فأقرأهم كتاب الوليد وهم عنده، فأجاب القوم إلى الثمن، فأعطاهم إياه، وبدأ بهدم بيوت أزواج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يمكث إلا يسيرا حتى قدم الفعلة، بعث بهم الوليد.
وبعث الوليد إلى صاحب الروم يعلمه أنه أمر بهدم مسجد رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ، وأن يعينه فيه، [فبعث إليه] [1] بمائة ألف مثقال من ذهب، وبمائة عامل، وبأربعين حملا من الفسيفساء، فبعث به إلى عمر، وتجرد عمر لذلك، واستعمل صالح بن كيسان على ذلك.
أَنْبَأَنَا أبو بكر بن أبي طاهر، قَالَ: أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا [أَبُو] عمر [2] بْن حيويه، قَالَ: أخبرنا أحمد بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهِمِ، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْن يَزِيدَ الْهُذَلِيُّ، قَالَ: رَأَيْتُ مَنَازِلَ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ هَدَمَهَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ فِي خِلافَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَزَادَهَا فِي الْمَسْجِدِ، وَكَانَتِ بُيُوتًا/ بِاللَّبِنِ، وَلَهَا حُجَرٌ مِنْ جَرِيدٍ مَطْرُودٍ بِالطِّينِ، عَدَدْتُ تِسْعَةَ أَبْيَاتٍ بِحُجَرِهَا وَهِيَ مَا بَيْنَ بَيْتِ عَائِشَةَ إِلَى الْبَابِ الَّذِي يَلِي بَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّمَ إِلَى مَنْزِلِ أَسْمَاءَ بِنْتِ حَسَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَرَأَيْتُ بَيْتَ أُمِّ سَلَمَةَ وَحُجْرَتُهَا مِنْ لَبِنٍ، فَسَأَلْتُ ابْنَ ابْنِهَا، فَقَالَ: لَمَّا غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَوْمَةَ الْجَنْدَلِ بَنَتْ أُمُّ سَلَمَةَ حُجْرَتَهَا بِلَبِنٍ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَظَرَ إِلَى اللَّبِنِ فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَوَّلَ نِسَائِهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا الْبِنَاءُ؟ قَالَتْ: أَرَدْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ أَكُفَّ أَبْصَارَ النَّاسِ، فَقَالَ: «يَا أُمَّ سَلَمَةَ إِنَّ شَرَّ مَا ذَهَبَ فِيهِ مَالُ الْمُسْلِمِ الْبُنْيَانُ» . قال محمد بن عمر: حدثني معاذ بن محمد الأنصاري، قال: سمعت عطاء الخراساني في مجلس فيه عمران بن أبي أنس، يقول وهو فيما بين القبر والمنبر:
أدركت حجر أزواج رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ من جرائد النخل، على أبوابها المسوح من شعر أسود، فحضرت كتاب الوليد [بن عبد الملك] [1] يقرأ، يأمر بإدخال حجر أزواج النبي صَلى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ [2] في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، فما رأيت يوما باكيا أكثر بكاء من ذلك اليوم.
قال عطاء: فسمعت سعيد بن المسيب يقول يومئذ: والله لوددت أنهم تركوها على حالها فينشأ ناشئ من أهل المدينة، ويقدم القادم من الأفق فيرى ما اكتفى به رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ في حياته فيكون ذلك مما يزهد الناس من التكاثر والتفاخر فيها.
قال معاذ: فلما فرغ عطاء الخراساني من حديثه، قال عمر بن أنس: كان بينها أربعة أبيات بلبن، لها حجر من جرائد، وكانت خمسة أبيات من جرائد مطينة لا حجر لها، على أبوابها المسوح من الشعر ذرعت الستر [منها] فوجدته ثلاثة أذرع في ذراع، فأما ما ذكرت من كثرة البكاء فلقد رأيت في مجلس فيه نفر من أبناء أصحاب رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ/ منهم أبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو أمامة بن سهل بن حنيف، وخارجة بن زيد بن ثابت، وانهم ليبكون حتى أخضل لحاهم الدمع.
وقال يومئذ أبو أمامة: ليتها تركت فلم تهدم حتى يقصر الناس عن البناء، ويرون ما رضي الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ ومفاتيح خزائن [3] الدنيا بيده.
مصادر و المراجع :
١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك
المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
(المتوفى: 597هـ)
تعليقات (0)