المنشورات

علي بن الحسين، أبو الحسن الغزنوي

قدم بغداد في سنة ست عشرة فسمع الحديث على مشايخنا وكان يعظ وكان مليح الإيراد لطيف الحركات فأمرت خاتون زوجة المستظهر فبنى له رباط بباب الأزج ووقفت عليه الوقوف وصار له جاه عظيم تميل الأعاجم إليه وكان السلطان يأتيه فيزوره وكثر زبون مجلسه بأسباب منها طلب جاهه وكثرة المحتشمين عنده [4] والقراء واستعبد كثيرا من العلماء والفقراء بنواله وعطائه وكان محفوظه قليلا فكان يردد ما يحفظه.
وحدثني جماعة من الفقراء انه كان يعين لهم ما يقرءون بين يديه ويتحفط الكلام عليه.
49/ ب سمعته/ يوما يقول في مجلس وعظه: الحكمة في المعراج لرسول الله صلى الله عليه وسلم انه رأى ما في الجنة والنار ليكون يوم القيامة على سكون لا انزعاج فيه فلا يزعجه ما يرى لتقدم الرؤية، ولهذا المعنى قلبت العصا حية يوم التكليم لئلا ينزعج موسى عند إلقائها بين يدي فرعون.
وسمعته يقول: حزمة حزن خير من أعدال أعمال.
وأنشدنا:
كم حسرة لي في الحشا ... من ولد إذا نشا
وكم أردت رشده ... فما نشا كما أشا
وأنشدنا:
يحسدني قومي على صنعتي ... لأنني في صنعتي فارس
سهرت في ليلي واستنعسوا ... هل يستوي الساهر والناعس [1]
وكان يميل إلى التشيع ويدل بمحبة الأعاجم فلا يعظم بيت الخلافة كما ينبغي فسمعته يقول تتولانا وتغفل عنا، وأنشد:
فما تصنع بالسيف ... إذا لم تك قتالا
فغير حلية السيف ... وضعه لك خلخالا
ثم قال: تولى اليهود فيسبون نبيك يوم السبت ويجلسون عن يمينك يوم الأحد وصاح: اللَّهمّ هل/ بلغت فكانت هذه الأشياء تبلغ فتثبت في القلوب حتى انه منع من 50/ أالوعظ فقدم السلطان مسعود فاستدعاه فجلس بجامع السلطان فحدثني ابن البغدادي الفقيه أنه لما جلس يومئذ حضر السلطان فقال له يا سلطان العالم محمد بن عبد الله أمرني أن أجلس ومحمد أبو عبد الله منعني أن أجلس يعني المقتفي وكان إذا نبغ واعظ سعى في قطع مجلسه.
ولما مال الناس إلى ابن العبادي قل زبونه فكان يبالغ في ذمه فقام بعض أذكياء بغداد في مجلس العبادي فأنشده:
للَّه قطب الدين من واعظ ... طب بأدواء الورى آس
مذ ظهرت حجته في الورى ... قام بها البرهان في الناس
وأراد ابن الغزنوي [قد قام للناس] [1] لأنه كان يلقب بالبرهان وهذا من عجيب ذكاء البغداديين فلما مات السلطان مسعود تتبع الغزنوي وأذل لما كان تقدم من انبساطه وكان معه قرية أصلها للمارستان فأخذت وطولب بنمائها بين يدي الحاكم وحبس ثم سئل فيه فاطلق، ومنع من الوعظ. وحدثني عبد الله بن نصر البيع قال أخذت من الغزنوي 50/ ب القرية التي كانت وقفت عليه فاستدعاني/ وسألني أن أقول لابن طلحة صاحب المخزن أن يسأل فيه وقال: هذه القرية اشترتها خاتون من الخليفة والذي وقع عليه الشهادة صاحب [2] المخزن فهو أعرف الخلق بالحال قال فجئت فأخبرته فقال أنا رجل منقطع عن الأشغال وكان قد تزهد وترك العمل فعدت إليه فأخبرته فقال لا بد من إنعامه في هذا فكتب صاحب المخزن إلى المقتفي هذا رجل قد أوى إلى بلدكم وهو منسوب إلى العلم فقال المقتفي أولا يرضى أن يحقن دمه؟ وما زال الغزنوي يلقى الذل بعد العز الوافي فحدثني أبو بكر بن الحصري قال سمعته يقول: من الناس من الموت أحب إليه من الحياة، وعني نفسه وكان لا يحتمل الذل، فمرض فحكى الطبيب الداخل عليه أنه قد ألقى كبده، وكان مرضه في محرم هذه السنة فبلغني أنه كان يعرق في مرضه ويفيق، فيقول: رضا وتسليم.
وتوفي ليلة الخميس سابع عشرين المحرم وصلى عليه في رباطه ودفن بمقبرة الخيزران إلى جانب أبي سعيد السيرافي.





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید