المنشورات

أكثم بْن صيفي الحكيم لما سمع بظهور رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم أراد أن يأتيه فمنعه قومه.

أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْد الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَلَغَ أَكْثَمَ بْنَ صَيْفِيٍّ مَخْرَجُ النَّبِيَّ صَلَّىَ اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرَادَ أَنْ يَأْتِيَهُ فَأَبَى قَوْمُهُ أَنْ يَدَعُوهُ، وَقَالُوا:
أَنْتَ كَبِيرُنَا لَمْ يَكُنْ لِتَخِفَّ إِلَيْهِ. قَالَ: فَلْيَأْتِ مَنْ يُبَلِّغْهُ عَنِّي وَيُبَلِّغْنِي عَنْهُ، فَانْتُدِبَ رَجُلانِ فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالا: نَحْنُ رُسُلُ أَكْثَمِ بْنِ صَيْفِيٍّ، وَهُوَ يَسْأَلُكَ مَنْ أَنْتَ، وَمَا أَنْتَ، وَبِمَاذَا أُجِبْتَ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ تَلا عَلَيْهِمْ هَذِهِ الآَيَةَ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ 16: 90 [4] قَالا: رَدِّدْ عَلَيْنَا هَذَا الْقَوْلَ، فَرَدَّدَهُ عَلَيْهِمْ حَتَّى حَفِظُوهُ قَالَ: فَلَمَّا أَتَيَا أَكْثَمَ قَالا: [5] قَدْ سَأَلْنَاهُ عَنْ نَسَبِهِ فَوَجَدْنَاهُ وَاسِطَ النَّسَبِ فِي مُضَرٍ وَقَدْ رَمَى إِلَيْنَا كَلِمَاتٍ حَفِظْنَاهُنَّ فَلَمَّا سَمِعَهُنَّ أَكْثَمُ قَالَ: يَا قَوْمُ أَرَاهُ يَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الأَخْلاقِ، وَيَنْهَى عَنْ مَلائِمِهَا، فَكُونُوا فِي هَذَا الأَمْرِ رُؤَسَاءً، وَلا تَكُونُوا أَذْنَابًا، وَكُونُوا فِيهِ أُوَّلا وَلا تَكُونُوا فِيهِ أُخَّرًا، وَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، فَأَوْصَى فَقَالَ: أوصيكم بِتَقْوَى اللَّهِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ، فَإِنَّهَا لا يَبْلَى عَلَيْهَا أَصْلٌ، وَلا يَهِيضُ عَلَيْهَا [1] فَرْعٌ، وَإِيَّاكُمْ وَنِكَاحَ الْحَمْقَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ سُوءَ جَهْلِ الْغَنِيِّ يُورِثُ سَرْحًا، وَأَنَّ سُوءَ جَهْلِ الْفَقِيرِ يَضَعُ الشَّرَفَ، وَأَنَّ الْعُدْمَ عُدْمُ الْعَقْلِ لا عُدْمُ الْمَالِ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَنْ يَهْلِكَ امْرُؤٌ عَرَفَ قَدْرَهُ، وَاعْلَمُوا أَنَّ مَقْتَلَ الرَّجُلِ بَيْنَ لِحْيَيْهِ، وَأَنَّ قَوْلَ الْحَقِّ لَمْ يَتْرُكْ لِي صَدِيقًا.
وذكر أَبُو هلال الحسن بْن عَبْد اللَّه بْن سهل العسكري: أن أكثم بْن صيفي سمع بذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكتب إليه مع ابنه حبيش [: باسمك اللَّهمّ، من العَبْد إِلَى العَبْد، أما بعد: فبلغنا ما بلغك اللَّه، فقد بلغنا عنك خير، فإن كنت أريت فأرنا، وإن كنت علمت فعلمنا وأشركنا فِي خيرك والسلام.
فكتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم: «من محمد رسول الله إِلَى أكثم بْن صيفي، أحمد اللَّه إليك، إن اللَّه أمرني أن أقول لا إله إلا اللَّه وليقر بها الناس، والخلق خلق الله، والأمر كله للَّه، وهو خلقهم وأماتهم، وهو ينشرهم وإليه المصير. بادابه المرسلين ولتسلن عن النبأ العظيم، ولتعلمن نبأه بعد حين] [2] .
فَقَالَ لابنه: ما رأيت منه، قَالَ: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق، وينهى عَنْ ملائمها.
[فجمع أكثم بني تميم، وَقَالَ: لا تحقرن سفيها، فإن من يسمع يخل، وإن من يخل ينظر وإن السفيه واهي الرأي وإن كان قوي البدن، ولا خير فيمن عجز رأيه ونقص عقله.
فلما اجتمعوا دعاهم إِلَى اتباع رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ مالك بْن عروة اليربوعي مع نفر من بني يربوع فَقَالَ: خرف شيخكم، إنه ليدعوكم إِلَى الغبار، ويعرضكم للبلاء، وأن تجيبوه تفرق جماعتكم وتظهر أضغاثكم، ويذلل عزكم، مهلا مهلا. فَقَالَ أكثم بْن صيفي: ويل للشجي من الخلي، يا لهف نفسي عَلَى أمر لم أدركه ولم يفتني ما آسى عليك بل عَلَى العامة، يا مالك إن الحق إذا قام دفع الباطل وصرع صرعى قياما، فتبعه مائة من عمرو وحنظلة، وخرج إِلَى النبي صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم، فلما كان فِي بعض الطريق] [3] عمد حبيش إِلَى رواحلهم فنحرها وشق ما كان معهم من مزادة وهرب، فأجهد أكثم العطش فمات، وأوصى من معه باتباع النبي صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم وأشهدهم أنه أسلم. فأنزل فيه: وَمن يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ، فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى الله 4: 100 [1] .
[فهاتان الروايتان تدلان عَلَى أن أكثم بْن صيفي أدرك رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقد روينا أنه مات قبل ذلك] [2] .
قَالَ مؤلف الكتاب رحمه اللَّه: كان أكثم بْن صيفي من كبار الحكماء، وعاش مائتي سنة، وله كلام مستحسن [3] .
[فمنه: من عتب عَلَى الدهر طالت معتبته، ومن رضي بالقسم طابت معيشته، والدنيا دول، فما كان منها لك أتاك عَلَى ضعفك، وما كان منها عليك لم تدفعه بقوتك، والحسد داء ليس له شفاء، من يصحب الزمان يرى الهوان، ولم يفت من لم يمت، وكل ما هو آت قريب ومن سأمنه يؤتى الحذر «دخل الطريق لمن لا يضيق لوسع يجدأ ودع البر ينحو عَلَيْهِ العدو» [4] كفوا ألسنتكم، فإن مقتل الرجل بين فكيه، وَفِي طلب المعالي تكون العزة، ومن قنع بما هو فيه قرت عينه، ولم يهلك من مالك ما وعظك، لا تغضبوا من اليسير فإنه يجني الكثير، وألزموا النساء المهنة، وأكرموا الخيل، ونعم لهو الحرة المغزل، وحيلة من لا حيلة له الصبر، المكثار حاطب ليل، أشد الناس مئونة أشرافهم، ومن التواني والعجز أنتجت الهلكة، وأحوج الناس إِلَى الغنى من لم يصلحه إلا الغناء، وحب المدح رأس الضياع، ورضى الناس لا يدرك، فتحر الخير بجهدك، ولا تكره سخط من رضاه الجور، معالجة العفاف مشقة، فنعوذ بالصبر وآخر الغضب، فإن القدرة من ورائك غي، الصمت خير من عي المنطق، خير القرناء المرأة الصالحة، ليس للمختال فِي حسن الثناء نصيب، ولا تمام لشيء من العجب،ومن أتى المكروه إِلَى أحد فبنفسه بدأ، وأقل الناس راحة الحسود، يا بني سودوا أعقلكم، فإن أمر مسير القوم إذا لم يك عاقلا كان آفة لمن دونه، والتفاضل من فعل الكرام، والصدق فِي بعض المواطن عجز، والمن يذهب للصنيعة، ومن سلك الجدد أمن العثار، ومن شدد تفر، ولقاء الأحبة مسلاة للهم، ومن ظلم يتيما ظلم أولاده، من سل سيف البغي أغمد فِي رأسه] [1]





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید