية شاة [وكان] بين كل ولدين [4] لها سنة، وكانت تسترضع لهم، وتعد ذلك قبل ولادتها [5]







مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید