المنشورات

السلطان جمع العساكر لقصد الموصل والشام، وترددت رسل زنكي حتى تم الصلح على مائة ألف دينار تحمل في ثوب فحمل ثلاثين ألفا

 ثم تقلبت الأحوال فاحتيج إلى مداراة زنكي وسقط المال، وقيل بل خرج ابن الأنباري فقبض المال.
وفي هذه السنة: [1] قبض السلطان على ترشك المقتفوي، وحمل إلى قلعة خلخال، وقدم السلطان مسعود في [ربيع الآخر] [2] فنزل أصحابه في دور الناس وتضاعف فساد العيارين بدخوله وكثرت الكبسات والاستقفاء نهارا ونقل الناس رحالهم إلى دار الخلافة وباب المراتب، وكان اللصوص يمشون بثياب التجار في النهار فلا يعرفهم الإنسان حتى يأخذوه فأخذت خرق الصيارف وضاقت المعايش، وأعيد إلى 13/ أالولاية أبو الكرم الهاشمي/ في جمادى الأولى، فطاف البلد وأخذ ثلاثة فلم ينفع، وكان للعيارين عيون على [الناس] [3] من النساء والرجال يطوفون الخانات والرحبة والصيارف والجوهريين، فإذا عاينوا من قد باع شيئا تبعوه وأخذوا ما معه، وكانوا يجتمعون في دور الذين يحمونهم في دار وزير السلطان ودار يرنقش، وأخذوا خرق [4] الصيارف وجرحوهم، ولقوا رجلا قد باع دابة بخمسة وعشرين دينارا، فضربوه بالسيف وأخذوها فنفر الناس وغلقوا دكاكينهم، وغلقوا باب الجامع وتلقوا السلطان في الميدان، ومعهم ابن الكواز الزاهد فاستغاثوا إليه فلم يجبهم فعادوا مرارا وهو لا يلتفت وكان في العيارين ابن قاور [1] ، وهو ابن عم السلطان مسعود فأخذ بعملات فتقدم السلطان بصلبه فصلب بباب درب صالح الذي فيه بيته وصلب معه ثلاثة من أصحابه ثم أباح السلطان دماءهم فصلب منهم جماعة فسكن الناس.
وفي رجب: خرج ملك البطائح إلى تل علم فشاهده فكان طوله نحو ثمانمائة ذراع وعرضه نحو اربعمائة ذراع.
وفي هذه السنة: قدم مع السلطان فقيه كبير القدر اسمه الحسن بن أبي بكر النيسابوري، وكان من أصحاب أبي حنيفة، وكانت له معرفة حسنة باللغة وفهم جيد في المناظرة وجالسته مدة وسمعت مجالسه كثيرا فجلس بجامع القصر، وجامع المنصور وأظهر السنة، وكان يلعن الأشعري جهرا على المنبر، ويقول: كن شافعيا ولا تكن أشعريا، وكنت حنفيا ولا تكن معتزليا، وكن حنبليا ولا تكن مشبها ولكن ما رأيت أعجب من أصحاب الشافعي يتركون الأصل ويتعلقون بالفرع. ومدح الأئمة الأربعة، وذم الأشعري ثم قال: زاد في الشطرنج بغل والبغل مختلط النسب ليس له أصل صحيح، فقام في الأسبوع الثاني/ أبو محمد ابن الباطريخ فأنشده [2] قصيدة فيها هذا 13/ ب المعنى وهي:
صرف العيون إليك يحلو ... وكثير لفظك لا يمل
والناس لو متعتهم ... بك ألف عام لم يولوا
من أين وجه ملالهم ... وغرامهم بك لا يقل
لو رمت بذل نفوسهم ... بذلوا رضا لك واستقلوا
وافيت فابتسم الهدى ... وأنار دين مضمحل
ونهضت في نصر الكتاب ... بحد عضب لا يفل [3]
لمعانه يوم التناضل ... بالأدلة يستهل
أنعشت خامل معشر ... من بعد أن ضعفوا وقلوا
وعقدت حين نصرتهم ... في الدين عقدا لا يحل
وقمعت أخدان الضلال ... فهان ذكرهم وذلوا
وقطعت شملهم فليس ... لهم بحمد الله شمل
كم ذا التحدي بالدليل ... لهم وكم عجزوا وكلوا
انذرهم فان انتهوا ... عن كفرهم أو لا فقتل
ما ثم غير أبي حنيفة ... والمديح له يجل
وفقيه طيبة مالك ... طود له زهد وفضل
وفتى ابن حنبل والحديث ... عن ابن حنبل ما يمل
والشافعي ومن له ... من بعد من قدمت مثل
فهم أدلتنا ومن ... يهدي بغيرهم يضل
كنا نعد خلافهم ... صلحا وندرسه ونتلو
حتى بلينا بالخلاف ... وزاد في الشطرنج بغل
والجنس يضبط في البها ... ثم أصلها والبغل بغل
14/ أوجلس يوم الجمعة العشرين من رجب في دار السلطان/ فحضر السلطان مسعود مجلسه فوعظه فبالغ، وكان قد كتب على المدرسة النظامية اسم الأشعري، فتقدم السلطان بمحوه، وكتب مكانه اسم الشافعيّ، وكان أبو الفتوح الأسفراييني يجلس في رباطه ويتكلم على مذهب الأشعري، فتجري الخصومات، فمضى أبو الحسن الغزنوي الواعظ إلى السلطان فاخبره بالفتن، وقال له: إن أبا الفتوح [1] صاحب فتنة وقد رجم ببغداد مرارا والصواب إخراجه من البلد فتقدم السلطان بإخراجه، وخرج الحسن بن أبي بكر إلى بلده فأقام بعد ذلك، وأخرج في [2] رمضان وخرج أبو عبد الله ابن الأنباري إلى الموصل لإقرار زنكي على اقطاعه [1] واستثنى من إقطاعه صريفين، وأذن في إقامة الجمعة بجامع ابن بهليقا، فصار أحد الجوامع المذكورة.
وأخذ رجل يقال إنه فسق بصبي، فترك في جب ورقي إلى رأس منارة مدرسة سعادة، ثم رمى به إلى الأرض فهلك.
وفي شوال: برز السلطان مسعود طالبا همذان.
وزلزلت الأرض ليلة الثلاثاء رابع عشرين ذي القعدة، فكانت رجة عجيبة، كنت مضطجعا على الفراش فارتج جسدي منها.






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید