المنشورات

محمد بن عبد الباقي

بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الربيع بن ثابت بن وهب بن مشجعة بن الحارث بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الأنصاري أحد الثلاثة الّذي تيب عليهم في قوله تعالى: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا 9: 118 [1] أبو بكر بن أبي طاهر ويعرف أبوه بصهر هبة الله [2] البزار.
ولد بالبصرة ونشأ بها وكنا نسأله عن مولده [3] ، فقال: أقبلوا على شأنكم فأني سألت القاضي/ أبا المظفر هناد بن إبراهيم النسفي عن سنه، فقال: أقبل على شأنك، 6/ أفاني سألت أبا الفضل محمد بن أحمد الجارودي عن سنه، فقال لي: أقبل على شأنك، فأني سألت أبا بكر محمد بن علي بن زحر المنقري عن سنه فقال: أقبل على شأنك، فاني سألت أبا أيوب الهاشمي عن سنه، فقال لي: أقبل على شأنك، فإني سألت أبا إِسْمَاعِيل الترمذي عن سنه، فقال لي: أقبل على شأنك، فأني سألت البويطي عن سنه فقال لي: أقبل على شأنك، فإني سألت الشافعي عن سنه فقال لي: أقبل على شأنك، فإني سألت مالك بن أنس عن سنه فقال لي: أقبل على شأنك، ثم قال لي: ليس من المروءة أن يخبر الرجل عن سنه [4] .
قال لنا شيخنا محمد بن عبد الباقي، ووجدت في طريق آخر قيل له: قال: لأنه إن كان صغيرا استحقروه وإن كان كبيرا استهرموه، ثم قال لنا: مولدي في يوم الثلاثاء عاشر صفر سنة اثنتين وأربعين واربعمائة، وذكر لنا أن منجمين حضرا حين ولدت فأجمعا أن العمر اثنتان وخمسون سنة، قال: وها أنا قد جاوزت التسعين، وأنشدني:
احفظ لسانك لا تبح بثلاثة ... سن ومال ما استطعت ومذهب
فعلى الثلاثة تبتلى بثلاثة ... بممّوه ومكفر ومكذب
وحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين، وأول سماعه الحديث من أبي إسحاق البرمكي في رجب سنة خمس وأربعين حضورا وسمع من أبي الحسن الباقلاني [1] [سنة ست وأربعين، وكان آخر من حدث في الدنيا عن أبي إسحاق البرمكي، وأخيه أبي الحسن علي بن عمر، والقاضي أبي الطيب الطبري، وأبي طالب العشاري، وأبي الحسن علي بن إبراهيم الباقلاوي] [2] ، وأبي محمد الجوهري، وأبي القاسم عمر بن الحسين الخفاف، وأبي الحسين محمد بن أحمد بن حسنون، وأبي علي الحسن بن غالب المنقري، 6/ ب وأبي الحسين بن الآبنوسي، وأبي طالب بن أبي طالب المكي، وأبي الفضل هبة الله/ ابن المأمون، فهؤلاء تفرد بالرواية عنهم، وقد سمع خلقا كثيرا يطول ذكرهم وكانت له إجازة من أبي القاسم علي بن المحسن التنوخي، وأبي الفتح بن شيطا، وأبي عبد الله محمد بن سلامة القضاعي، وتفقه على القاضي أبي يعلى بن الفراء، وشهد عند قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني، وعمر حتى ألحق الصغار بالكبار، وكان حسن الصورة حلو المنطق مليح المعاشرة، وكان يصلي بجامع المنصور فيجيء في بعض الأيام فيقف وراء مجلسي وأنا على منبر الوعظ فيسلم علي، وأملي الحديث في جامع القصر فاستملى شيخنا أبو الفضل بن ناصر، وقرأت عليه الكثير، وكان فهما ثبتا، حجة متقنا في علوم كثيرة، متفردا في علم الفرائض، وقال يوما: صليت الجمعة بنهر معلى ثم جلست انظر الناس يخرجون من الجامع فما رأيت احدا أشتهي أن أكون مثله، وكان يقول: ما أعلم أني ضيعت من عمري ساعة في لهو أو لعب، وما من علم إلا وقد حصلت بعضه أو كله، وكان قد سافر فوقع في أيدي الروم فبقي في أسرهم سنة ونصفا، وقيدوه وجعلوا الغل في عنقه وأرادو أن ينطق بكلمة الكفر فلم يفعل، وتعلم بينهم الخط الرومي، وسمعته يقول يجب على المعلم أن لا يعنف وعلى المتعلم أن لا يأنف.
وسمعته يقول: كن على حذر من الكريم إذا أهنته، ومن اللئيم إذا أكرمته، ومن العالم إذا أحرجته، ومن الأحمق إذا مازحته، ومن الفاجر إذا عاشرته. وسمعته يقول: من خدم المحابر خدمته المنابر.
وأنشدني لنفسه:
بغداد دار لأهل المال طيبة ... وللمفاليس دار الضنك والضيق
/ ظللت حيران أمشي في أزقتها ... كأنني مصحف في بيت زنديق 7/ أ
وأنشدني [لنفسه] [1] :
لي مدة لا بد أبلغها ... فإذا انقضت وتصرمت مت [2]
لو عاندتني الأسد ضارية ... ما ضرني ما لم يجي الوقت
ورأيته بعد ثلاث وتسعين صحيح الحواس لم يتغير منها شيء، ثابت العقل، يقرأ الخط الدقيق من بعد، ودخلنا عليه قبل موته بمديدة، فقال: قد نزلت في أذني مادة وما أسمع، فقرأ علينا من حديثه وبقي على هذا نحوا من شهرين، ثم زال ذلك، وعاد إلى الصحة، ثم مرض فأوصى ان يعمق قبره زيادة على ما جرت به العادة، وقال: لأنه إذا حفر زيادة على ما جرت به العادة لم يصلوا إلي، وأن يكتب على قبره: قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ 38: 67- 68 [3] ، ولم يفتر عن قراءة القرآن إلى أن توفي.
وتوفي يوم الأربعاء قبل الظهر ثاني رجب هذه السنة، وصلى عليه بجامع المنصور، وحضر قاضي القضاة الزينبي، ووجوه الناس، وشيعناه إلى مقبرة باب حرب، ودفن إلى جانب أبيه قريبا من قبر بشر الحافي.




مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید